أصبح في سورية، للمرة الأولى، مصوّرات صحافيات من الطراز الأول. وها هن يزاحمن الرجال في ميدان كان حكراً على الجنس الخشن طوال عقود من الزمن. يغطين الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الرياضية... من دون خوف أو وجل. يقدّمن إنتاجهن إلى المؤسسات الصحافية التي يعملن فيها، فتتصدّر صورهن الصفحات الأولى والأغلفة... مزيّنة بأسمائهن وبصماتهن. تشق طريقها بين الصرخات الذكورية لجمهور ملعب «العبّاسيين» الكروي في دمشق، محاولة تفادي العيون والتعليقات التي تركت المباراة النهائية لفريقي «الجيش» و «الوحدة»، والتفتت إليها تحتمي بزميلها. تنتشل كاميرتها من الحقيبة، وتبدأ بالتقاط الصور. تنسى غرابة وجودها في منطقة ذكورية غير محايدة... وتصوّر. زينب حموّد، مصوّرة صحافية اخترقت الحصرية الذكورية لمباريات كرة القدم، لتعود إلى صحيفتها مع صورة غلاف. بدأت زينب التصوير مع صحيفة «بلدنا» عام 2006، وبعد سنة انتقلت إلى «الوطن» لتبقى فيها ثلاث سنوات، وتصوير المباريات جزء من عملها إضافة إلى تصوير الحوادث والتغطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. «لم أواجه عقبات تمييزية على أساس جنسي من جانب مدرائي»، تقول زينب، مشيرة إلى أن التمييز كان لمصلحتها في غالب الأحيان. إلا أن هذه النظرة لم تنطبق على الزملاء المصوّرين الذين «أصابتهم الدهشة» عندما رأوها إلى جانبهم في التغطيات. «المفاجأة المشكّكة، كانت رد الفعل الأول التي تلبّست كل من رآني مع كاميرتي، وكنت أسمع بعضهم يقول: لنرى ماهي قادرة على فعله»، تحكي زينب، مؤكدة أن هذا الأمر استمر فترة قصيرة فقط أثبتت خلالها وجودها وغيّرت النظرة إليها من «فتاة مصورة» إلى مصورة محترفة. تتشارك كارول الفرح سمات تجربتها مع زينب، إذ أدّى عرضها أعمالها على رؤسائها إلى ثقتهم وإيمانهم بها، فيما هزئ من قدراتها المصورون في البداية، قبل أن تزرع احترامها بمهنيتها وعملها. تقول كارول: «نحن في مجتمع ذكوري في النهاية والتصوير الصحافي في سورية عموماً ليس ناضجاً في شكل كاف، فكيف إذا كان من خلف الكاميرا فتاة، وتعمل في شكل حر!». صعوبات أكثر توقعتها كارول عندما بدأت عملها كمصورة صحافية، إلا أنها ما لبثت أن وجدت نفسها تغطي مختلف أنواع المواضيع، وأصبح وجودها في الشوارع والأحداث عاديّاً ومتقبّلاً حتى في المناطق الشعبية، «فالأشخاص البسطاء يتجمعون بسبب الكاميرا، لا بسبب جنس حاملها (المصوّر). وأنا لا أنزعج ولا أخاف منهم، على العكس أنا أحب الناس وكل ما أقوم به هو لإيصال صوتهم عبر صوري»، تقول كارول. غيفارة نمر بدروها تلقّت الاستجابة نفسها من الزملاء عندما عملت مصوّرة صحافية في دار الأوبرا للثقافة والفنون بعد تخرجها من قسم التصوير الضوئي في معهد الفنون التطبيقية التابع لوزارة الثقافة عام 2007. «المصورون في الصحف والوكالات كانوا يستنكرون أنني أعمل في مكان بهذه الأهمية وأنا فتاة، لكن ما إن تذهب الدهشة، كانوا يتحمّسون لفكرة المصورة الأنثى ويعرضون علي المساعدة وتجريب كاميراتهم»، تحكي غيفارة. أما بالنسبة إلى ربّ العمل فتختلف تجربة غيفارة عن زينب وكارول، إذ لمست غيفارة في عملها كمصّورة حرة مع المنظمات والمؤسسات «نظرة إلى الفتاة بأنها أقل قدرة على التحمل والإنتاج من الشاب. فالأماكن الخطرة وحجم العمل الكبير والسفر والضغط... هي معارك لا ينتصر فيها إلا الذكور»، تقول غيفارة. هواية، دراسة، انتشار حرّكت هواية التصوير زينب وكارول إلى ما وصلتا إليه اليوم. وبينما دخلت زينب إليه عبر ورشات العمل والدورات والعمل مع صحيفة «بلدنا»، قررت كارول أن تحترفه أكاديمياً، فدرست التصوير الفوتوغرافي والتصوير بالأبيض والأسود في معهد contrast في بروكسيل مدة سنتين. وخلال هاتين السنتين غيّرت كارول رغبتها في الاختصاص بتصوير الأزياء والإعلانات إلى التصوير الصحافي. تقول: «عدت إلى سورية وكنت أول مصوّرة صحافية حرّة بحسب معرفتي، فعمدت إلى الاتصال بالمجلات والصحف لعرض مجموعة من أعمالي، وكان رد فعلهم إيجابياً، فعملت مع بلدنا ومجلة «الحال» ووكالة الأنباء الألمانية DPA وجريدة «الأخبار» اللبنانية، كما كنت مصوّرة معتمدة من قبل أمانة دمشق عاصمة للثقافة العربية». تعمل كارول اليوم مع مجلة «سيريا توداي» ومجلة «فوروارد» الإنكليزيتين، وخلال السنة الأخيرة تعمّقت أكثر في التصوير الصحافي، لتنتقل من التغطيات وصور البورتريه الشخصيّة إلى التصوير الصحافي للقصص المصورة. غيفارة اختارت دراسة التصوير الضوئي لأنه الأقرب إلى شغفها الأول (التصوير السينمائي)، ولم يغرِها التصوير الصحافي في سورية، على رغم عملها به «لأنه مقولب، يركّز على الحفلات والفعّاليات الرسمية غالباً. فلا يوجد خط ساخن لتغطية الأحداث والقضايا، فلم أجد فيه المساحة الإبداعية التي أريدها»، تقول غيفارة. وعملت غيفارة كمصورة صحافية مع الأممالمتحدة أو الوكالة الألمانية gtz، إضافة إلى الأمانة السورية للتنمية. مصوّر... ومصوّرة «الناس يرتاحون للمصوّرة أكثر من المصوّر، وهي أقدر على دخول البيوت وتصوير القصص العائلية»، تقول زينب، معتبرةً أن دخول الفتيات إلى ميدان التصوير الصحافي زاد اهتمام السوريين به «لأن الكل يتشوّق ليرى نتاج تصويرنا، فأصبحوا ينتبهون لأسماء المصوّرين والمصوّرات. أعتقد أننا دفعنا التصوير الصحافي في سورية إلى الأمام، ولو في شكل بسيط». توافق كارول زينب، مشيرة إلى أن الفتاة «تصور مواضيع لا يستطيع المصور الشاب تصويرها، خصوصاً تلك التي تمس عمق المرأة. كما أن الكثير من السيدات يرفض تصويرهنّ من جانب المصورين». وتؤكد غيفارة أن «احترافية ومهنيّة الفتيات اللواتي امتهنّ التصوير الصحافي، أوجد إيماناً عامّاً بقدرتها على إنتاج صورٍ توازي جودة المصوّر الذكر وأحياناً تضاهيها». هذه الامتيازات لا تعني تفوّق المصورات الصحافيات السوريات على أقرّانهنّ الذكور في مساحة الحريّة والقدرة على الحركة، وتستدرك غيفارة: «لأني فتاة، لا أستطيع الدخول إلى كثير من الأماكن التي أتمنى دخولها، حتى أن زملائي الصحافيين يرفضون مرافقتي لهم للتصوير في بعض الأماكن ك «سوق الحرامية» و «المنطقة الصناعية» التي تتجمّع فيها محال تصليح السيارات». وتخلص غيفارة إلى القول: «التصوير الصحافي في كثير من الأحيان أسهل للشاب منه للفتاة». صعوبة وحيدة لم تستطع كارول تجاوزها خلال عملها كمصوّرة صحافية أنثى، وهي تصوير المواضيع الليلية في الأماكن البعيدة «والتي فيها خطورة عليها كفتاة». وعلى رغم ذلك، تخلص كارول إلى أنه «على رغم كل شيء، تبقى الصورة هي المهمة، ولا يهم ان التقطها شاب أو فتاة». زينب وغيفارة وكارول يمثلن ما يقارب نصف المصوّرات الصحافيات في سورية اذ تشير التقديرات إلى أن عدد المصورات الصحافيات في سورية لا يمكن أن يتجاوز العشرة. ورقم عشرة هو أكبر بما يقارب الضغف من عدد المصورات التلفزيونيات ومصورات الفيديو في سورية، واللواتي لا يتجاوز عددّهن الخمسة، وهنّ خارج طاقم مصوري التلفزيون السوري البالغ عدده حوالى مئة مصوّر، فضلاً عن المصورين العشرة الذين يعملون في قناة «الدنيا» الخاصّة.