إلهام الأطفال وتشجيعهم على تحقيق أحلامهم الخاصة، هو جزء من الطابع الآخر لكأس العالم لكرة القدم، التي اختتمت نسختها ال19 الأحد الماضي في جنوب أفريقيا. وهو من دون شك في صلب الأهداف الاجتماعية والتنموية التي يركّز عليها الاتحاد الدولي «فيفا» بالتعاون مع الشركات الراعية لنشاطاته وفي مقدمها المونديال. وتتعدى الحماسة الأطفال إلى أهلهم، وهي الغاية الأساس التي تنشدها ال «فيفا». وكان لأطفال عرب نصيب قي هذه التجربة، من خلال برنامج مرافقة أطفال (6 – 10 سنوات) للاعبي المنتخبات إلى أرض الملعب. وهي ذكرى تبقى راسخة في ذهنهم وقد يفاخرون في المستقبل حين يحدثون أولادهم وأحفادهم عنها. وتتولى «ماكدونالدز»، أحد الرعاة الرسميين للمونديال، هذه البادرة منذ عام 2002، وسمحت في البطولة الأخيرة ل 1408 أطفال، من 47 بلداً بالمشاركة والاستمتاع بالوقوف إلى جنب نجوم كبار تحت الأضواء، ونقل التلفزيون صورهم إلى مئات ملايين المشاهدين حول العالم. ويسهر على تحضير هذه البادرة عشرات الخبراء ومئات الموظفين، ويختار الفائزون فيها من خلال مسابقة «ابتسمت» ل 19 طفلاً من البحرين والكويت والسعودية وقطر والإمارات وعُمان، رافقوا لاعبي إسبانيا وباراغوي في الدور ربع النهائي. وسجلوا في ذاكرتهم لحظات لا تُنسى كما استمتعوا ببرامج ترفيهية وسياحية موازية، مع أفراد من أسرهم اصطحبوهم خلال الأيام الأربعة التي أمضوها في جنوب أفريقيا. عبّر الأطفال العرب عن ذاتهم وتحدثوا عن أحلامهم، وتواصلوا مع أقرانهم من بلدان أخرى. والأمر نفسه ينطبق على من رافقهم من أسرهم. وسجلت «الحياة» جانباً من هذه التجربة على لسان الأطفال والأهل، ولاحظت دور الأم الذي لعبه الأباء خلالها، خصوصاً أن غالبية الأطفال جاؤوا برفقة آبائهم. بديع الكيلاني وعلي نبيل وخالد الشمري وعبد العزيز المزروعي وناصر المسكري وقيس الكندي وجواد العقاد وعبد الرحمن شوكان ورؤى أشكناني، عينة من المشاركين العرب الذين أبدوا سرورهم بالمناسبة وتفاعلوا معها، على غرار انسجامهم التام مع بعضهم بعضاً، وخوض مباريات ودية على سجيتهم مع أطفال من جنوب أفريقيا. لكن أهم ما اكتسبوه بحسب ذويهم، اكتشاف الآخر من دون حواجز ما يعطيهم الحافز في حياتهم ولو أنهم لا يزالون في سن صغيرة. ولعل شهادة راية الخطيب والدة بديع الكيلاني مثال بارز على ما تقدّم، إذ اعتبرت أن اختيار ابنها من بين الفائزين بمسابقة «ماكدونالدز» انعكس إيجاباً أكثر على نتائجه المدرسية «علماً أنه من الأوائل في صفه». وتوضح أنها قبل ذلك جارته في ميوله الكروية وغذّت هوايته وأفسحت المجال أمامه للاهتمام بأخبار نجومها «خصوصاً الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي يعشقه»، فأضحى أكثر انفتاحاً وحيوية. ولفتت رنا بوشهري والدة رؤى أشكناني إلى أهمية هذه الخطوة المفيدة اجتماعياً، «فإلى جانب متابعة المونديال من قلب الحدث والتعرّف أكثر الى ثقافات جنوب أفريقيا وحضارتها فتحت آفاقاً أمام الأطفال وأطلعت أهلهم عن كثب على دور الرياضة الذي تعدّى النطاق التنافسي الصرف، ما يولّد تفاعلاً قيّماً». وأشار إبراهيم الكندي والد قيس إلى أن هذا البرنامج علاج مناسب للانطواء الشائع عموماً بين بعض الأطفال. وإلى الجانب التربوي - الترفيهي، أدى ذوو الأطفال دور الأم في المنزل، ما جعل غالبيتهم يقدّر هذه المسؤولية التي اختبروها مباشرة وبعضهم للمرة الأولى. فكان لزاماً عليهم الاعتناء بأولادهم طوال الرحلة (النوم والنظافة واللباس والطعام والإرشاد). وعلى حدّ تعبير الإماراتي سالم المسكري الذي رافق شقيقه الأصغر ناصر، فقد استمتع أكثر منه في الرحلة المشوقة. وأضاف: «أتدرّب منذ الآن على تربية العيال». وعلى رغم سعادته بالتجربة لم يخفِ الكويتي عدنان الأحمد حاجته للراحة مدة أسبوعين كي يعوّض مشقة الاهتمام بابنه سليمان! وعدد من الأهالي متابع جيد لكرة القدم، مثل ضابط القوات الجوية السعودية حسن شوكان «الهلالي الهوى» والذي نقله إلى نجله عبد الرحمن. والبحريني نبيل علي، الموظف في مصرف، الذي أصطحب أسرته في الرحلة، وانتقل من جوهانسبورغ إلى كيب تاون على نفقته الخاصة ليحضر ونجله علي مباراة أوروغواي وهولندا في الدور نصف النهائي. وكم كان سعيداً حين وجد من يبيعه تذكرتين للمباراة. وكشف علي أنه تذوق «حلاوة» متابعة المونديال ميدانياً في النسخة السابقة عام 2006 حين كان في زيارة عمل في أوروبا، وتسنى له الانتقال إلى ألمانيا أثناء العرس الكروي. وأوضح: «هذه المرة أردت أن تتعرّف أسرتي كلها على هذا السحر». وهو زاول كرة القدم وشارك في مباريات الأهلي البحريني ضمن دوري فئة الشباب. ولم يهمل موهبة نجله المنتسب إلى أكاديمية آرسنال في البحرين. ويشاطر الفتى وشقيقته جود والدهما حب نادي الأهلي والأرجنتين، على خلاف الوالدة التي تعشق البرازيل تأثراً بأهلها.