أظهرت دراسة حديثة أن الرقمنة تأتي على رأس الأولويات والمتطلبات التي يفرضها القرن ال21 في ظل التوجّه المتنامي نحو الربط الإلكتروني المتكامل وتطوّر الخدمات التقنية والإلكترونية، التي أصبح المجتمع الدولي أكثر دراية واستيعاباً لأهميتها في تسهيل وتعزيز أساليب الحياة المستدامة والعصرية. وفي ما يتعلق بالقطاع المصرفي والمالي، ما زالت العديد من المؤسّسات المالية والمصرفية على المستوى العالمي تستخدم الأساليب التقليدية وتعوّل على ولاء العملاء لضمان الحفاظ على الاستمرارية والنجاح في السوق، وهو ما يضع مستقبل هذه المؤسّسات في دائرة الخطر إذا ما لم تواكب المتغيرات الراهنة في تبنّي نهج التحوّل الرقمي كمعيار رئيس للمنافسة والريادة في القطاع. وعلى صعيد منطقة الشرق الأوسط، أوضح جوليان فاي، شريك في بين آند كومباني الشرق الأوسط، الشركة العالمية الرائدة في مجال الاستشارات الإدارية، أنه على رغم تصنيف المجتمع العربي ضمن المجتمعات الأكثر توجّهاً نحو التقنية الحديثة في العالم وتحقيقه أعلى المستويات في مؤشّر انتشار الهواتف المتحركة والأجهزة الذكية على المستوى العالمي، إلا أن القطاع المصرفي في المنطقة لا يزال في المراحل الأولى من التحول الرقمي وأمامه شوط طويل قبل تحقيق الأهداف المرجوة في خلق بيئة مصرفية مبتكرة ومواتية لحاجات العملاء العصريين. وأكد على أن الأمر يقتصر على المؤسسات المالية لإحداث تغيير شامل في هيكلتها التشغيلية والارتقاء بآليات العمل المصرفي وفقاً للمعايير والاتجاهات الناشئة. وتبرز الحاجة هنا إلى ضرورة الانفتاح على أحدث التقنيات الرقمية والاستفادة المثلى من آليات الأعمال الجديدة والخدمات المتطورة التي تقدمها شركات التقنية المالية. وعلى المؤسسات المالية والمصارف التي أخذت على عاتقها مسيرة التحول الرقمي أن تسير وفق نهج واضح المعالم والخطوات من أجل ضمان الريادة والتفوّق في المجال. وتتمثّل أهم هذه الخطوات في تحديد الهدف الذي يرغب المصرف في تحقيقه لكل شريحة من شرائح العملاء المستهدفين، وتحديد نماذج الأعمال الجديدة الممكن اتباعها للوصول إلى الهدف مثل «الإقراض المباشر» أو «المحفظة الإلكترونية»، ومن ثم تطوير المنصات الرقمية الجديدة تبعاً لذلك من خلال الاستعانة بفريق عمل داخلي أو بخبرات طرف ثالث من الشركات المختصة، أو من خلال الاستحواذ على شركات صغيرة متخصصة في مجالات التقنية الحديثة. وصحيحٌ أن الطريق لا يزال طويلاً أمام القطاع المصرفي في المنطقة لتحقيق الرقمنة الشاملة، ولكن ما لا شك فيه أنه يواصل السير بخطى ثابتة على الطريق الصحيح نحو الوصول إلى المستوى المطلوب، على غرار العديد من القطاعات الأخرى التي سبق ودخلت العالم الرقمي من بابه الواسع مثل قطاع التصوير وتجارة الكتب. ويتفق الخبراء على أن السنوات القليلة المقبلة ستشهد تحوّلات جذرية على الصعيد المصرفي وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج العربي.