تواصل تقنيات المعلومات والاتصالات حول العالم انتشارها بوتيرة سريعة، ولكن تتفاوت آثارها من بلد إلى آخر، وخلال الأعوام الماضية كان الاعتماد الشامل على الخدمات الرقمية من جانب المستهلكين والمؤسسات والحكومات (ما يسمى بالرقمنة) عاملا أساسيا ومحركا لتحقيق منافع اقتصادية، حيث ساهمت الرقمنة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بما قيمته 16,5 مليار دولار أميركي، وخلق 378,000 فرصة عمل جديدة بحسب تحليل اقتصادي لبوز أند كومباني. وأوضح التحليل الاقتصادي أن قوة وقع الرقمنة يختلف على البلدان والقطاعات، فالرقمنة تحسن الإنتاجية في الاقتصادات المتطورة وتترك أثرا على النمو، ويمكن أن تؤدي إلى خسائر في الوظائف، بينما الأسواق الناشئة تميل إلى الاستفادة من أثر الرقمنة على العمالة أكثر منه على النمو، ولتحقيق أكبر استفادة من الرقمنة يتعين على صانعي القرار التخطيط لكيفية رقمنة قطاعات محددة وتشجيع تطوير القدرات والعوامل الممكنة الاقتصادية لتحقيق أقصى وقع. وبحسب مؤشر الرقمنة في البلدان لعام 2012 والذي يقيس مستوى الرقمنة ووقعها الفعلي على العوامل الاقتصادية والاجتماعية يتضح أن البلدان التي رفعت مستوى الرقمنة قد حققت أرباحاً في اقتصاداتها ومجتمعاتها وسير عمل قطاعاتها العامة. فكلما تقدم بلد معين في الرقمنة، حقق المزيد من المنافع. وتتفاوت قدرة الرقمنة على دفع النتائج الاقتصادية والعمالة عالمياً بحسب البلد والقطاع، حيث شكلت الاقتصادات الأكثر تطوراً في أميركا الشمالية وأوروبا الغربية حوالى 29% في الناتج الاقتصادي العالمي، فيما اقتصر وقع العمالة على 6%، أما الاقتصادات الناشئة فقد شكلت 71% من الأرباح في الناتج الاقتصادي العالمي و94% من الوقع العالمي للعمالة. وأظهر التحليل أن ارتفاعاً بنسبة 10% في رقمنة بلد معين تحقق زيادة بنسبة 0.75% من النمو في إجمالي الناتج المحلي للفرد. أما بالنسبة للوظائف فارتفاع الرقمنة بمقدار عشر نقاط يسمح باستحداث الوظائف ويؤدي إلى تراجع بنسبة 1.02% في معدل البطالة، ففي عام 2011 سجل في شرق آسيا وجنوبها وأميركا اللاتينية أعلى نسبة نمو للعمال بين جميع المناطق، مع أكثر من 4 ملايين وظيفة تم استحداثها كنتيجة لتحسينات الرقمنة في هذه المناطق. ومع ازدياد الرقمنة، تحرز الخدمات المالية النتيجة الأعلى لناحية القيمة المضافة والإنتاجية، غير أن الرقمنة المتزايدة تقلص الوظائف في الخدمات المالية والتصنيع نظراً إلى تجاوز أرباح الإنتاجية منافع القيمة المضافة. أما قطاع البيع بالتجزئة فتشير النظرة السطحية إلى أن تجار التجزئة الصغيرة يقفلون أبوابهم بسبب التسوق الإلكتروني، وبدلاً من ذلك، يؤدي تطور الرقمنة في قطاع البيع بالتجزئة إلى قيام أسواق وفرص عمل جديدة، كما أن مدى منافع الإنتاجية التي تحققها القطاعات مرتبط بدرجة كبيرة بمدى الرقمنة في هذه القطاعات. ويشير التحليل إلى أن يتعين على صانعي القرار لتحقيق منافع اقتصادية أعلى تحديد وقع الرقمنة عبر التحول إلى مبتكرين للسوق الرقمية، وسوف يكون عليهم تشجيع الأنشطة الرقمية التي تستفيد منها الشركات والمجتمع، يقول سينغ إن " يتعين أيضاً على صانعي القرار في المستقبل التحول إلى مبتكرين للسوق الرقمية - مبتكرين لسوق رقمية توفر لمواطنيها ومؤسساتها وقطاعاتها الاقتصادية الميزة التنافسية الضرورية للنجاح في سوق عالمية". ويتطلب التحول إلى مبتكرين للسوق الرقمية من صانعي القرار تأدية ثلاثة أنشطة هي تصميم خطة رقمنة القطاعات، وبناء القدرات، وإطلاق نظم الرقمنة الأوسع نطاقاً ومراقبتها. ويوضح التحليل إلى أنه من الممكن أن يحقق استحداث الأسواق الرقمية وتحفيز الرقمنة منافع اقتصادية مهمة ومنافع اجتماعية كبيرة للمجتمعات، فعلى سبيل المثال، إذا تمكنت الأسواق الناشئة من مضاعفة نتيجة مؤشر الرقمنة لمواطنيها الأفقر خلال السنوات العشر المقبلة، قد تكون النتيجة أرباحاً بقيمة 4.4 تريليونات دولار في إجمالي الناتج المحلي الاسمي، و930 مليار دولار إضافية في الدخل الأسري التراكمي للأكثر فقراً، و64 مليون وظيفة جديدة للمجموعات الأكثر هامشية اليوم من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية.