«سواء اختلفت معه في السياسة أو اتفقت لا يمكنك إلا احترامه» ... كأن هذا الكلام لسان حال قسم كبير من اللبنانيين مع رحيل العلامة السيد محمد حسين فضل الله... ومنهم رئيسة قسم الشرق الأوسط في شبكة «سي أن أن»، اللبنانية اوكتافيا نصر التي دفعت ثمن احترامها للراحل غالياً مع طردها من الشبكة الإخبارية الأميركية قبل أيام. الغريب أن نصر لم تطرد بسبب موقف تلته على شاشة «سي أن أن»، استفز مثلاً ملايين مشاهدين مناهضين ل «حزب الله»، بل إن كلامها جاء خلال ملاحظة كتبتها في موقع «تويتر» على الانترنت، وعبّرت فيها عن حزنها لنبأ وفاة السيد فضل الله، واصفة إيّاه بأنه «أحد عمالقة حزب الله الذي احترمه كثيراً». نصر التي اعتذرت لاحقاً عما كتبته، موضحة أنها كانت تقصد الإشادة بفضل الله في ما يتعلق برأيه في حقوق المرأة، «اهتزت صدقيتها» في رأي نائب رئيس القسم الدولي في «سي أن أن» باريسا خوسرافي، والسبب «الخطأ في التقدير» كما جاء في بيان للشبكة... فكان لا بدّ من إقصاء نصر. وعلى رغم أن القرار قد يشتم منه بعضهم رائحة خلفية سياسية، خصوصاً أنه يأتي بعد شهر على قرار إحالة عميدة المراسلين في البيت الأبيض هيلين توماس على التقاعد بعد تصريحات طالبت فيها اليهود بالعودة الى الدول التي أتوا منها، ما يهمنا هنا هو الحديث عن المهنة التلفزيونية نفسها. فهل يمكن أن يُعاقب وجه تلفزيوني بسبب تعبيره عن رأي بعيداً من الشاشة التلفزيونية التي يعمل لديها، في الصالونات أو المنتديات الإلكترونية؟ ألا يندرج هذا ضمن إطار الحريات الفردية المكرّسة أساساً في الدساتير؟ هل العاملون لدى القنوات التلفزيونية ملزمون في حياتهم العامة ب «معايير التحرير» التي لا يحيدون عنها على الشاشة؟ وهل ظاهرة صحية أن يصدر مثل ذلك القرار من قناة تُفاخر بموضوعيتها وتبث من بلد الحريات والليبرالية؟ ثم، هل تسقط هنا المدرسة الصحافية التي ترى أن القناة الموضوعية هي التي يمكن الإعلامي أن يعمل لديها وإن كان لا يشاركها في أجندتها؟ والى أي مدى تؤثر القوى الضاغطة، سواء كانت سياسية أو شعبية، في إقصاء مذيع من قناة خدم لديها سنوات؟ نطرح السؤال الأخير وفي البال الانتقادات الكثيرة التي تعرضت لها مذيعة قناة «تي أف 1» الفرنسية لورنس فيراري قبل شهر، لإجرائها مقابلة مع الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد وهي تضع شالاً أبيض على رأسها. يومها شنّ مدوّنون إلكترونيون وزملاء في المهنة حملة على المذيعة الإيطالية الأصل، لكنّ القناة الفرنسية لم تأبه للانتقادات، واكتفت بتوضيح وجهة نظرها من خلال ما قالته فيراري من أن «القوانين الإيرانية تفرض الحجاب، والا لكنت تعرضت للاعتقال». ترى، ألم يكن حرياً بالشبكة التلفزيونية الأميركية ان تحذو حذو القناة الفرنسية، بالتالي الاكتفاء باعتذار اوكتافيا نصر وتوضيح موقفها، أم أن الأجندة السياسية مختلفة؟