استحوذت الزيارة الرابعة لرئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري لدمشق والمحادثات «الماراتونية» التي أجراها مع الرئيس السوري بشار الأسد يومي الأحد والاثنين باهتمام السفراء العرب والأجانب المعتمدين لدى لبنان والقيادات السياسية الرئيسة، باعتبارها أسهمت، بحسب قول عدد من الوزراء الذين كانوا في عداد الوفد الى العاصمة السورية، في ارساء الأسس لتحقيق نقلة نوعية في العلاقة بين البلدين من خلال تعاون المؤسسات فيهما بهدف تعزيزها وتطويرها نحو مستوى التعاون الاستراتيجي. ونقل الوزراء عن الحريري ارتياحه الكبير الى الأجواء التي سادت محادثاته مع الأسد، وأكدوا ان القيادة السورية فوجئت بارتفاع منسوب التوتر السياسي في لبنان على خلفية ما أعلنه الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله الجمعة الماضي في شأن احتمال ورود أسماء أشخاص منتمين الى الحزب في القرار الظني في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري والموقف منه، وردود الفعل عليه. ولفت هؤلاء الى أن دمشق لم تكن على علم بكل ما صدر من مواقف عن نصرالله وانما فوجئت بها، مشيرين الى ما صدر عن الرئيس الأسد أثناء استقباله الحريري في حضور نظيره السوري محمد ناجي عطري وأعضاء الوفدين اللبناني والسوري من ان التجاذبات السياسية في لبنان لم تعد خافية على أحد وان الاختلاف في وجهات النظر بين القوى السياسية فيه يجب أن لا ينعكس ضرراً على مصالح اللبنانيين. وأكد الوزراء أن الأسد دعا، بطريقة أو بأخرى، الى تحييد الاقتصاد في لبنان ومصالح الناس عن السجالات السياسية التي من غير الجائز ان تكون عائقاً أمام التفات حكومة الوحدة الوطنية الى هموم اللبنانيين وتوفير الحلول لمشكلاتهم. واعتبر الوزراء ان دمشق غير معنية، لا من قريب ولا من بعيد بالحديث من حين الى آخر عن تغيير الحكومة في لبنان. وسأل هؤلاء: «ألا يشكل كلام الرئيس الأسد أمام 13 وزيراً لبنانياً من دعم اللبنانيين لنهج الحريري وسياسته الداخلية مؤشراً الى سحب هذه المسألة من التداول والمزايدات والانصراف الى الاهتمام بمصالح اللبنانيين؟». ولدى سؤال معظم الوزراء الذين كانوا في عداد الوفد اللبناني عن مضمون المحادثات التي دارت بين الأسد والحريري أجابوا بأن معظم المواضيع التي نوقشت تناولت الأوضاع في المنطقة والتهديدات الإسرائيلية للبنان وكيفية مواجهتها انطلاقاً من دعم الجهود الآيلة الى تثبيت التهدئة والحفاظ على الاستقرار العام وصونه وهذا ما يتعارض مع عودة التوتر السياسي الى الساحة الداخلية. وأشار الوزراء الى ان ما يهم دمشق في المرحلة الراهنة توفير كل ما من شأنه أن يحافظ على الاستقرار العام وتبديد ما تبقى من شوائب لتنقية العلاقات اللبنانية – السورية بعد أن خطت محادثات الحريري في دمشق خطوة متقدمة على طريق الارتقاء بها الى المستوى المطلوب. وكشفوا أن مبادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، في إطار سعيه من أجل التهدئة، الى لقاء أركان مؤتمر الحوار الوطني، لم تنطلق من فراغ وانما جاءت في ضوء تواصله مع الرئيس الأسد وقراءته الدقيقة لدور دمشق في دعم الجهود اللبنانية الرامية الى تبديد أجواء التوتر والاحتقان، على قاعدة ان لا مصلحة لجميع الأطراف اللبنانيين العودة ببلدهم الى الوراء، خصوصاً ان الموقف السوري في هذا الخصوص واضح ولا يحتمل التأويل والاجتهاد اللذين لا يمتان اليه بصلة. وكان سليمان التقى أمس الحريري الذي وضعه في أجواء محادثاته في دمشق بعدما كان الأول اجتمع مع كل من رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون ورئيس كتلة «المستقبل» النيابية فؤاد السنيورة ورئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» (حزب الله) النائب محمد رعد. ومع انه لم يرشح شيء عن لقاءات سليمان التي يستكملها اليوم، علمت «الحياة» من مصادر رسمية بأن رئيس الجمهورية شدد على ضرورة لملمة التوتر واستيعابه للحفاظ على الاستقرار وان السنيورة تقاطع معه في طلبه لأن هناك مصلحة عامة في العودة الى التهدئة حتى لا يدفع لبنان ثمن التداعيات التي يمكن ان تؤثر فيه جراء التعقيدات الحاصلة في المنطقة والتي تتطلب تضافر الجهود لحماية الاقتصاد الوطني ومنع لبنان من الارتداد الى الوراء. وأكدت المصادر أن جميع من التقاهم رئيس الجمهورية توافقوا على عدم الانزلاق نحو التوتر، وهذا ما لاحظته جهات مواكبة للمفاعيل السياسية لزيارة الحريري دمشق من خلال نفي الوزير في «حزب الله» محمد فنيش ان يكون نصرالله وجه تهديداً ضد أحد في معرض حديثه عن القرار الظني المنتظر في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، لافتاً الى انه أطلق تحذيراً فقط ومشيراً أيضاً الى ان لا نية لتغيير الحكومة. كما أن عون، وان كان في نهاية الاجتماع الدوري أمس ل «تكتل التغيير والإصلاح»، كرر ما قاله سابقاً من ان لا حرب إسرائيلية على لبنان من دون تعاون داخلي فإنه نفى في المقابل أن يكون قال لنصرالله «انهم» يريدون ان يقتلوه، «فهذه ليست طريقة كلامي». وأوضح عون ان المعطيات لدى نصرالله تختلف عن المعطيات التي لديه وان الأسئلة التي وجهها نصرالله الى مسؤولين في السلطة «هم يجب أن يجيبوا عنها»، معتبراً ان الكلام الذي نشر عن لسانه في بعض الصحف ليس دقيقاً وانه ليس إلا تحليلاً ولا يأتي من «ضمن ما نقل عنه من أنه سيناريو» للمرحلة المقبلة. وفي هذا السياق سئل رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يشارك في المؤتمر الثالث لرؤساء البرلمانات في العالم في جنيف عن القلق السائد في لبنان مما يثار عن احتمال شن إسرائيل حرباً على لبنان؟ فأجاب: «أكرر ان لا شيء يدعو الى هذا القلق ولا شيء في الأجواء يثير الخوف ولا أتوقع حرباً كما يثار، وعلينا الانصراف الى أوضاعنا الداخلية والاجتماعية والمعيشية». الى ذلك أكد أمس وزير الداخلية والبلديات زياد بارود التزامه الصمت حيال السؤال الذي وجهه اليه نصرالله عما إذا كان لدى فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي معلومات عن الموقوف بتهمة التعامل مع اسرائيل شربل قزي قبل أن توقفه مديرية المخابرات في الجيش اللبناني وقال: «لن يكون الجواب إلا كما يجب بالتنسيق مع رئيسي الجمهورية والحكومة وغداً (اليوم) سأطرح الأمور في جلسة مجلس الوزراء»، مشيراً الى انه تسلم التقرير من قيادة قوى الأمن الداخلي السبت الماضي وفيه جواب على ما طرحه نصرالله ومنوهاً بعمل قوى الأمن الذي أثمر نتائج مهمة في ملف التجسس. من جهة ثانية، اعتبرت كتلة «المستقبل» النيابية بعد اجتماعها برئاسة السنيورة أمس ان الاجتماعات الثنائية بين الأسد والحريري والتوقيع على 18 اتفاقاً ومذكرة تفاهم بين لبنان وسورية شكلت خطوة متقدمة على طريق تدعيم العلاقات بين البلدين القائمة من طريق المؤسسات ومن دولة الى دولة. ونوهت بما نقل عن الأسد وتشديده على ضرورة إبعاد المسائل المتعلقة بالمصالح المشتركة للشعبين اللبناني والسوري عن الأمور السياسية، معتبرة أنه «موقف حكيم وواقعي يصب في سياق تمتين العلاقات بين البلدين». وقالت: ان هذه العلاقات «يجب أن تبقى مصانة وسليمة ومستقرة ومتقدمة ومبنية على استقلال البلدين وقائمة على الاحترام المتبادل بعيداً من انعكاسات الأحداث العابرة والتقلبات السياسية». ورأت «المستقبل» في بعض المواقف المفاجئة التي صدرت أخيراً (في إشارة الى كلام نصرالله) في شأن المحكمة الدولية مقاربة مستغربة لموضوع المحكمة من الممكن أن تعيد البلد الى أجواء يجهد اللبنانيون من أجل تناسيها والعودة للتطلع الى الأمام، بخاصة ان الأطراف اللبنانيين أقروا مسألة هذه المحكمة على طاولة الحوار. كما اعتبرت ان كل الافتراضات والتوقعات المسبقة والاتهامات التي تطاول المحكمة والتحقيق الدولي من هنا أو هناك لا تفيد المصلحة الوطنية بل تضر بها. ونوهت أيضاً بالجهد المسؤول الذي يقوم به فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي وبموقف الوزير بارود منه.