عندما يذكر اسم المناضل المغربي المعارض المهدي بن بركة، لا يخطر في بال الناس سوى حكاية اختطافه في جادة سان جرمان وسط باريس من قبل أجهزة الاستخبارات المغربية بتعاون لم يخفَ على أحد من قبل زميلتها الفرنسية، وبالتالي مجمل الألغاز التي لم تحل أبداً من حول ذلك الاختطاف. يبدو الأمر في النهاية كما لو أن مختطفي بن بركة ضربوا بحجر واحد عصفورين: من ناحية أزالوه من الوجود، من دون أن يبقى من جثته أثر، وكانت هذه رغبتهم الدائمة لأنه كان زعيماً وطنياً مزعجاً ومناضلاً ليس فقط من أجل حرية المغرب واستقلاله، بل كذلك من أجل العالم الثالث، الى جانب اسماء كبيرة مثل جمال عبدالناصر ونكروما ونهرو وسوكارنو... ومن ناحية ثانية جعل الناس يحصرون ذكراه في مصيره الغامض، بحيث ينسون دوره الكبير على رأس مجموعته الحزبية الأساسية في تاريخ المغرب، في حصول هذا البلد على الاستقلال. ومن هنا، رداً على عمليتي الاخفاء هاتين، جرت دائماً محاولات سينمائية وتلفزيونية لاستعادة ذكرى الرجل في مسار حياته ونضاله وليس في جريمة خطفه فقط. ومن هذه المحاولات، بل من أبرزها الفيلم الوثائقي التلفزيوني الذي حققته سيمون بيتون (صاحبة أفلام شهيرة عن أم كلثوم ومحمود درويش، وعمل رائع عن راتشل كوري... وأفلام أخرى مناهضة لإسرائيل)، شراكة مع باتريس بارا، في عنوان «بن بركة... المعادلة المغربية». وهذا الفيلم تعيد عرضه اليوم قناة «كل التاريخ» الفرنسية، ليطرح على مدى ثلاثة أرباع الساعة، جملة من الحقائق والقضايا التي تلامس قضية بن بركة... ولكن - وهذا يبدو لنا أكثر أهمية هنا - لتستعيد في الوقت نفسه مسيرة ومسار هذا المناضل الفذ منذ بداياته، حتى تحوله الى الوجه البارز في النضال المغربي ونضالات العالم الثالث. يذكر أن سيمون بيتون مخرجة الفيلم التي عرفت كمنشقة عن إسرائيل التي حملت جنسيتها ثم أبدلتها بجنسية فرنسية، هي مغربية الأصل وتقول دائماً إن «بن بركة» كان بطل صباها والقدوة النضالية التي ترعرعت على الإيمان بها. * «قناة toute l'histoire»، 16.25 بتوقيت غرينتش.