تفيق بريطانيا اليوم، ومعها القارة العجوز بأسرها على واقع جديد، أياً تكن نتيجة الاستفتاء الذي جرى في المملكة المتحدة أمس، سواء صوَّت البريطانيون لمصلحة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي أو البقاء فيه. وستنعقد قمة فرنسية - المانية الأثنين ثم قمة موسعة الثلثاء قد تشهد اعادة اطلاق الاتحاد الاوروبي. وفي وقت لم يكن ممكناً توقع النتائج قبل صدورها رسمياً فجر اليوم، راح المراقبون يحاولون قراءة ظواهر معينة للاستدلال، مثل رداءة الطقس في ساعات الصباح الأولى والتي منعت المتقدمين في السن من التوجه إلى مراكز الاقتراع وبالتالي إمكان أن يرجح ذلك كفة مؤيدي البقاء باعتبار أن معظم هؤلاء هم من الشباب الذين طغى وجودهم على مشهد الناخبين المصطفّين في طوابير للإدلاء بأصواتهم، وهو مشهد لم يكن مألوفاً في استحقاقات سابقة. وبدا أن الأسواق كانت أكثر ميلاً إلى ترجيح كفة مؤيدي البقاء، إذ ارتفعت قيمة الجنيه الإسترليني بنسبة 0.4 في المئة، وصولاً إلى 1.4970 دولار، وهو أعلى مستوى هذه السنة. وشكل ذلك التعويض الوحيد عن غياب استطلاعات آراء الناخبين بعد الإدلاء بأصواتهم، وأيضاً عدم توافر تقديرات عن نسب الإقبال على مراكز الاقتراع التي فتحت أبوابها من الساعة السابعة صباحاً حتى العاشرة مساءً بتوقيت غرينتش. غير أن هذا القدر الضئيل من المعطيات لم يكن ليطمئن «الشركاء» الأوروبيين قبل ظهور النتائج الرسمية صباح اليوم، ولم يكن ليكتمل اطمئنان قادة القارة بعدما أيقنوا الحاجة إلى إصلاحات لتفادي هزات مستقبلية من هذا النوع واحتمال ظهور دعوات مماثلة في دول أخرى إلى الانسحاب من الاتحاد. واتجهت الأنظار إلى رد فعل محور باريس - برلين، باعتبار أنه سيقع على عاتقه تعميق مسار الاندماج الأوروبي وبناء سياسة خارجية ودفاعية، في غياب لندن أو بوجودها. وسيكون المطلب الأول لبريطانيا إذا اختارت البقاء هو فرض شروطها في ما يتعلق بكبح «الهجرة» و «الحدود المفتوحة». وفي غياب لندن، تغيب «الترويكا» الأوروبية وتتحول ثنائية بين باريسوبرلين التي سيظل رهانها على فرنسا محدوداً، لأن الأخيرة تجتاز أزمة اقتصادية ولم تتمكن الى الآن من استعادة النمو بوتيرة تسمح لها بحل مشكلاتها الاجتماعية الصعبة، وبخاصة قضية ارتفاع البطالة. وعلى مدى أسابيع حاول المسؤولون الأوروبيون تفادي النقاشات الحساسة المتعلقة بمصير بريطانيا، لكن المسألة حاضرة في الكواليس، والجميع يعرف أنه أياً يكن خيار البريطانيين، سيتعين على الاتحاد الأوروبي إجراء تغييرات كبيرة للاستمرار. الاستفتاء البريطاني أحدث صدمة داخل الاتحاد المنقسم بسبب أزمة الهجرة والاقتصاد الضعيف والتهديد المتنامي للتنظيمات الإرهابية، وأدرك القادة الأوروبيون أن الوضع لا يمكن أن يبقى على حاله، ذلك أن المواضيع التي حركت حملة الاستفتاء لقيت صدى في القارة العجوز، التي فقدت على ما يبدو الثقة في إقامة فضاء أوروبي مثالي لما بعد الحرب. وقال رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك إنه «سيكون من الجنون التغافل عن الإنذار المتمثل بالاستفتاء البريطاني». وخلال الأيام التالية للاستفتاء سيتعين على القادة الأوروبيين الذين لم يتمكنوا من إيجاد حلول للأزمات المتلاحقة خلال الأشهر الماضية أن يتفقوا على النهج الذي سيتبعونه. ويتوجه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى ألمانيا الأسبوع المقبل، للعمل على مبادرات مشتركة للاتحاد الأوروبي. وقال هولاند للصحافيين بعد اجتماع مع رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفن في باريس، إن زيارته ألمانيا تهدف إلى «العمل معاً على كيفية إعادة إطلاق الاتحاد الأوروبي». ووعد الرئيس الفرنسي باتخاذ مبادرات من أجل «تطوير البناء الأوروبي». ويتوقع صدور مبادرة فرنسية ألمانية يمكن أن تتضمن عناصر تتحدث عن توجهات أوروبية مختلفة أو تكتفي بالتطرق إلى السياسة الخارجية، نظراً إلى أن البلدين يختلفان بشأن اندماج منطقة اليورو. وقال مسؤول بارز في منطقة اليورو طالباً عدم نشر اسمه، إن «الفرنسيين والألمان سيعلنون مبادرة مشتركة لكنها ستنحصر في مسائل الأمن والدفاع. سيكون من الصعب جداً الاتفاق على المسائل الاقتصادية خلال وقت قصير».