أمس، «قامت الدنيا» في ساحة رياض الصلح في قلب بيروت. كان يوماً مطلبياً بامتياز. من هيئة التنسيق النقابية وإضرابها العام واعتصامها احتجاجاً على استهتار اللجان النيابية بموظفي الدولة بعدم إقرار سلسلة الرتب والرواتب، إلى متطوعي الدفاع المدني الذين هدّدوا بالانتحار غرقاً، إلى عمال مؤسسة كهرباء لبنان ومصالح المياه في كل المناطق ومياومي وزارة المال وصولا إلى متعاقدي وزارة الإعلام وانتهاءً بقدامى المستأجرين. بلغت الصرخات آذان المجتمعين داخل المجلس النيابي وتداخل بعضها مع بعض، إذ تعددت المطالب بعدما ازدحم المكان بالمعتصمين، وعلت صرخاتهم حيناً تعبيراً عن الغضب وخفتت حيناً آخر عندما كانت تصل معلومات بأن النهاية السعيدة اقتربت لإحدى الفئات المعتصمة. موّظفون في القطاع الرسمي، مستأجرون، عجّز، أهالي متقاعدي الجيش، مياومون، ومعلمون توافدوا من مختلف المناطق، أجمعت قضاياهم على ملفات اجتماعية مطلبية متزاحمة، فيما عمّ الإضراب الإدارات والمدارس الرسمية وسجّلت خروق في المدارس الخاصة. وهتف المعلمون والموظفون: «الشعب بدو ياكل. الشعب بدو يعيش، وقّفوا الهدر والنهب. وحملوا لافتات كتب عليها: على الأرض يا حاكم، كفى مماطلة، أعطيت كل وقتي أعطوني حقي. كما لافتات رسم عليها رسم كاريكاتوري يسخر من النواب والحكومة وحاكم مصرف لبنان. وحده جهاد، مدرّس اللغة الأجنبية الذي رفض الإفصاح عن اسمه الكامل، بقي واقفاً في الساحة بعدما فرملت هيئة التنسيق النقابية تصعيدها وعلقت اعتصامها حتى الإثنين بناء على وعد من رئيس المجلس النيابي نبيه بري بإقرار السلسلة. وحين سئل جهاد عن غلاء المعيشة في حال أقرت السلسلة ابتسم هازئاً: «يعطونا من معاشات النواب القليل منها سيكفينا». أما زينة أستاذة العلوم الرياضية، فوصفت من طرح تجزئة السلسلة إلى خمس سنوات وحذر من التداعيات الاقتصادية لإقرار السلسلة بصيغتها الحالية على الكتلة النقدية والليرة، بال «المخادع». وفيما تخلّت زينة عن مطلبها إقرار السلسلة «في حال رد رئيس الجمهورية ميشال سليمان قانون الإيجارات وخفض المسؤولين الضرائب»، صرخت فادية: «ما نفع السلسلة إذا أرادوا رمينا في الشارع؟ نريد استرجاع ما سُلب منا، فنحن سُرقنا بهدوء». وكانت كلمة لرئيس رابطة الأساتذة الثانويين حنا غريب حذر فيها من «خفض أو تجزئة السلسلة لأن التقسيط يأكل من فائدتنا. ومن وضع أرقام ملغومة باحتساب حقوقنا المكتسبة لقاء الزيادة في ساعات العمل». وقال: «نريد مشاركة الهيئة في صنع الأرقام وتثبيتها». وحذر من «تكرار ما حصل في قانون الإيجارات وقانون العنف ضد المرأة»، مطالباً ب «إقرار سلسلة تحفظ الحقوق ولا تضربها». وتوعّد نقيب معلمي المدارس الخاصة نعمة محفوض ب «النزول إلى الشارع الإثنين المقبل ما لم يحل المجلس ملف السلسة مساء الأحد كحد أقصى». ولفت إلى أن «الرئيس بري طرح علينا عبر النائب علي بزي أنه مؤمن بحقوقنا وأن أحداً ليس ضدها، وطلب ولا يزال استكمال النقاش على أساس الانتهاء من السلسلة بما يحفظ الحقوق لتحويلها إلى الجلسة العامة». صرخة المستأجرين هيئة التنسيق النقابية أضربت واعتصمت ومبادرة بري كبحت جماح التحرك الحاشد لفترة سماح حتى الأحد، لكن ساحة رياض الصلح كانت مربط اعتصام قدامى المستأجرين الذين طالبوا الرئيس سليمان برد قانون الإيجار «غير المنصف والعادل»، داعين إياه إلى «عدم ارتكاب مجزرة ديموغرافية في نهاية عهده». ووصفوا القانون ب «المذهبي والطائفي»، وطالبوا بورشة عمل تضم كل الأطراف للوصول إلى حل يرضي الجميع. من جسر الباشا وبرج حمود والأشرفية وفرن الشباك والبدوي والجعيتاوي والتحويطة والصيفي والرميل والمصيطبة والمزرعة وغيرها من الأحياء البيروتية القديمة في بيروت، قدموا ليهتفوا: ردوا ردوا يا رئيس، سنحاسبكم بالانتخابات. وحين خرج النائب نديم الجميل لمشاركتهم وجعهم تمسّكوا به محاولين كسب تعاطفه معهم ولكن تبقى الغايات وهمية لأن قرار البرلمان لا رجوع عنه والمرحلة الآن في يد سليمان. وهتفوا: «ردوا ردوا يا نديم». وعلى أحقية مطالب قدامى المالكين الذين مرّ الزمن على عقود إيجاراتهم وكذلك على بدلات الإيجار التي يتقاضونها والتي لا تتناسب مع القيمة الحقيقية لأبنيتهم، قال المستأجر إيلي سلامة من جسر الباشا أن «طرح قانون الإيجارات بهذا الشكل المبهم والغامض، يترك الكثير من علامات الاستفهام حول مصير الآلاف من العائلات التي تشقى بغالبيتها لتأمين قوتها اليومي وأقساط المدارس الباهظة، فإذا بها اليوم تواجه التهديد بالطرد إلى الشارع». ويضيف: «النواب المشرعون لم يكلفوا أنفسهم عناء التمحيص في القانون ودرس مفاعيله الاجتماعية ووضع ضوابط تمنع التحكّم في رقاب المستأجرين». أما مراد كرم ابن الأشرفية، فطلب مالك منزله شكره على رفض إخلائه المنزل «لأنني ساهمت في غلاء منزله فيما كان يريد بيعه ب60 ألف دولار، الآن يمكن أن يبيعه ب600 ألف دولار». وعليا سياف (50 عاماً) من برج حمود التي جلست على الأرض مرهقة ومتعبة وتحمل لافتة: «أيها المشرعون النواب، عند الامتحان يكرم المرء أو يهان»، فبكت ابنها الشهيد في الجيش الذي كان يدفع لها بدل إيجارها سنوياً». وناشد سعد حموي من سكان المصيطبة «سليمان عدم ارتكاب مجزرة سكنية في نهاية عهده، هذا القانون قانون تهجير لسنا ضد المالكين، نريد قانوناً عادلاً ينصف المالك والمستأجر. ليقطف النواب نتيجة غلطتهم». وتخوّفت ليلى بركة من أن «المماطلة في رد القانون لفترة تتعدى 15 يوماً سيجعله نافذاً». وأكد المهندس أنطوان كرم الناطق الرسمي باسم المستأجرين القدامى، أن «هذا القانون يغيّر طبيعة الأرض، وهو مخطط ل 25 عاماً وستصبح المناطق السكنية للأغنياء فقط»، واصفاً إياه ب «الفوبيا». وأشار إلى تطمينات حول «إمكان أن يرفض سليمان القانون». المال والاعلام وكان لمياومي وزارة المال كلمتهم أيضاً في الساحة، حيث طالبوا ب «تثبيتهم»، وأشارت رولا مراد إلى أنها «تعمل مقابل 6000 ليرة في الساعة ولا تحتسب عطلها الرسمية، ولا تعويضات»، وللراغبين في الدخول إلى إدارة الإحصاء المركزي مطالبهم في التوظيف بعدما خضع 47 منهم لامتحانات ونجحوا وأقر المرسوم المتعلق بهم. ونزل المياومون وجباة الإكراء وعمال غب الطلب للاحتجاج على «القانون الذي صدر عن المجلس النيابي وبقي منقوصاً». وغاب أثير «إذاعة لبنان» (الرسمية) كما أخبار «الوكالة الوطنية للإعلام» (الرسمية) على مدى 24 ساعة للمطالبة بتثبيت المتعاقدين مع وزارة الإعلام الذين نزلوا الى الساحة وناشد باسمهم رئيس لجنة المتابعة اندره قصاص «بري وجميع الكتل إنصافهم بالسير باقتراح قانون تقدم به عدد من النواب منذ آذار 2012»، ملوّحين ب «التصعيد والتوقف عن العمل وإيقاف بث الأخبار على الصفحة الإلكترونية للوكالة الوطنية ووقف البث في الإذاعة الوطنية ومركز الدراسات لأكثر من يوم واحد».