تعرف على تفاصيل «المصافحة الذهبية» للجهات الخاضع موظفوها لسلالم الخدمة المدنية    «الأونروا» تحذر: وقف عملنا يقوض هدنة غزة    «صفقة السبت».. إطلاق 3 أسرى إسرائيليين مقابل 90 فلسطينيا    جوارديولا مستاء من جدولة الدوري الإنجليزي    الخليج يتعاقد مع النمساوي "توماس مورغ"    الأستاذ يحيى الأمير.. "وجدت نفسي تلميذًا بين يدي الطبيعة ومواسم الحصاد كانت تأسرني"    الصادرات غير النفطية السعودية للخليج تتجاوز 9 مليارات ريال في نوفمبر    رئيس «مكافحة الفساد»: قواعد «التسويات المالية» تهدف إلى استعادة الأموال المنهوبة    حرس الحدود بالمنطقة الشرقية ينقذ امرأة من الغرق أثناء ممارسة السباحة    خطيب المسجد النبوي: ثقوا بربكم الرزاق الشافي الغني عن الخلق فهو المدبر لأموركم    "هيئة العقار" تُعلن تمديد فترة استقبال طلبات الانضمام للبيئة التنظيمية التجريبية للشركات التقنية العقارية    هلال شعبان يظهر بالقرب من كوكبي زحل والزهرة مساء اليوم    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 55 لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة    القيادة تهنئ رئيس جمهورية ناورو بذكرى استقلال بلاده    دور برنامج خادم الحرمين الشريفين في إثراء تجربة المستضافين في ندوة بمكة اليوم    الأمانة العامة للبرلمان العربي تعقد الاجتماع التنسيقي الأول لإعداد الاستراتيجية العربية للاقتصاد الأزرق    رحيل الموسيقار ناصر الصالح    الراجحي: رالي حائل نقطة انطلاقتي للمنصات العالمية    تقييم جديد لشاغلي الوظائف التعليمية بالمملكة من 5 درجات    ارتفاع اسعار النفط    رياح نشطة مثيرة للأتربة والغبار على تبوك والمدينة ومكة    «سلمان للإغاثة»: تدشين مشروع أمان لرعاية الأيتام في حلب    فانتازيا المسلم بين سحرية التراث ورفض النخبة    هل سمعت يوماً عن شاي الكمبوتشا؟    دهون خفيّة تهدد بالموت.. احذرها!    للبدء في سبتمبر.. روسيا تطلق لقاحاً مضاداً للسرطان يُصنع فردياً    رابطة العالم الإسلامي تعزي في ضحايا حادثة اصطدام الطائرتين في واشنطن    "الدهام" و"فيريرا" يكملان قائمة تحدي الخيالة الدولي بكأس السعودية 2025    القاتل الثرثار!    وفاة ناصر الصالح    العنزي يحصل على درجة الدكتوراة    هل تنجح قرارات ترمب الحالية رغم المعارضات    قوة صناعية ومنصة عالمية    الغامدي ينضم الى صفوف نيوم على سبيل الاعارة    دمبلينغ ينتصر على دا كريزي في "Power Slap" ويهيمن على الوزن الثقيل جداً    مدرب الفتح قوميز: القادسية فريق قوي وعلينا التركيز لتحقيق أداء مميز    قوة التأثير    التراث الذي يحكمنا    لماذا صعد اليمين المتطرف بكل العالم..!    نيابة عن أمير قطر.. محمد آل ثاني يقدم العزاء في وفاة محمد بن فهد    مصحف «تبيان للصم» وسامي المغلوث يفوزان بجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    شراكات جديدة بين هيئة العلا ومؤسسات إيطالية رائدة    تجمع القصيم الصحي يفوز بأربع جوائز في ملتقى نموذج الرعاية الصحية السعودي 2025    "مفوض الإفتاء بمنطقة حائل":يلقي عدة محاضرات ولقاءات لمنسوبي وزارة الدفاع    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُنظّم مبادرة " تمكين المرض"    الديوان الملكي: وفاة الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    المفتي للطلاب: احذروا الخوض في منصات التواصل وتسلحوا بالعلم    البهكلي والغامدي يزفان "مصعب" لعش الزوجية    تعزيز العلاقات البرلمانية مع اليابان    أهم الوجهات الاستكشافية    مدن ومجتمعات صديقة للبيئة    في إجتماع "المؤتمر الدولي" .. وزير الموارد البشرية: المملكة تسعى لتصبح مركزا رئيسياً لاستشراف مستقبل أسواق العمل    عشر سنبلات خضر زاهيات    مختبر تاريخنا الوطني    خطورة الاستهانة بالقليل    حسام بن سعود يستعرض مشروعات المندق    أمير حائل يناقش خطط القيادات الأمنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نصر حامد ابو زيد: لماذا تتعرض شجرة التنوير للموت؟
نشر في الحياة يوم 05 - 07 - 2010

[... عندما تناقش قضية الاصولية مثلاً ستجد ان المفهوم الضمني ان الاصولية بالمعنى الذي استقر عليه الغرب جزء اصيل من نسيج الفكر الاسلامي. عليّ اذن ان ادافع عن الاسلام الحقيقي بصورته النقية. الاسلام في الغرب تحول الى مشروع تجاري ناجح جداً على المستوى الاكاديمي ...]
العنوان الأصلي للمقابلة: "في حوار تناول ظروف انتقاله الى اوروبا... نصر حامد ابو زيد: لماذا تتعرض شجرة التنوير للموت؟"
أجراها: محمود الورداني
نُشرت في "الحياة" 16 أيلول (سبتمبر) 1996
اثناء حضوري ندوة «الأدب وحرية وسائل الاعلام وحقوق الانسان في المجتمعات الاسلامية» التي نظمتها اكاديمية لوكوم في هانوفور الشهر الماضي، التقيت على هامشها الدكتور نصر حامد ابو زيد.
ومنذ خروج ابو زيد من القاهرة قبل عام وفي اعقاب الحكم بالتفريق بينه وبين زوجته ابتهال يونس، الاستاذة في جامعة القاهرة، ثم اهدار دمه، منذ هذا الوقت وهو يتنقل بين دول ومدن اوروبية عدة من اسبانيا الى المانيا الى هولندا، التي استقر فيها استاذاً في قسم الدراسات الاسلامية.
زاد وزن ابو زيد كثيراً لكنه يعمل كثيراً كما اخبرني، قال ان الموقف ما زال عصيباً غير انه استطاع ان يتغلب على الوضع المتوتر الدائم بالعمل المتواصل، لقد تعلّم اخيراً ان يعمل على الكومبيوتر الذي اكتشف انه اشبه بالسحر المنظّم وهو يوفر وقتاً وجهداً هائلين.
في هذا الحوار الذي جرى معه في احدى حجرات اكاديمية هانوفر في المانيا يحكي ابو زيد وقائع مغادرته مصر والظروف الدقيقة التي وجد نفسه فيها، وكيف يعيش الآن ومشروعاته وعمله ومستقبله مع زوجته بعدما واجها معاً واحدة من اخطر القضايا الحياتية والفكرية بصلابة وحسم.
يتردد ان مغادرتك مصر وقرارك بالعمل في جامعة لايدن في هولندا يُعدّ نوعاً من الهروب من المواجهة بعد الحكم الصادر بتفريقك عن زوجتك، ما رأيك؟
- المواجهة فكرية عبر ثلاثة ادوات اساسية: الاولى انني كاتب وانشر كتبي وابحاثي، والثانية انني ادرّس في الجامعة والاخيرة مشاركتي في الندوات مثلاً او عبر الاحزاب والتجمعات المختلفة.
وبعد صدور الحكم والتهديد بالقتل الذي نُشر في «الحياة» زودتني الدولة بحراسة شديدة في البيت، ومن قواعد هذه الحراسة ان يرافقك الامن الى اي مكان تذهب اليه، وعندما يأتيك زائر لا بد ان يمرّ على الامن، يعني حياة ليست لطيفة على الاطلاق.
تحمّلت هذه الحياة ولم اتخذ قراراً بالسفر الا عندما ناقشت احدى الرسائل الجامعية عن حسن حنفي وعابد الجابري أعدّتها احدى طالباتي وكنت مشرفاً عليها وتم تحديد موعد المناقشة من قبل، حاول الامن تأجيل ذهابي لكنني صممت. كنت اركب سيارتي ومعي رجال الامن، فضلاً عن سيارة حراسة اخرى، وذهبت الى الجامعة حيث فوجئت بالحرس ينتشرون في كل مكان، دخلت الى كلية الآداب عبر الجهاز الذي يجب ان يمرّ عليه كل واحد للكشف عما اذا كان يحمل اسلحة، لم يكن منظر هذه الحراسة مما يمكن احتماله.
نعود الى ظروف اتخاذ القرار بمغادرة مصر.
- كان هذا الموقف بالغ الصعوبة. هل من الممكن ان يستمر الوضع على هذا النحو. كلما خرجت وذهبت الى جامعتي ادركت انني لن استطيع تحمل هذا الوضع، كما ان الجامعة لا تستطيع ايضاً تحمّله، وفي هذا اليوم عرفت ان جزءاً كبيراً من فعاليتي ونشاطي، وهو التدريس في الجامعة قد تم استئصاله، اذن انا محبوس وعملياً مسجون، اذا خرجت للتريض مثلاً او زيارة احد اصدقائي او السهر معه لا بد ان تكون الحراسة معي، ترافقني.
الحقيقة انني تعودت مع تلاميذي الذين لم يكن ممكناً ان اعيش بعيداً عنهم سواء في قاعة المحاضرات او في الممرات او في حجرة الاساتذة لم يكونوا يفارقونني حتى أزعق فيهم ليتركونني دقائق. العلاقة بيني وبينهم كانت دائماً تتجاوز العلاقة التقليدية بين التلميذ والاستاذ، لتصبح علاقة بين اصدقاء او باحثين يعملون معاً.
كيف يمكن لي ان اعيش اذن؟
ليكن ما شعرت به مسألة عاطفية او رومانسية او سمّها ما شئت لكنني لم استطع ان اتحمل دخولي للجامعة على هذا النحو وحصار الجامعة على هذا النحو وابعاد الطلبة عني على هذا النحو.
هل ظلت علاقتك اذن بطلابك محتفظة بالحرارة نفسها حتى بعد صدور الحكم؟
- الحكم صدر اثناء الاجازة الدراسية وفي نهاية الامتحانات السنوية، تحديداً في 15 حزيران (يونيو)، وكنت استعد لتصحيح المسابقات في البيت كما جرت العادة. وقلت لنفسي ما العمل اذا كان هذا هو ما جرى في الجامعة خلال الاجازة الصيفية واثناء مناقشة الرسالة؟ وما الذي يمكن ان يحدث اثناء السنة الدراسية؟
ورحت اتساءل بيني وبين نفسي: اذا اتخذت الجامعة قراراً بإبعادي عن التدريس على اساس انه لا يمكنني التدريس وسط ظروف الحصار. واذا صمّمت على الاستمرار في الدراسة فان هذا يمثّل ضغطاً على الجامعة، التي تتعرض في الوقت نفسه لضغوط شديدة من المتطرفين لفصلي بعد صدور الحكم بالتفريق.
هل تعرف ان أحد الاساتذة واسمه نصر موافي قدّم طلباً في اول اجتماع للقسم يطلب فصلي وهذا الشخص في المناسبة كان احد تلاميذي.
وهكذا لم أرد من ناحية ان ادخل في صراع مع الجامعة، ومن ناحية اخرى كنت محتاجاً الى تخفيف الصراع معها ومحاولة تقليل الضغوط التي تتعرض لها.
هل كان يمكنك الاستمرار في العمل داخل منزلك؟
- منذ صدور الحكم وفرض الحراسة على منزلي وعشرات الاصدقاء والتلاميذ يزورونني، بل ان الصالة لم تكن تخلو من الناس منذ استيقاظي وحتى المساء، هذا فضلاً عن ظروف الحراسة نفسها وما تفرضه عليك من شروط، فمثلاً في احدى المرات فوجئ رجال الامن بباص يقف امام الباب وخرج منه عشرات الطلاب، وانت تعرف انني اسكن في ضاحية بعيدة عن القاهرة، جمع هؤلاء الطلاب والاصدقاء انفسهم واستقلوا باصاً وجاؤوا يزوروني مما دفعني للخروج اليهم والترحيب بهم امام البيت والاعتذار لهم.
كانت زوجتي ابتهال ستحصل على منحة الى اسبانيا قبيل الحكم بالتفريق. مرّ شهرا حزيران وتموز (يونيو ويوليو) وادركت ان هذا الوضع لا يمكن ان يستمر واتفقنا - زوجتي وانا - ما دامت هي ستسافر الى اسبانيا من اجل المنحة، وما دامت ضغوط الحراسة والامن على هذا النحو، على ان نقضي شهر آب (اغسطس) في اسبانيا لتستعد لمنحتها.
كما اتفقنا على ان نعلن لكل الناس اننا سنسافر الى الساحل الشمالي في مصر لقضاء شهر اجازة - وهو الامر الذي لم يكن ممكناً من الناحية العملية لأن هذا معناه ان ترافقك الحراسة ايضاً الى الساحل الشمالي - اما من كان يعرف بقرار السفر الى اسبانيا فالامن فقط.
تردد ان هناك بعض الجهات المسؤولة في الدولة طلبت منك ان تغادر مصر في هذه الظروف.
- لم يحدث مطلقاً، وكل ما جرى اننا لملمنا كل ما نملك وقررنا السفر الذي كان مقرراً من قبل الى اسبانيا وقضاء شهر معاً قبل المنحة ونفكر اثناءه على مهل في القرار التالي.
وصلنا الى اسبانيا وكانت درجة الحرارة 50 درجة مئوية، ومع ذلك كنا في اقصى درجات الفرح، بل اننا ألقينا حقائبنا في الفندق وخرجنا في اللحظة نفسها الى الشوارع للمرة الاولى من دون حراسة.
وبعد مرور الشهر ذهبت ابتهال زوجتي الى منحتها وتوجهت انا الى المكتبة القومية في مدريد، واثناء بحثي عن بعض كتب التفسير عثرت على ترجمة للقرآن الكريم عام 1921 صاحبها هندي اسمه محمد احمد علي ينتمي الى المدرسة الأحمدية.
هل الترجمة الى اللغة الهندية؟
- لا الى الانكليزية، والحقيقة انها لم تكن مجرد ترجمة بل تفسير حيث تضم ما يزيد على الفين من الشروحات والتفسيرات المرقّمة. عملت في هذه الترجمة على مدى شهري ايلول وتشرين الاول (سبتمبر واكتوبر).
من ناحية ينتمي هذا التفسير - ولا اقول الترجمة - الى بداية القرن العشرين اي بعد الشيخ محمد عبده بسنوات قليلة، ومن ناحية اخرى يتعرض لكل مشكلات التحدي المطروحة على الفكر الاسلامي في الغرب، سواء المرتبطة بالمسيحية او طبيعة المسيح وتأويل السور وقضية الجبر والاختيار والناسخ والمنسوخ من منظور واحد وهو منظور الدفاع عن الاسلام.
في هذه الاثناء كنت بدأت في التحضير لجزء ثانٍ من كتابي «مفهوم النص» واذا كان الجزء الاول عن القرآن فان الجزء الثاني كما كنت اريد سيكون حول السنّة، وبالفعل كان الاختبار الاول لدراستي للسنّة هو كتابي عن الامام الشافعي.
ما حدث انني تركت كل هذا وتوقفت حائراً امام السؤال الآتي: لماذا تتعرض شجرة التنوير للذبول بل والموت كلما نَمَت قليلاً؟ وبدا لي ان جذور الاجابة عن مثل هذا السؤال غائبة عني ويجب ان اناقشها من خلال التفسير. وعثرت اثناء بحثي على كتاب آخر، للطاهر بن عاشور في عنوان «التحبير والتنوير» وهو كتاب في التفسير، وهو مفكّر تونسي عاش في بدايات القرن ايضاً.
وهكذا تركت مشروعي الاول في البحث في السنّة وانشغلت بالبحث في اشكاليات التفسير والتنوير في بداية القرن، بل منذ رفاعة الطهطاوي وحتى مصطفى صادق الرافعي وقاسم امين والعقاد، وتطور الامر الى ضرورة دراسة محمود طه من السودان ومحمد شحرور من سورية والطاهر بن عاشور من تونس ومن الهند اقبال والسيد حمد خان والمودودي والندوي، كل هذا كان ضرورياً لدراسة القضايا التي كانت مطروحة على الفكر الاسلامي في هذا الوقت ولكن من خلال وقائع معينة هي تفسير القرآن.
هل تعود مرة اخرى الى ظروف انتقالك من اسبانيا الى هولندا؟
- قبل سفري كنت اعرف بعض الباحثين الهولنديين من بينهم رئيس المعهد العالي للدراسات الآسيوية وهو في الوقت نفسه رئيس قسم المشروعات، كما تعرفتُ في القاهرة الى فريد ليمهاوس، الذي كان رئيساً للمعهد الهولندي في القاهرة. وقبيل صدور الحكم مباشرة بالتفريق كان هذا الرجل القى محاضرة تتناول ابحاثي، وكان مقرراً سفره بعد هذه المحاضرة لكنه اتصل بي هاتفياً بعد صدور الحكم وقبل سفري.
الا انني يجب ان اوضح اولاً ان فريد ليمهاوس استاذ في الدراسات الاسلامية ومترجم معاني القرآن الى الهولندية، ودراساته كلها حول التفسير في المراحل الاولى وقد تعرفت اليه في القاهرة من خلال الهاتف فقط لسنوات عدة حيث كنا نناقش بعض المسائل حتى التقينا في العام الاخير.
وعرض عليّ ليمهاوس قبل سفره ان اذهب الى جامعة لايدن في هولندا للعمل. فوافقت على الفور لأن جامعة لايدن هي حلم اي باحث في الدراسات الاسلامية، فهي احد المراكز العريقة وذات تاريخ طويل في الدراسات الاسلامية.
وفي الوقت نفسه انا عضو في مجلس تحرير الموسوعة القرآنية التي ستصدر عن مطبعة بريل.
تلك هي علاقتي بهولندا. بل انني قبل صدور الحكم بالتفريق كنتُ تلقيت دعوة من معهد الدراسات المتقدمة في برلين للعمل لمدة عام، وهي منحة تخصص للباحثين الذين حققوا انجازات ملموسة مثل محمد اركون وآخرين. وبمجرد صدور الحكم ارسلوا اليّ يخبرونني انه يمكنني السفر فوراً اذا اردت، ومن جانبهم سيعدلون الموعد الذي كان مقرراً ان يتم في تشرين الاول (اكتوبر) 1996.
وهكذا كانت الدعوة من معهد برلين مفتوحة، والحقيقة انني كنت معروفاً في الدوائر العلمية الالمانية قبل صدور الحكم الذي حقق لي الشهرة والتهمة معاً، وأعدّ ثلاثة من الباحثين الالمان في بون وهامبورغ وبرلين ثلاث رسائل ماجستير عن ابحاثي قبل صدور الحكم ايضاً.
ومن جامعة بون تلقيت مكالمة هاتفية من رئيس قسم الاستشراق في جامعة بون وهو صديقي ومحب للعرب ومصر، ولا انسى كلماته التي وجّهها اليّ بالعربية:
«يا نصر? هات ابتهال وتعال?».
امام كل هذه العروض، ماذا قررت في النهاية؟
- الحقيقة انني اخترت هولندا لأنها جامعة عريقة ومعروفة في ما يتعلق بتخصصي تحديداً. والحقيقة ايضاً ان فرحة عمري كانت عندما تأكدت انني قادر على العمل على رغم الظروف المحيطة.
الآن وبعد مرور قرابة العام على خروجك من مصر، هل تشعر انك قادر على الاستمرار في ابحاثك؟
- بالطبع، بل انني تقدمت ايضاً بضع خطوات وان كنت لم انقطع عن الاهتمام بالقضية، واذا كنت قد تحمّلت مثل هذه المخاطر المتمثلة في الحكم الصادر ضدي بالتفريق، الا ان المجتمع استفاد من صدوره. والمثقفون ايضاً استفادوا فقد تغيّرت بعض مواد قانون الحسبة اخيراً. والآن يتأكد لي ان موقفي كان سليماً تماماً في ما يتعلق برفضي مؤامرة عدم ترقيتي التي لم تكن مجرد تدرج وظيفي بل قضية سياسية وفكرية تتعلق بحرية التعبير.
وفي ما يتعلق بالبيان الذي نُشر في الصحف اثناء وجودك في هولندا وقيل انك ارسلته من هناك بناء على طلب المحامين اثناء النظر في قضيتك؟
- اود ان اوضح اولاً استيائي من الحملة التي شنّها عليّ البعض حيث نشر انني تخليت بهذا البيان عن مبادئي ومواقفي. والحقيقة ان هذا البيان هو البيان الذي سبق لي نشره في الصحف قبل سفري وهو انني باحث مسلم اعتزّ بإيماني واسهامي في الفكر الاسلامي. والجديد فقط هو ان المحامين ارسلوا يطلبون توقيعي على هذا البيان لتقديمه الى المحكمة اثناء سفري، فذهبت الى السفارة المصرية في هولندا وكتبت البيان ووقعت عليه وشهدت السفارة واعتمدته وارسلته الى المحامين.
الحقيقة اذن انه البيان نفسه كما رويت لك ولم اعلن من خلاله توبتي كما نشرت بعض الاقلام، ان معنى توبتي ان احرق كتبي واتزوج من زوجتي مرة اخرى، التوبة معناها الاعتراف بالارتداد عن الاسلام وهو ما لم يحدث.
أنا لم اهرب اذن من المواجهة كما قيل ولم أرسل بياناً اعلن فيه توبتي.
اود ان اضيف ايضاً انني تعرضت لتفاصيل جعلت استمراري في جامعة القاهرة شبه مستحيلة. فقد نشر احد تلاميذ عبدالصبور شاهين كتاباً وُزع بالمجان في الجامعة ذكر فيه ان زوجتي زانية لأنها مصرّة على زواجنا ورافضة للحكم بالتفريق بيننا.
ننتقل الى نقطة اخرى، الى جانب ترجمة بعض كتبك ما الذي انجزته خلال وجودك في جامعة لايدن؟
- هذه الترجمات كان متفقاً عليها قبل سفري وقبل صدور الحكم بسنوات، وما حدث ان حضور المؤتمرات والندوات التي اقيمت في مدن اوروبية مختلفة شغلني عن ابحاثي، ولذلك فانني انوي مع بداية العام الدراسي ان اعتذر عن هذه الندوات والتفرّغ لعملي، لان المطلوب مني ليس البحث فقط، بل الدفاع عن الاسلام ايضاً من خلال وجودي.
بأي معنى تدافع عن الاسلام؟
- بمعنى ان صورة الاسلام مشوهة في اوروبا حتى داخل الدوائر الاكاديمية. فعندما تناقش قضية الاصولية مثلاً ستجد ان المفهوم الضمني ان الاصولية بالمعنى الذي استقر عليه الغرب جزء اصيل من نسيج الفكر الاسلامي.
عليّ اذن ان ادافع عن الاسلام الحقيقي بصورته النقية. الاسلام في الغرب تحول الى مشروع تجاري ناجح جداً على المستوى الاكاديمي سواء من جانب بعض الجهات التي تدعم الابحاث او من جانب بعض الدوائر الاكاديمية، مجرد مشروع تجاري ناجح يدرّ اموالاً.
متى ستعود الى القاهرة؟
- لا تتصور مدى حنيني للعودة، هناك ظروف دقيقة كما تعلم تجعلني حريصاً على اختيار توقيت يتوافق مع هذه الظروف. وعموماً بعد ان ينتهي العام الدراسي الحالي سيكون بوسعي ان افكر في الأمر ملياً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.