في العقود الماضية، شيّدت الحكومة السعودية بنية تحتيّة إلكترونيّة متقدّمة بهدف خدمة الاقتصاد السعودي والارتقاء بقدراته التنافسيّة. ويقصد بالبنية التحتية الإلكترونيّة e-infrastructure مجموعة شبكات الاتّصالات والأجهزة الإلكترونيّة والبرمجيات والمعايير والسياسات الرقميّة، التي ترسى بهدف خدمة النشاطات الإلكترونيّة والرقميّة. وتعتبر البنية التحتيّة الإلكترونيّة العمود الفقري لنهضة الصناعات المحلية، وجذب المستثمرين، وتشجيع الصناعات الصغيرة، وتمكين المرأة وذوي الحاجات الخاصة، وتنمية رأس المال الاجتماعي وتحسين بيئة الأعمال في شكل عام. واستطراداً، تعتبر البنية التحتيّة الإلكترونيّة رافعة أساسية لتحقيق معظم الأهداف الاستراتيجيّة في «رؤية 2030». وتمتلك السعودية عدداً من النظم الإلكترونيّة الاستراتيجية المتقدّمة كالحج الإلكتروني و «نور» للتعليم، و «أبشر» للجوازات والتأشيرات و «ساهر» لمراقبة الطرق. عين مفتوحة يتكوّن نظام «ساهر» من شبكة رادارات وكاميرات مراقبة رقميّة تراقب الطرق السريعة وإشارات المرور في المدن السعودية الرئيسية. ويرصد «ساهر» المركبات التي تتجاوز السرعة، ويحدّد رقم لوحة المركبة. واستناداً إلى مركز المعلومات في إدارة المرور، يصبح ممكناً إصدار مخالفات للمتجاوزين، وإبلاغهم بواسطة رسائل الخليوي. وزوّد «ساهر» أيضاً بكاميرات لرصد الشاحنات عند تجاوزها الخطوط البيض في الطرق السريعة، والمخالفين لربط حزام الأمان، ومستخدمي الخليوي أثناء القيادة. ويستند «ساهر» إلى دعم أنظمة قراءة لوحات المركبات، وتحديد المواقع بال «جي بي أس»، وقواعد البيانات الخاصة بإدارة المرور وغيرها. ويوفر «ساهر» الخدمة الذاتية أو ما يعرف تقنيّاً بمصطلح «المشاركة في أداء العمل». إذ يرتبط نظام «ساهر» بنظام «سداد» الإلكتروني لدفع المال، ما يسهّل تسديد الغرامات على مخالفي نظام المرور. ويستطيع أولئك المخالفون دفع الغرامة من أي مكان وفي أي وقت من ماكينات شبكة الصراف الآلي، من دون الحاجة للذهاب الى إدارة المرور والتقيد بمواعيد العمل، ما يخفض الضغط على تلك المؤسّسات وموظّفيها أيضاً. يعتبر نظام «ساهر» إحدى خدمات الحكومة الإلكترونيّة في السعودية. وتتمثّل وظيفته الرئيسيّة في مراقبة السائقين والزامهم بالحد الأقصى للسرعة بهدف تقليص الحوادث وحماية الأرواح. وتشير بيانات إدارة المرور إلى أنه ساهم في تقليل الوفيات الناتجة من حوادث المركبات بنسبة 9 في المئة. وكذلك انخفضت إصابات المرور بنسبة 18 في المئة. وأشارت دراسة أكاديمية للباحث جار الله محمد العجمي إلى أن خسائر حوادث المرور بلغت 4.7 في المئة من الناتج القومي السعودي. وذكرت أن 17 شخصاً يلقون حتفهم يومياً في المملكة بسبب الحوادث، ما يعادل 6205 مواطنين سنوياً. كما تنتج حوادث المرور 35 معاقاً يومياً، ما يشكل عبئاً كبيراً على الدولة والأهالي. تكلفة ثقيلة للسرعة في الآونة الأخيرة، تحدّث موقع ال «بي بي سي» الإخباري أيضاً عن حادث مروري في المملكة كل دقيقتين، مع وفاة أو إصابة كل 15 دقيقة. كما ذكر موقع «إم بي سي» الإخباري أن خسائر السعودية من حوادث السيارات بلغت ثلاثة عشر بليون ريال سنويّاً. كما بلغت الإصابات عام 2011 نحو 72 ألف إصابة شغلت 30 في المئة من أسرّة المستشفيات. ويفوق الرقم عدد ضحايا الحرب الأهلية في العراق للعام نفسه، إذ بلغ قرابة 4200 شخص. ويلاحظ أنّ 40 في المئة من تلك الوفيات من الشباب، ما يعرقل التوجّه الاستراتيجي لوزارة الصحة لخفض معدلات المرض والعجز والوفاة. لذا، يعتبر «ساهر» دليلاً على استفادة الحكومة السعودية من الأنظمة الإلكترونيّة الحديثة في المحافظة على المواطن السعودي وسلامته وتقليل الخسائر والهدر المادي. ويساهم انخفاض حوادث المرور وضحاياها في تخفيف تكلفة الرعاية الصحيّة. يضاف الى ذلك، انخفاض المركبات المعطوبة وقطع الغيار المهدورة، مع المساهمة أيضاً في تقليل ما تمثّلها من مخلفات صلبة، وهو أمر يساهم في المحافظة على البيئة. يضاف إلى ذلك، مساهمة نظام «ساهر» في أتمتة خدمات إدارة المرور وتحسين حركة المواصلات، وتقليل تكلفة المعاملات في الوقت والجهد والأوراق ورسائل البريد التي كانت تستخدم في المعاملات الورقية التقليدية. وتعتبر شركات التأمين من الجهات المستفيدة من نظام «ساهر»، لأن تقليل حوادث المركبات يؤدّي إلى تخفيض التعويضات التي تقدمها شركات التأمين للمتضرّرين. واستطراداً، تخطط شركات التأمين في المملكة للبدء في زيادة أسعار التأمين على المخالفين الذين يضبطون عن طريق «ساهر»، مع مكافأة الملتزمين بعدم زيادة رسوم التأمين عليهم. وتشمل فوائد نظام «ساهر» المساهمة في توطين المعرفة والخبرات اللازمة لصناعة ذلك النوع من النظم الرقميّة وصيانتها، مع ملاحظة أنّه طُوّر بأيد وعقول وطنية. ويمكن استخدام تلك الخبرة العميقة في تطوير أنظمة أخرى. ومن المستطاع أيضاً نقل الخبرة عينها إلى دول عربية وصديقة، بل بناء شراكات استراتيجية معها. ويشكّل بناء شراكات استراتيجية مع العالمين العربي والإسلامي أحد محاور «رؤية 2030». ومثلاً، بلغ عدد ضحايا حوادث الطرق في مصر، ما يربو على 10 آلاف مواطن في العام 2013. في المقابل، يواجه نظام «ساهر» مجموعة من التحديات، تشمل التكلفة الباهظة المترتبة على تغطية شبكات الطرق في دولة كبيرة، ذلك أن مساحة السعودية تبلغ مليوني كيلومتر مربّع، ما يساوي قرابة 70 في المئة من شبه الجزيرة العربيّة. - بين حيل شباب وزيادة الوعي * اكاديمي مصري في جامعة الملك فيصل