أطلقت وزارة الثقافة اللبنانية أمس تطبيقاً للأجهزة المحمولة العاملة بنظامَي «أندرويد» من «غوغل» و»آي أو إس» من «آبل»، يحمّل محتويات «المتحف الوطني الافتراضي للفن الحديث». مهلاً، متحف وطني للفن الحديث؟ للوهلة الأولى لم نفهم كمتابعين للفنون التشكيلية، كيف يطلق لبنان متحفاً افتراضياً للفن الحديث في حين لا يوجد أي متحف واقعي لهذا الفن على الأرض؟ لبنان الذي شهد انبعاث الفن التشكيلي أواخر القرن الثامن عشر مع نجيب يوسف شكري ونجيب فياض وعبدالله مطر وإبراهيم نجار وسعيد مرعي وسليم حداد ونجيب بخعازي. ثم ظهرت مجموعة من الفنانين المحدثين في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، مهدوا لقيامة الفن التشكيلي اللبناني بعدما درسوا الفن التشكيلي في الغرب على أيدي أساتذته الكبار وتبيّنوا حقيقة المدارس الفنية المختلفة وعادوا يحملون فناً ناضجاً فيه الكثير من خبرة الغرب وعلمه وتقنيته، منهم نعمةالله المعادي ورئيف شدودي وعلي جمال ومكاروف فاضل... ثم لمعت أسماء تعتبر مؤسسة ورائدة مثل حبيب سرور (1860 - 1927) وداود قرم (1854 - 1930) وخليل صليبي (1870 - 1928)، وصولاً إلى النحات يوسف الحويك ومصطفى فروخ وقيصر الجميل وصليبا الدويهي ورشيد وهبي. هذه أسماء قليلة من الأراعيل الأول والثاني والثالث، التي نرى أعمالها ونقرأ عنها في متاحف عالمية من لندن إلى نيويورك إلى باريس، إضافة إلى أسماء لا تعد ولا تحصى من جيل شفيق عبود وسلوى روضة شقير وبول غيراغوسيان وميشال بصبوص وعارف الريس، وجيل اليوم مثل أسامة ومحمد سعيد وأيمن بعلبكي، جميعها كانت تستحق متحفاً «واقعياً» يليق بقيمتها الفنية على أرض الوطن. تلك الأسماء عملت بمبادرات فردية ووصلت إلى العالمية ونالت جوائز دولية مرموقة، فقط لأن أصحابها مبدعون. وأمام تلك الأعمال التي تحتفل بها المحافل الدولية نخجل كلبنانيين، عندما يسألنا جامعو أعمال فنية أو أمناء متاحف أو نقاد لماذا لا يوجد متحف للفن الحديث والمعاصر في لبنان؟ نخجل لأن فخرنا بهذه الأسماء يستحقّ «واقعاً» أفضل، وخصوصاً بعد إعادة إعمار لبنان إثر الحرب الأهلية في مرحلة اهتمتّ فيها الدولة بالطرق والجسور ونسيت أن تبني على الأقل متحفاً يحكي تاريخنا الفني الثريّ ويوثّق له، خصوصاً أننا كشعب نتباهى بتاريخنا الثقافي! لكن خطوة بناء متحف وطني رسمي للفن الحديث والمعاصر، تحتاج إلى قرار سياسي وضغط من الرأي العام. محكومون بالإيجابي كي لا نكون سلبيين ومتشائمين اليوم، على رغم استغرابنا خطوة الافتراضي قبل الواقعي، نحن محكومون بتقبّل خطوة الافتراضي في شكل إيجابي، لأن لا خيار آخر أمامنا. على الأقل، يكون لبنان موجوداً «رسمياً» على الخريطة التشكيلية الافتراضية. ولكن لا ننسى أن لبنان يضجّ بغاليريات تشكيلية مرموقة وفضاءات فاعلة للفن المعاصر والحديث مثل مركز بيروت للفن المعاصر ومركز بيروت للمعارض وأشكال ألوان ومتحف سرسق، لكنها تبقى فضاءات خاصة وغير رسمية ولا تستوعب كل الأعمال اللبنانية في شكل دائم، إذ تستضيف أحياناً بعضها في شكل موقت. التطبيق الذي أطلق في مؤتمر صحافي من متحف سرسق أمس، يحمل اسم «إم في إم إيه» وهو نسخة مصغرة عن المتحف الافتراضي الذي أطلقته وزارة الثقافة اللبنانية في حزيران (يونيو) 2015 بالتعاون مع الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة (ألبا) التابعة لجامعة البلمند. وشدّد وزير الثقافة ريمون عريجي خلال المؤتمر على أهمية التعاون بين «القطاع العام والقطاع الخاص بكل أطيافه، بخاصة في ميدان الثقافة» الأبرز لتفاعل هذا النوع من الشراكات. وقال: «وزارة الثقافة لا تصنع الثقافة بل تواكبها وتشجعها، فصناعة الثقافة تعود للمثقفين والمبدعين». واستعرض عريجي أيضاً أهم ما حققته الوزارة في إطار هذا المشروع الذي يقدم أعمال فنانين لبنانيين وتضم مجموعته الدائمة 800 عمل فني والذي بات الموقع الخاص به متوافراً باللغة الإسبانية، إضافة إلى العربية والإنكليزية والفرنسية. كما أعلن إطلاق موسم المعارض الافتراضية في المتحف التي يمتد كل منها على ثلاثة أشهر وتركز على الفنانين اللبنانيين الشباب. وأطلقت وزارة الثقافة اللبنانية المتحف الوطني الافتراضي للفن الحديث لتضع مجموعتها في متناول الجمهور في لبنان والخارج، وفق الوزير. والأعمال فيه مقسّمة على غرف بتسلسل زمنيّ مع مقاسات فعلية تحترم المقاسات الواقعية. ويقدم الموقع مجموعات خاصة ومعلومات عن أصحاب التحف الفنية وأفلاماً وثائقية عنهم. وتساهم هذه المبادرة «في وضع الفن اللبناني على خارطة الثقافة العالمية»، على حد قول جورج قرم الوزير السابق وحفيد الرسام اللبناني الرائد داود قرم.