في ساحة كبيرة في حي الزاوية الحمراء شرق القاهرة، نُصب سرادق كبير لمائدة إفطار أقامتها القوات المسلحة، استقبلت ضيوفها بلافتة ترحيب كُتب عليها: «مائدة إفطار القوات المسلحة تُرحّب بالزائرين». وجلس مئات المواطنين على موائد نظيفة يتلقون من جنود الجيش وجبات مُعلبة ومُغلفة بعناية وتحتوي على خبز وعصير وقطعة من اللحوم أو الدواجن وأرز وثمرة فاكهة. المعاملة الكريمة والوجبة المتكاملة النظيفة أسعدت رواد موائد الإفطار التي أقامها الجيش في مختلف المحافظات، والتي قال المتحدث باسم القوات المسلحة العقيد محمد سمير، إن 131 مائدة إفطار ستقدم 798 ألف وجبة، أُعدّت في فنادق الجيش ونواديه. وقال رجل خمسيني بعد تناول الإفطار في مائدة الجيش في الزاوية إن «الطعام جيد والمعاملة لائقة جداً. شعرنا أننا في بيتنا، فموائد الأغنياء (في إشارة إلى الموائد التي يقيمها الأهالي) تُعامل الناس بإهانة في الغالب». وأوضح أنه لم يعد في مقدور كثير من الأسر إعداد إفطار يحتوي على لحوم أو دواجن في ظل الغلاء الحالي، «لذا نحلّ ضيوفاً على موائد الجيش، خصوصاً أن البيت بيتنا». إضافة إلى موائد الإفطار الرمضانية، وزّعت القوات المسلحة مئات الآلاف من عبوات السلع الغذائية في المناطق الفقيرة، ولحقها في هذا المجال وزارة الداخلية، وأيضاً جهاز الاستخبارات العامة. وبات مشهداً معتاداً زحام المواطنين أمام منافذ الجيش إما للحصول على مواد غذائية توزّع مجّاناً أو لشراء سلع بأسعار أقل من سعر السوق، حتى إن منافذ البيع التابعة للجيش أصبحت أحد أهم آليات السيطرة على ارتفاع الأسعار في مصر، الذي بات سمة يومية. وشهدت أسعار مختلف السلع طفرات كبيرة في الشهور الأخيرة، خصوصاً قبل شهر رمضان، الذي يُقبل الناس فيه على تخزين الغذاء. وقال البنك المركزي في تقرير أصدره أول من أمس إن معدلات التضخم الأساسية في مصر تخطت 12 في المئة على أساس سنوي، علماً أن القياس استبعد السلع التي تتأثر بصدمات العرض الموقتة، والتي تتسم أسعارها بالتقلب. أما الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ففصل في تقرير أصدره قبل يومين معدلات التضخم، موضحاً أنها ارتفعت على أساس سنوي إلى 12.9 في المئة في شهر أيار (مايو) الماضي، بسبب ارتفاع أسعار مجموعة الحبوب والخبز بنسبة 8.4 في المئة، واللحوم والدواجن بنسبة 3.8 في المئة، والخضروات بنسبة 3.8 في المئة، والفاكهة بنسبة تخطت 5 في المئة، والرعاية الصحية بنسبة تخطت 15 في المئة. ويرى خبراء أن محاولات الدولة للجم الأسعار لن تؤتي على الأرجح ثمارها في ظل الانخفاض المستمر لقيمة العملة المحلية، إذ ارتفع سعر الدولار إلى مستويات غير مسبوقة وبات يُباع في السوق الموازية بنحو 10 جنيهات ونصف، علماً بأن السعر الرسمي للدولار لم يتخط 9 جنيهات. اللافت في الأمر أن الحكومة مُقدمة على خطوات حذّر خبراء اقتصاد من أثرها السلبي على مستويات معيشة الفقراء خصوصاً. ومن ضمن تلك الإجراءات قانون الخدمة المدنية الذي رفضه البرلمان وأجرت الحكومة تعديلات على بنوده وأعادت إرساله إلى البرلمان مُجدداً. والقانون معني، ضمن أمور أخرى، بتنظيم العلاقة بين الدولة ونحو 6 ملايين موظف في الجهاز الإداري. ويحدد القانون زيادة سنوية ثابتة بمعدل 5 في المئة على الأجر الوظيفي لكل موظف. وطلب البرلمان من الحكومة رفع تلك النسبة إلى 10 في المئة، لكن الحكومة أصرت على نسبة ال5 في المئة. كما أرسلت الحكومة مشروع قانون الضريبة على القيمة المضافة إلى البرلمان لإقراره، ليحل محل الضريبة العامة على المبيعات. وأقرت الحكومة مشروع القانون على رغم أن دراسة أعدها باحثون كبار في الإدارة المركزية للبحوث المالية في وزارة المالية، حصلت «الحياة» على نسخة منها، نصحت ب «اختيار توقيت مناسب لتطبيق ضريبة القيمة المضافة لتفادي حدوث ضغوط تضخمية». وقالت الدراسة إن «استحداث الضريبة في وقت تنخفض قيمة العملة الوطنية وترتفع أسعار السلع المستوردة، سيُعتبر مسؤولاً بشكل كبير عن ارتفاع الأسعار، ومن ثم يؤدي إلى زيادة المعارضة لتطبيق الضريبة». وأمام موجات الغلاء المتواصلة، طلب الرئيس عبدالفتاح السيسي من وزرائه في اجتماع أول من أمس خُصص لمراجعة سياسات الحماية الاجتماعية، تعظيم استفادة الفئات الأولى بالرعاية وأصحاب المعاشات الأقل قيمة والتركيز على تحسين أحوالهم المعيشية. ووافق السيسي على زيادة كل المعاشات التأمينية التي يستفيد منها نحو 9 ملايين مواطن، بنسبة 10 في المئة، ووجّه بأن تكون هذه الزيادة بحد أدنى 75 جنيهاً، كما وجه بزيادة الحد الأدنى لجميع المعاشات التأمينية ليُصبح 500 جنيه، ليستفيد من زيادة الحد لأدنى أكثر من مليونين و624 ألف مواطن. وقال رئيس اتحاد أصحاب المعاشات البدري فرغلي ل «الحياة»، إن تلك القرارات تعتبر «خطوة إيجابية لكنها لا تكفي، لأن الملايين من أصحاب المعاشات تم التنكيل بهم والاعتداءات مستمرة على أموالهم وحقوقهم». وأضاف: «إنها خطوة محدودة للغاية وسط فزع اجتماعي، ولا تُعالج الأزمة، خصوصاً أن التضخم وارتفاع الأسعار خلال سنة واحدة خفّضا القيمة الشرائية للمعاشات بنحو 40 في المئة. نحن نتعرض لمأساة وكارثة إنسانية».