الهواية المحببة عند حلى (7 سنوات) ليست القراءة أو متابعة المسلسلات الكرتونية أو حتّى الألعاب الإلكترونية، بل التسوّق مع والدتها وشراء الملابس والأكسسوارات التي تعبّر عن آخر صيحات الموضة لالتقاط الصور، وهي ترتديها وتتخذ وضعيات مستوحاة من وقفات عارضات عالميات. فعلى رغم عمرها الصغير، تدرك حلى أنّ الأنظار تلتفت إليها كلّما نشرت مزيداً من الصور عبر حساب والدتها، وهي تطالبها بأن تنشئ «حساباً خاصاً» لكي تكون صورها وحدها المنشورة من دون صور أمّها. ولا تتوانى عن تعداد الإعجابات بالصور وتقرأ التعليقات يومياً، كما تبحث عن حسابات أخرى تتضمّن صور فتيات صغيرات لكي تستوحي من إطلالاتهن. ينافسن أهم مدوّنات الموضة هكذا تتجسّد ظاهرة ال «فاشنيستا» التي انطلقت منذ سنوات قليلة، خصوصاً عبر تطبيق «أنستغرام»، حيث اشتهرت نساء بنشر صورهن المميزة في عالم الموضة وهن يواكبن آخر الصيحات في إطلالاتهن. وسرعان ما لم يعد الأمر مقتصراً على الشابات، بل بات هناك «فاشنيستاس» صغيرات يطمحن أيضاً إلى الشهرة واحتلال مساحة خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأكثرهن شهرة من دون شك ال «فاشنيستا» الأصغر لبنانياً وعربياً ليليا رسلان والمعروفة بحسابها Lifeaslily على «أنستغرام». ومثل «ليلي»، بات هناك عشرات الأسماء أيضاً لفتيات لا تتجاوز أعمارهن عشر سنوات كحدّ أقصى، وهنّ يصعدن سلم الشهرة في شكل سريع طامحات إلى أن ينافسن أهم مدوّنات الموضة. ومواكبة لهذه الصيحة الجديدة، نشأت حسابات موازية تهدف إلى جمع صور الأطفال (ذكوراً أو إناثاً) الذين يعتمدون إطلالات مميزة وإعادة نشرها تحت عناوين مختلفة. وتتركز كلها على ثلاث كلمات مفتاح: لبنان، أطفال، موضة، وذلك يعزّز من هذه الظاهرة ويثبّتها في المجتمع اللبناني. ولا يعتبر الأطفال العنصر الوحيد في هذه المعادلة، بل يبدأ الأمر عند الأهل أولاً وتحديداً الأم التي تعكس حبها للموضة ورغبتها في إظهار أطفالها بأجمل طريقة في النشر المكثّف لصورهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والشعور بالمتعة عند رؤية الإعجابات والتعليقات الإيجابية. وفي هذا السياق، تجد ريما حريقة التي تنشر صور ابنتها بإطلالات مختلفة منذ ولادتها أنّ لا خطأ في ما تفعله، فالفتاة تحبّ الموضة واتباع صيحاتها بالفطرة، وهي توحي لأمهات أخريات بأفكار يمكن أن يستعن بها لتحسين مظهر أطفالهن. أما الآن وقد بلغت ابنتها الخامسة من عمرها، فهي تكثّف من نشر صورها خصوصاً أنّ هناك متاجر لبيع ملابس الأطفال طلبن منها المواقفة على مشاركة ابنتها في حملات إعلانية. وبالتالي تعتبر ريما أنّها تساعد ابنتها لتأسيس مستقبل ناجح في عالم يفرض نفسه على الجميع اليوم، وهو عالم الأشخاص المؤثرين رقمياً الذي يندمج في شكل كامل بعالم الموضة. أين الخصوصية؟ تتخذ هذه الظاهرة في لبنان أبعاداً سطحية، فتتعامل معها غالبية الأهل كأنّها مسألة بسيطة، وأن لا ضير يمكن أن ينتج من نشر صور أطفال بإطلالات متنوّعة حتّى من دون أن يدركوا ما يحصل في عمر صغير جداً. لكنّ المختصّة النفسية ليال نعمة تلفت إلى أنّ الأمر يستحق التفكير، فهناك أمور كثيرة لا تتنبه إليها الأم حين تُقدم على فعلتها أو تتجاهلها، ويمكن اختصارها بالتساؤلات الآتية: هل يحقّ للأهل انتهاك خصوصية أطفالهم ونشر صورهم وإنشاء حسابات لهم تحت عنوان «فاشنيستا»؟ أي قيم ينقل الأهل إلى أطفالهم حين يُقدمون على ذلك؟ كيف سيكون ردّ فعل الأطفال حين يكبرون ويدركون فعلياً أنّ لحظات طفولتهم كلها كانت تُشارك مع أشخاص لا يعرفون شيئاً عنهم؟ وكلّما تمّ التعمق في الموضوع، زادت التساؤلات وظهرت أبعاد جديدة تعتبر بمثابة منبّه للأهل. وأكثر ما تركّز عليه نعمة هي القيم التي تنقل إلى الأطفال، فمن خلال ظاهرة ال «فاشنيستا» الصغيرة تكبر الفتاة في قالب مؤطّر اجتماعياً. فعليها أن تعير مظهرَها الأهمية الكبرى وتختار أزياءها من الماركات، وتشارك صورة كلّ قطعة أزياء اشترتها. فال «فاشنيستا» الصغيرة وبما تتشّربه يصعب أن تكسر هذا الإطار الذي تتربى عليه ليكون لديها شخصيتها الخاصة. وفي حال نجحت في ذلك، يمكن أن يكون لديها ردّ فعل سلبي تجاه أهلها، خصوصاً والدتها لأنّها سمحت لنفسها بالتصرّف كما تريد بصورها، لا سيما حين يصبح الأمر تجارياً ومرتبطاً بجذب حملات إعلانية. وتشير نعمة إلى ما يحدث عالمياً في هذا المجال، فالبلدان الأوروبية وفي مقدمها فرنسا، تتجه نحو إعطاء الأولاد المنشورة صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي الحقّ بمقاضاة أهلهم، وينطبق ذلك على صور الأهل مع أطفالهم. فوفق الشرطة الفرنسية التي تصدر مرات تصريحات عن هذا الموضوع تحديداً، فإنّ نشر صور الأطفال في صغرهم على الشبكات الاجتماعية قد يتسبب لهم بمشكلات نفسية في المستقبل. فماذا لو كانت هناك حسابات خاصة بالأطفال وحدهم وهي مفتوحة أمام الجميع، ومتاح لأي شخص تدوين تعليق إيجابي أو سلبي أو حتّى التحرشّ بالطفل؟ هذه القضية يجب ألا يتعامل معها الأهل ك«موضة» كما تقول نعمة، بل أن يبحثوا في الأثر النفسي لكلّ خطوة يقومون بها، لأنّ مصائر أطفالهم بين أيديهم.