يعود المخرج الليث حجّو والكاتب والروائي حسن سامي يوسف للإجابة عن مصير أيقونتهما الدرامية، «الانتظار» (2006) بمسلسل «الندم» الذي يبدو بتركيبته العمل الذي تختاره الدراما السوريّة في كل موسم، لتقص حكايتها بكامل خصوصيتها التي تنطلق من الحسّ الواقعي، لذا من الأوجب مشاهدة العمل الرمضاني المقبل، بدايةً بسالفه، بصفته يشكل امتداداً له. «الانتظار» ومن بعده «الندم» بعنوانيهما كمفردات، يشيران إلى ارتباطهما ببعض على التوالي، مع رصد كل منهما مرحلة معينة بما تحويه من هموم واسعة، بوجه اجتماعي وعمق سياسي. يتنقل حجّو بكاميرا ثابتة لتكوين الصورة خلال مشاهد «الانتظار» الأولى في شوارع وحارات دمشق ومناطقها الغنيّة والفقيرة، ربما في إشارة إلى استقرار الواقع في الظاهر خلال زمن العمل، قبل الدخول في العمق، لكنه يختار للبدء في «الندم»، عدسة قاتمة، ومتحركة يميناً ويساراً وترتد للوسط، لتلائم الواقع الحالي، وفق ما يظهر البرومو الرسمي الذي يطرح في أولى كلماته على لسان «عروة»: «إلى أين وصلنا يا الله، ماذا زرعنا لنحصد هذا الخراب كله؟!». حصاد «الندم» يكشفه موسم «الانتظار» بتسلسل أحداثه، بخاصة في خاتمته، حين يتقاتل أهل العشوائيات من طيبين ومجرمين، من الأطفال إلى العجّز، فيُقتل «عبود» الإنسان الصالح الذي لا يملك «عبء» هوية نسب واضحة، فيعود أهل حارته بجثته محمّلة على «طرطيرة» بحالة من رد فعل نفسي أشبه ب»التفكك»، ولكن بحيّز الطرح الدرامي، إذ يغنّون «يا وبور قل لي رايح فين». وتكمن الدلالة الأوضح في عودة ابن الحارة «الشرطي» في خط سير منفرد ومتخلف عن «مجتمعه». يؤكد حجّو في دردشة بعيداً من مسجلات الصحافيين أن من المقصود استمرار لحظة «الانتظار» الذي لم يكن مجرد عمل درامي، بل توثيق لدمشق ويومياتها وعشوائياتها، حيث طرحنا سؤال إلى أين نحن ذاهبون؟ إلى أين سيأخذنا هذا الوضع؟ واليوم نعيد طرح السؤال في شكله الآني، عرفنا إلى أين وصلنا وذهبنا، فبدأت من خلال «الندم» الرحلة الثانية. ويختار يوسف النفس التعبيري في حكايته، فيعتمد في شكل رئيس على شخصية «عروة» ليرى الجمهور الأحداث من خلاله، بعدما قرّر الإجابة عن السؤال الذي طرحه، من خلال العودة إلى عام 2003 وإسقاط قصة عائلته (النماذج)، الأب والإخوة، والتي ستمثل قصة الشعب السوري عبر صراعها الداخلي بين أفرادها، فيروي ابنها «الكاتب التلفزيوني» ما حصل من حينها إلى بداية الأزمة، محافظاً على وجوده بالإطار العام في الزمن الحالي. ويلجأ حجّو إلى معالجة إخراجية خلاقة للنص المربك وغير المسطح، مشيراً إلى محاولته الوصول إلى نوعين مختلفين في الحلّ الدرامي والبصري، ف»الندم عمل ضمن عمل، لذا يبتعد عن الشكل التقليدي، وعن نمط استخدام «الاسترجاع الفنّي» (فلاش باك)، لافتاً إلى أن يوميات «عروة» في دمشق خلال الزمن الحالي، ستأخذ شكل الدوكودراما، علماً أنه من الناحية التقنية، أصّر حجّو على استقدام كاميرا «أليكسا» من لبنان، لما تتميز به تصويرياً، بسبب عدم وجودها في سورية بسبب الظروف الحالية، محافظاً على كل تفاصيل الشرط التقني إلى جانب الفنّي. ومن ناحية «الكاست»، يعتمد المخرج على نخبة من الممثلين السورييّن، على رأسهم سلّوم حدّاد وباسم ياخور ومحمود نصر (عروة) وأحمد الأحمد ودانا مارديني وسمر سامي وجفرا يونس وجيانا عنيد وأيمن رضا وآخرين. يوضح ياخور ل»الحياة» أنه يجسّد شخصية «عبدو الغول»، أحد نماذج شريحة من الاقتصاديين تعتمد على متلازمة السلطة والدولة، ولا تشبع بل تبتلع كل شيء على حساب البلد، مضيفاً أنها برزت «خلال فترة الزحمة على حجم كبير من الاستثمار غير المدروس الذي أغرق السوق ودمر الطبقة الوسطى، وخلق خلية سرطانية تضخمت كثيراً وأوصلتنا إلى أسوأ الانعكاسات على الحالة الاجتماعية والاقتصادية ونرى آثارها في ما يحصل». ويلفت الأحمد إلى أدائه شخصية «سهيل» الأخ الأوسط ل «عبدو» و«عروة». يقول إنها شخصية إشكالية، هاجرت البلد وعزّ العائلة بسبب اتهامات له بسرقتها، فهل هو نهب؟ أم أنه أراد إثبات مكانته لوالده لأنه يشك في محبته له، انطلاقاً من شعوره بعقدة الأخ الأوسط؟ ويشير إلى أن حتى عودته ستكون عاملاً درامياً محيّراً، «ربما مثل كل ما يجري الآن»، خاتماً: «كم الألغاز في الشخصية يظهر متعتها».