قال الروائي المالي عمر الأنصاري صاحب رواية «الرجال الزرق» في لقاء معه في عمان خلال زيارته لها أخيراً إن اشكاليات عدة واجهته لدى تقديمه الطوارق لقراء اللغة العربية: «كنت أمام خيارات محيرة، هل أقدم الطوارق تاريخاً أم أسطورة أم كواقع سياسي؟ هذا أمر يحتاج الى مئات المجلدات، إضافة الى يقيني بأن قراء الكتب الجادة، أو كتب التاريخ الحقيقي انقرضوا، وهذا ما جعلني أقدم الطوارق في شكل ملخص». وأكد الأنصاري أن «تاريخ الطوارق لم يكتب بعد، فهو تاريخ ينتظر من يزيح عنه اللثام، وما عدا الكتابات الاستعمارية فإن أحداً لم يكتب عن تاريخ الطوارق ولا عن قضاياهم أو واقعهم إلا ما ندر». يعكف الأنصاري على إنجاز روايته الثانية التي أنجز منها الجزء الأكبر وستحمل عنوان «طبيب تومبيكتو» وأوضح: «لا أزال أسكن صحرائي وتسكنني هي أيضاً، مهما سكنا في المدن وضوضائها فإن الصحراء ستبقى داخلي إلى الأبد ولن اختار البعد عنها. وهذا ما أستمد منه القوة للمضي في رسالتي وتكريس ما أمكنني من جهد ووقت لتحقيق ذلك. ومشروعي في الكتابة عن الطوارق سيتواصل ما حييت، ومنه ما سيكون أدبياً ومنه ما سيكون تاريخياً، إلا إنني أعمل الآن على رواية جديدة تتحدث عن وقائع إنسانية للطوارق، من خلال طبيب يسرد تضاعيف محنة الإنسان الطوارقي». أما رواية «الرجال الزرق» التي صدرت في عام 2006 عن «دار الساقي» فتناول الإنسان الصحراوي «الطوارقي» من خلال مستويين، أخذ الأول منحى الأسطورة، وبدا الثاني واقعياً ويضم كثيراً من أبناء الصحراء الهائمين بين كثبانها، وركز على محاولات تهميشهم في بعض البلدان الأفريقية والعربية، وعلى تشتت قضيتهم على أكثر من مائدة سياسية. وفي الرواية أيضاً تأكيد لهوية الصحراويين وانتمائهم العربي. يعد الأنصاري واحداً من الناشطين في مجال الدفاع عن قضية الطوارق، التي حملها معه الى أكثر من منبر إعلامي ويقول في هذا القبيل: «يحتم عليّ واجب الانتماء الى الصحراء حمل هذه الرسالة قدر مستطاعي وقد عملت طوال 15 عاماً آملاً في إيقاظ هذه القضية المنسية عند أصحاب الضمائر الحية في عالمنا وإيصال صوت الطوارق إليهم». وعلى رغم ادراك الانصاري لحجم الجهد الذي تتطلبه قضية مثل هذه، خصوصاً من الناحية الإعلامية، والكوادر البشرية، والزمن الطويل، فهو يحاول القيام بدوره كفرد يؤدي رسالته، و «أن أضع لبنة واحدة بانتظار من يضيف إليها من الأجيال حتى تظهر معالم البناء». ويشير الأنصاري الى أن «حركة الطارقي لم تكن عبثاً في أي وقت من الأوقات، فالطارقي كرس حياته بحثاً عن الحرية والانعتاق والتحرر، وكانت الصحراء مجاله الواسع الذي أمكنه من خلاله تحقيق ذلك. فمشكلة هذا الشعب تتلخص في بحثه الدائم عن الذات من خلال الصحراء. وتاريخياً كانت قبائل الطوارق القديمة قريبة الى المناطق الخصبة في شواطئ المتوسط لكن مضايقة الغزاة الرومان والوندال والبيزنطيين وغيرهم جعلتهم يوغلون في الصحراء ولم يصدهم سوى ثنية نهر النيجر أي الغابة الأفريقية. ولو تحول كل أديم الأرض الى صحراء فإن الطوارق خير من يمكنهم بناء أي صحراء مهما كانت قاحلة ومهما كانت مميتة». ويضيف الأنصاري: «اليوم نجد أن الاستعمار الفرنسي الذي حكم منطقة الطوارق أدرك ذلك الحراك الأزلي، وأدرك انه السر الأكبر لهذه القومية، وأن حرية هذا الحراك وديمومته هما إكسير حياة هذا الشعب، وهذا ما عرفه المستعمر وقرر إنهاءه. فتم تقسيم الطوارق وصحرائهم كهبات بين دول المنطقة وكان هذا قراراً استعماري جائراً، القصد منه القضاء على هذا الشعب الذي كان شوكة في حلق الغزاة. فالطوارق هم الذين نغصوا على المستعمر لذة الاستمتاع بالصحراء وثرواتها. ولذلك عوقب الطوارق بتقسيمهم، واليوم نرى ذلك بأم العين، نرى هذا الشعب الممنوع من الحياة والتعلم والحرية». يبرر الانصاري مزجه للأسطورة والواقع في «الرجال الزرق» قائلاً: «ذكرت في مقدمة كتاب «الرجال الزرق» أنني أردت أن يكون هذا الكتاب رؤوس أقلام أحرض بها الباحثين. فالقارئ العربي لا يعرف شيئاً عن الطوارق، تارة يسمع عنهم كشعب ملثم، وتارة كشعب مضطهد، وتارة كمهجرين ولاجئين. أردت تلخيص كل ذلك في صفحات قليلة لتحريض الباحثين عن تاريخ الطوارق وواقعهم، واعتمدت في القسم الأول من الكتاب على زهاء 100 مصدر ومرجع بغية أن اقدم للقارئ بيبليوغرافيا مصغرة يمكنه أن يستلهم منها أي بحث عن تاريخ الصحراء وسكانها. وسعدت للغاية أن القارئ استقبل ذلك. فمن يقرأ «الرجال الزرق» يجد فيه متعة التاريخ والأسطورة ومرارة الواقع والحقيقة». ويعتبر الأنصاري الروائي الليبي إبراهيم الكوني الذي كرّس حياته للحديث عن الصحراء وقضية إنسانها، قدوة أساسية له ولكل المعنيين بهذا الموضوع، ويشبهه ب «المنحة الالهية للصحراء، فالطوارق حوصروا بالجهل والأمية والقتل والتعتيم الإعلامي، خصوصاً في العالم العربي، والكوني هو جائزة تلك الصحراء». ويستطرد: «لأننا أمة ليس لديها مؤرخون ولا كتاب ولا صحافيون منحنا الله الكوني الذي يساوي عندنا مليون كاتب، فقد قدم ذاكرتنا ووجداننا في أدب عالمي، وخلد وجدان الطوارق في الذاكرة الإنسانية. وأسعى كما يسعى غيري من شباب الصحراء الى تلمس خطاه والاحتذاء بتجربته الإبداعية ما أمكننا». ويواصل حديثه عن أدب الصحراء والطوارق موضحاً: «الأدب هو المجال الأول لتخليد ذاكرة أية أمة، لدينا علماء وشعراء ومبدعون هم من حملوا شعلة المعرفة الى جنوب الصحراء عبر القرون الماضية، وتركوا لنا ذخائر مخطوطاتهم التي تعرضت عبر العقود الطويلة الماضية الى التلف والضياع والسرقة. ولو قيض الله لأمة الطوارق جهات دولية ومراكز بحث تساعدهم على اخراج ما بقي من ذلك التراث لوجد العالم اليوم بعضاً من تلك الذاكرة التي تتعرض للاندثار». وعن الثابت في التراث على اعتبار أن الصحراء هي المكان المتغير قال الأنصاري: «بينما يحاول الآخر مسخ وجدان الصحراء وتدنيس إنسانها، فإن الطارقي لا يمل من البحث عن نفسه في تلك المتاهة الكبرى، مستعينا بفيض من الوجدان الحميمي الذي يستمد منه الرغبة في البقاء. ذلك هو الجزء العبثي في حياة الطارقي، عبث البحث الدائم عن كنزه المفقود، كنزه المتمثل في تلك المجابة الصحراوية التي حولها أهل الكيد الى قفص مميت للرجال الزرق، الذين حسدوا لأنهم اختاروا الفقدان. وحينما وجدهم العدو أراد إذلالهم بإرجاعهم من ضياعهم، ووضعهم في قفص محكم الإغلاق، لن يفتح إلا بمعجزة».