محافظ الطائف يستقبل الرئيس التنفيذي ل "الحياة الفطرية"    جلسات منتدى المرأة الاقتصادي تستعرض تجربة تمكين المرأة    «التخصصي» قائد الإنجاز في الذكاء الصناعي    الخريّف: فرص واعدة لحلول روّاد الأعمال الابتكارية في قطاعَي الصناعة والتعدين    اكتمال وصول الجياد المشاركة في بطولة قفز الحواجز العالمية    البكيرية يلاقي الجندل.. العدالة في اختبار النجمة.. العربي أمام الباطن    المملكة وإيران والصين تدعو لوقف فوري للعدوان الإسرائيلي في فلسطين ولبنان    9300 مستفيد من صندوق النفقة    معرض «FOMEX 2025» يعزز البعد الدولي للإعلام السعودي    «فناء الأول» يطلق النسخة الأولى من «أسبوع الأفلام الفنية»    مجمع الملك فهد يطلق «خط الجليل» للمصاحف    نائب أمير مكة يستقبل رئيس الشؤون الدينية بالمسجد الحرام والمسجد النبوي    وزير الخارجية يترأس وفد المملكة المشارك بجلسة «التنمية المستدامة والتحول في مجال الطاقة» في قمة مجموعة العشرين    إمير منطقة تبوك يتسلم التقرير السنوي لهيئة مدن    الإمارات تقسو على قطر بخماسية بفضل «سوبر هاتريك» فابيو ليما    وزير الخارجية ونظيره البرازيلي يوقعان مذكرة تفاهم لإنشاء مجلس تنسيقي بين البلدين    جامعة الملك خالد تحتفي بالمشاريع الريادية في ملتقاها السنوي    وزير العدل يبحث سبل التعاون مع رئيس «اليوروجست» في لاهاي    منتدى مسك العالمي    بوتين يوجه تحذيرا لأمريكا بتعديل للعقيدة النووية    الأرجنتين تنسحب من اليونيفيل    أمير تبوك يستقبل المواطن ممدوح العطوي الذي تنازل عن قاتل أخيه    وزير الحج والعمرة: الترتيبات التنظيمية للحرمين الشريفين ستنعكس إيجاباً على تطوير الخدمات لضيوف الرحمن    الجلاجل يثمّن إشادة مجلس الوزراء ب «إعلان جدة» الصادر عن المؤتمر الوزاري العالمي لمقاومة مضادات الميكروبات    الشورى يطالب بنك التنمية الاجتماعية بالتوسع في المناطق    ضبط شخص في القصيم لترويجه مادة الإمفيتامين المخدر    تغير المناخ وضريبة المليارديرات يخيمان على زعماء G20    سلطنة عمان.. 54 عاماً في عز وأمان.. ونهضة شامخة بقيادة السلطان    درب العلا يعود بمسارات متنوعة    استعراض 97 مشروعًا ومبادرة تحسين في ملتقى الجودة السنوي لتجمع القصيم الصحي    مؤسسة هيفولوشن الخيرية تخصص 400 مليون دولار لتعزيز الأبحاث العالمية في مجال إطالة العمر الصحي منذ بدء أعمالها في عام 2021    بتوجيه من وزير الداخلية.. قرارات إدارية بترقية 1604 أفراد من منسوبي ومنسوبات الجوازات    الهيئة العامة للصناعات العسكرية تشارك في الملتقى البحري السعودي الدولي الثالث    محمد بن عبدالعزيز يطلع على جهود تعليم جازان لانطلاقة الفصل الدراسي الثاني    أمير القصيم يستقبل سفير أوكرانيا    الجامعة العربية تعقد مؤتمرًا دوليًا بالأردن حول دور المجتمع الدولي في تعزيز حقوق الطفل الفلسطيني    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود مجلس الجمعيات الأهلية    جودة التدريس ومخرجات التعليم    مركز الملك سلمان للإغاثة ينظم المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة الأحد القادم    «الجامعة العربية» تدعم إنشاء التحالف العالمي لمكافحة الفقر والجوع    دراسة: القراء يفضلون شعر «الذكاء» على قصائد شكسبير!    اتهامات تلاحق كاتباً باستغلال معاناة مريضة ونشرها دون موافقتها    163 حافظا للقرآن في 14 شهرا    وزير الدفاع ونظيره الفرنسي يبحثان آفاق التعاون العسكري    العتودي الحارس الأخير لفن الزيفه بجازان    «الإحصاء»: السمنة بين سكان المملكة 15 سنة فأكثر 23.1 %    الاختيار الواعي    صنعة بلا منفعة    إدانة دولية لقصف الاحتلال مدرسة تابعة للأونروا    مرحلة الردع المتصاعد    هل تجري الرياح كما تشتهي سفينة ترمب؟    ChatGPT يهيمن على عالم الذكاء الاصطناعي    رسالة عظيمة    لبنان نحو السلام    (إندونيسيا وشعبية تايسون وكلاي)    في تصفيات مونديال 2026.. ميسي لتجاوز عناد «بيرو».. والبرازيل تسعى لنقاط أورجواي    الاكتناز    البرتقال مدخل لإنقاص الوزن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الندم» ... والتراجيديا السورية
نشر في الحياة يوم 01 - 07 - 2016

انصبّ وجع بابلو بيكاسو خلال الحرب في بلاده بين عامي 1936 و1939، في لوحة جدارية تحولت إلى تعبير خالد عن ويلات حرب قايين وهابيل في وطن واحد... وإلى شاهد يلفت انتباه العالم بعد مجزرة قصف مدينة «غيرنيكا» التي حملت اللوحة اسمها، إذ تلا بيكاسو كلمات المآساة بالأزرق الداكن، والأسود والأبيض. في سورية، يصب الكاتب حسن سامي يوسف وجعه مع المخرج الفنّان الليث حجّو في مسلسل «الندم» الذي أصبح كما العنوان، قاسماً مشتركاً بين السوريين بما أصاب بلادهم. الندم لما فعل أو لما لم يفعل في أحداث تدور في زمنين، عام 2003 وزمن الحرب الدائرة والندم الجاري. يختار العمل قصة عائلة «الغول» ومحيطها، فضاءً لأبناء البلد والنزاعات «الداخلية» وينتدب ابنها الكاتب «عروة» ليكون الراوي والشاهد على «غيرنيكا» السورية.
يتعاطى حجّو مع الزمنين في نص يوسف، هبوب الريح في الطاحون، تحركها ولا تكسرها. هنا، لا يمكن وصف الزمن الماضي تقنياً ب «الاسترجاع الفني» (فلاش باك) التقليدي، إذ تسير الأحداث بالتوازي في التوزيع الزمني من حيث تصاعدها وكثافتها. لا يطغى زمن على آخر. الاثنان طازجان، يتشابكان عضوياً على الورق وفي الرؤية الإخراجية، بخاصة أنهما يحملان مقارنات إنسانية واضحة بينهما، وسؤال هناك واحتمال جواب هنا (لا يروم العمل أي أجوبة)، فعل الماضي 2003 ورده الحالي، في الحب والعائلة والسياسة وغيرها، وأولاً في «الوطن» و«الإنسان».
من ناحية الأسلوب، يصوّر حجّو الزمن الماضي بالألوان كلها، الآني بالألوان القاتمة، ك «غيرنيكا». يبدو من السذاجة تحليل هذا الخيار الفني، بالاقتصار على «الحياة» و«الاستقرار» من قبل، و«الموت» و«الخراب» من بعد. حين انتهى بيكاسو من «غيرنيكا»، أثار سوادها ورماديتها إحساساً بنقصانها، فعمل على تعديلها بقصاصات من ورق الحرير الملوّن. صعقت النتيجة الفنّان الذي شعر بأن أيقونته تحولت من عمل فني يعكس مآسي الحرب إلى «إعلان سيرك متجول»، فأعادها إلى حالتها الأولى. لعل ذلك يجيب على خيار حجّو بالألوان القاتمة، في النهاية، ما هو البديل الصالح من «اللون» لمآساة كهذه؟!
ويحافظ حجّو بصوره على أمانة نقل «المآساة» بطريقة «الدوكودراما» من قلب الشارع الدمشقي صاحب الوجوه المتعبة والقلقة والحركة المهزوزة الحائرة، فلا يخفي وجود عناصر «حزب الله» فيه على رغم الحساسية. ويلقي الضوء على سوريالية واقعة بفحص طبيب الأسنان مريضه على نور القداحة. ويجري حواراً مع «المتسول»، يثير إشكالية «من لم يعد متسولاً في شكل أو في آخر في هذا الظرف؟». ويكمل المهمة النص بالحوارات القائمة على مفردات الأزمة، ك «تلطيش أقوى من الكيماوي»، والإسقاطات الفكرية التي ترفدها المؤثرات الصوتية النابعة من الحرب كالرصاص والقذائف: «كلنا طغاة أبوكي طاغي ونحن كل واحد فينا طاغي صغير»، «كل واحد بدو ياك على قياسه... ما حدا على قياس حدا». ومن أكثرها وجعاً جملة «سليم» الوحش: «إذا ما فيني صير متله (عروة) بدي خليه يصير متلي». لكن صنّاع العمل يتدخلون في أحد مشاهد الشارع التي يذكر فيها «عروة» مشهد بيع «عبود» الدواء في مسلسل «الانتظار» (2006)، بمشهد مماثل في «الندم» يؤديه أحد منفذي الإنتاج، للقول، ربما بنرجسية مستحقة، حذرناكم سابقاً. هنا لا بد من الإشارة إلى أن سالفادور دالي رسم لوحته «إنذار مسبق من الحرب»، قبل نشوبها بستة أشهر في إسبانيا، كما فعل «الانتظار» بفارق زمني أوسع.
وتغص عائلة «الغول» عبر سلوك أفرادها بالإسقاطات حول كرة الثلج التي تدحرجت. الأب «إبراهيم» (سلّوم حدّاد) الصلب الشرس الذي يعتقد دائماً أن رأيه هو الصائب. الابن الأكبر «عبدو» (باسم ياخور) النهم للسلطة والمال، لدرجة أنه يبيع إنجاز الوالد الأهم (المعمل). «سهيل» (أحمد الأحمد) الابن الأوسط المتعطش للحصول على «التقدير» من والده، عقدة الإجحاف تلازمه قبل أن يهرب بعيداً متهوماً بسرقة «أبو عبدو». لا يهم هنا إثبات التهمة من عدمها، الثابت في الحكاية أن قيمة سهيل لم يعرفها الأب إلّا بعد فقدانه، وأن غيابه خسارة للعائلة «الوطن»، كم من سهيل في سورية؟... و «ندى» (رنا كرم) الابنة الصغرى التي نُكبت باتهام خطيبها بالعمالة للخارج والجاسوسية، التهمة الجاهزة لكَمّ الأفواه. يقول عبدو في جملة من حواراته: «على شو عم يناضل هالجاسوس، يروح يناضل برا، هي البلد إلنا... إلنا!». وأخيراً «عروة» (محمود نصر) الذي شكل تداخل نماذج، بين المواطن الذي يشاهد أكثر مما يفعل والغارق في الهم الخاص أكثر من العام، والكاتب الذي يرصد ويكتب أكثر مما يشارك في الحدث، وكذلك «الضمير المتأخر». يقول في أحد المشاهد: «كلنا متل ركاب تايتانيك بس الفرق كلنا شايفين جبل الجليد وما عم نعمل شي». وفي مشهد رقود «أبو عبدو» مكسوراً في المستشفى، حيث يتبادل الإخوة تهم التسبب بمرضه بين «الجشع» و«العمالة»، يصرخ «عروة»: «خرسي انت وياه حسوا انو في واحد مريض قدامكم».
من ناحية الأداء، يضع حدّاد كل خبرته، فيتميز بقدرته على الإبهار والإقناع. ويثبت كل من ياخور والأحمد ودانا مارديني وحسين عبّاس وجفرا يونس أن التمثيل عجينة طيعة بأيديهم، بينما يقدّم نصر أبرز أدواره بأداء لا يقل عن الراقي والثابت، ولكن يطرح التساؤل هل الأداء بحجم الدور؟ بالإجابة عن الآتي: هل «عروة» هو من أضاف لنصر أم إن نصر أضاف ل «عروة»؟ هنا لا مجال لحل وسط في عمل حمل زمنين في مأساة واحدة، وعنواني «الانتظار» و«الندم» في مسلسل واحد، وفريقين في شعب واحد يرسم «غيرنيكا» خاصة به.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.