يجد السودانيون أنفسهم خلال شهر رمضان من هذا العام مرغمين على الاستغناء عن الكثير من الأطباق والحلويات التي كانت تعمر بها عادة موائد إفطارهم، وذلك بعد شهور من الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تسببت في ارتفاع كبير لأسعار السلع الغذائية. وتقول آمال عمر، وهي أم لخمسة أبناء، أثناء تسوقها في مدينة أم درمان، الجزء الغربي من العاصمة السودانية: «سنقضي شهر رمضان هذا العام من دون مشروب الحلو مر (وهو مشروب سوداني تقليدي يصنعه السودانيون من الذرة خاص بشهر رمضان) كما أن الحلويات واللحوم ستختفي من مائدتنا». ويقول عصام (48 سنة) إن «مائدة إفطار رمضان هذا العام فقيرة جداً مقارنة بالسنوات الماضية». ويؤكد التجار أن أسعار اللحوم ازدادت كثيراً منذ العام الماضي ليصل سعر كيلوغرام اللحم البقري إلى 37 جنيهاً سودانياً مقابل 17 جنيهاً، كما ارتفع سعر صحن الفول الذي يعد وجبة رئيسية لفقراء السودان على الإفطار، من 2.2 جنيه العام الماضي إلى أربعة وخمسة جنيهات هذا العام. ويعاني الاقتصاد السوداني من ارتفاع التضخم وضعف قيمة الجنيه السوداني في مقابل العملات الأخرى ليصل سعر الدولار رسمياً إلى خمسة جنيهات وإلى ستة جنيهات في السوق السوداء مقابل 2.7 جنيه العام الماضي، كما يعاني من نقص في العملات الصعبة بسبب قلة الصادرات. ووصل التضخم وفق تقارير حكومية سودانية إلى 37 في المئة خلال حزيران (يونيو) الماضي مقارنة ب30 في المئة في أيار (مايو) الماضي. واستناداً إلى البنك الدولي، فإن «أسعار الغذاء هي المحرك الرئيس لحركة التضخم في السودان». ومع بداية رمضان، زادت تحديات المستهلك السوداني الذي يعاني منذ انفصال جنوب السودان في تموز (يوليو) 2011 من ارتفاع الأسعار بعد أن فقد الاقتصاد السوداني 75 في المئة من إنتاج النفط البالغ 480 ألف برميل يومياً. وأدى ارتفاع الأسعار إلى انطلاق حركة احتجاج في 16 حزيران (يونيو) الماضي بدأها طلاب جامعة الخرطوم، كبرى الجامعات السودانية، بعد أن أعلن وزير المال السوداني علي محمود زيادة الضرائب وأسعار المنتجات النفطية. وتطورت هذه الاحتجاجات التي امتدت إلى مناطق أخرى من العاصمة السودانية والكثير من المدن الأخرى، إلى المطالبة بإسقاط نظام الرئيس عمر البشير. واعتبر وزير المال أن «الفشل في الوصول إلى اتفاق مع دولة جنوب السودان لاستغلال البنى التحتية السودانية لتصدير إنتاجها من النفط افقدنا بليوني دولار». واستناداً إلى الأممالمتحدة، فإن 46.5 في المئة من سكان السودان البالغ عددهم نحو 30 مليون يعيشون تحت حد الفقر. ويقول داود عثمان (48 سنة): «قبل رمضان كنا نكافح لتوفير الطعام لأطفالنا والآن مع رمضان يزداد الوضع صعوبة لأن الأسرة تزيد نفقاتها خلال الشهر الكريم». وأضاف: «أسرتي لن تأكل اللحم سوى مرتين في الأسبوع خلال شهر رمضان هذا العام». وكان عثمان يتحدث في واحدة من أسواق العاصمة السودانية الرئيسة التي يشكو تجارها من تناقص أعداد المشترين. أما عصام عمر، وهو موظف خدمة مدنية يبلغ من العمر 58 سنة، فيقول: «استهلاكنا لبعض الأشياء مثل السكر يزيد خلال رمضان والآن ارتفع سعر السكر بما يقارب الضعف». ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى سمية أحمد التي تقول: «سنكتفي في إفطار رمضان بالعصيدة (طعام تقليدي يصنعه السودانيون من طحين الذرة) وصحن الفول وحتى السلطة سنأكلها من دون طماطم لأن أسعارها غالية جداً».