يتباهى معلق رياضي بما يظنه عملاً رائعاً يدهشه، فيستحضره من أسوأ مراحل التاريخ البشري ليجعله الحادثة القدوة التي يراها مدعاة لأن يحذو حذوها تاريخنا الراهن. ما أشير إليه هو تماماً ما فعله أحد المعلقين الرياضيين على مباراة من مباريات مونديال جنوب إفريقيا. فالمعلق الذي ساءه «تخاذل» منتخب إيطاليا عن اللعب، راح يذكر لاعبي ذلك المنتخب كيف أن موسوليني قد أصدر لهم عام 1938 أمراً من كلمتين: «عودوا بالكأس»، فانصاع الإيطاليون الذين يرى المعلق أنهم «لا تنفع معهم غير العين الحمراء»، إذ لعبوا بجدية، وعادوا إلى روما بالكأس الغالية، كما أمرهم الزعيم. أدهشني التعليق، بل صدمني. فإعجاب المعلق بموسوليني شيء يخصُه بالتأكيد، لكنه لا يعود كذلك حين يطلقه من شاشة فضائية ينصت لها ملايين المشاهدين، وأين؟ في سياق مباريات دورة كروية هي الأهم، أي تستقطب عشرات ملايين المتابعين. هل يمكن أن يكون وعي المعلق الرياضي منحدراً إلى هذا الحد؟ أين تنتهي مسؤولية المعلق وتبدأ مسؤولية القناة الفضائية التي يتحدث منها وباسمها؟ أسئلة لا تجد إجاباتها في ضجيج «الفوفوزيلا» والخلاف على صحة أو خطأ صفارات الحكام وقراراتهم، لكنها مع ذلك تظلُ حاضرة وتشير لوعي مضطرب هو مزيج من الانفعالات والزهو الخائب، بل والجهل بأبسط اشتراطات الإعلام النظيف. الأهم هنا هو التناقض المروع بين إزدهاء معلّق بأفعال موسوليني، وبين كرة القدم، والرياضة عموماً. أي بين أحد رموز الفاشية، وعوالم التسامح والفن، والعلاقات الحوارية بين بني البشر. وهو تناقض يضعنا مجدداً أمام صورة وعينا في تشوهاته وأوهامه، وخليط مفرداته. السؤال هنا: هل يكفي أن يحفظ المعلق الرياضي أسماء اللاعبين وما فعلوه في أنديتهم ومنتخباته ليكون مؤهلاً للتعليق في دورة رياضية كبرى؟ وهل يمكن فصل وعيه الخاص عن عمله كمعلق نستمع لكلماته وآرائه؟ سؤالان من وحي ما يتحفنا به بعض المعلقين الكرويين هذه الأيام، وما نعتقد أنه جدير بالتوقف عنده، وإعادة تقويمه مجدداً، ذلك أن فضاء الإعلام الرياضي ليس ملكاً لأحد يطلق من خلاله ما شاء من آراء وأحكام. وهو فوق ذلك مساحة تحتاج عناية خاصة، وامكانات تليق بتظاهرة على هذه الدرجة من القدرة على استقطاب اهتمام الناس ومشاهداتهم.