تشكل المتاحف على اختلاف تنوعها وتخصصاتها إرثا ووثيقة تشهد على حضارات الأمم وتعد الدول التي تعتني بهذه المتاحف في مقدمة الدول المتحضرة التي تعتز بماضيها وتوثق مسيرة تطورها وتحدث المقارنة الممزوجة بالاعتزاز بما كانت عليه من أصالة وثوابت وجذور عميقة في التاريخ حافظت عليها على مر الزمن في بنائها البيئي والإنساني، من هذا المنطلق ولأهمية تلك المتاحف فقد اهتمت دولنا العربية بهذا الجانب وأنشئت المتاحف المتعددة الأغراض منها المتخصصة في التاريخ والأخرى للآثار، أما ما نعنيه اليوم ومن خلال الصفحة التشكيلية فهي المتاحف الفنية التي تحتضن تجارب وإبداعات رواد الفنون الجميلة في تلك الدول نذكر منها على سبيل المثال مصر الشقيقة الأكثر شهرة في المتاحف الفنية التي تجاوزت العشرين متحفا أبرزها وأكثرها تنوعا متحفي الفنون الجميلة في الإسكندرية والقاهرة إضافة للمتاحف الشخصية التي أقيمت لعدد من الفنانين أما بجهود خاصة أو حكومية تليها المتاحف التالية معرض الفن الحديث في العراق، المتحف الوطني للفنون الجميلة الأردن، متحف الفن الحديث في سوريا، متحف الفن الحديث في الكويت، متحف الفن الحديث في الشارقة، متحف الفن المعاصر في قطر. هذه المتاحف تحتضن أعمالا عالية القيمة الفنية وغالية الثمن وتلقى اهتماما كبيرا من الجمهور ومن السياح أصبحت رموزا حضارية لفنون معاصرة تسير توازيا مع المتاحف التاريخية وتكمله دائرة الثقافة والوعي الحضاري في تلك المجتمعات. حلقة ماسية في عقد المتاحف الفنية قبل فترة من هذا العام 2014م احتفلت الأوساط الثقافية العربية وخصوصا التشكيلية بالحدث الأجمل الذي تفاعل معه الكبير من التشكيليين العرب الذين لديهم معرفة تامة بما تحقق للفن التشكيلي في المغرب وما حققه الفنانون المغاربة من حضور عالمي وعربي بتأسيس متحف الفن الحديث والمعاصر حمل اسم «متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر» احتفى به التشكيليون في العالم عامة والسعودية خاصة واعتبره الفنانون العرب إضافة جديدة للمتاحف التشكيلية العربية عودا إلى ما يحتضنه من أسماء مشاهير من المغرب والعالم ويقدم إرثا بصريا ثريا واعتباره احد الرموز الحضارية في مجال الثقافة البصرية من خلال ما يهدف إليه ويسهم به في إثراء النظرة الراقية تجاه وعي الإنسان العربي وإبراز حجم الاهتمام الرسمي بهذا الفن، وقد قسم المتحف إلى أربع مراحل تمثل مراحل التأسيس والتطور وجاءت كما تناقلتها وسائل الإعلام المغربية على النحو التالي:- المرحلة الأولى انطلقت في القرن العشرين إلى نهاية الخمسينيات، بظهور الجيل الأول من الفنانين المغاربة، من قبيل محمد بن علي الرباطي وأحمد اليعقوبي ومحمد السرغيني ومريم مزيان. ومن المحاولات الأولية لتعبير تشكيلي مطبوع بالتأثير الغربي، تفضي المرحلة إلى بروز جيل من الفنانين الذين أرسوا أسس حداثة الفنون التشكيلية بالمغرب. المرحلة الثانية عقدا الستينيات والسبعينيات، حيث بدأ فنانون شباب المشاركة في المعارض والاستفادة من التكوين إما بالاتصال بفنانين غربيين أو بتلقي دورات تكوينية في الخارج أو من خلال ورشات داخلية، فضلا عن ظهور مدرستي تطوانوالدار البيضاء، مما أثمر تجارب غنية يتداخل فيها التقليد والحداثة، وبمثلها الفنانون جيلالي الغرباوي وأحمد الشرقاوي ولاحقا مرحلة ظهور مدرسة الدار البيضاء بأعلامها: بلكاهية وشبعة والمليحي وحميدي وعطا الله، فضلا عن خريجي مدرسة تطوان من قبيل المكي امغارة وسعد بن شفاج. المرحلة الثالثة التي تشمل الثمانينيات والتسعينيات، بدأ الخروج من معطف الهوياتية في اتجاه تأكيد الفردانية الفنية وتنويع النزعات الجمالية. لقد انصب جهد هؤلاء الفنانون على تطوير نشاطهم الإبداعي وتأكيد تفردهم على مستوى التقنية والأسلوب والموضوع، ومن أهم هذه التجارب التي وجدت مكانا لها في أروقة المتحف مصطفى بوجمعاوي وعباس الصلادي ومهدي قطبي وخليل الغريب وماحي بينبين وغيرهم. المرحلة الرابعة بدأت منذ نهاية القرن العشرين على مناطق غير مسبوقة للفن في سياق الهجرة والعولمة وتقنيات الاتصال الجديدة، حيث تعكس هذه المرحلة تداخلات في المرجعيات والثقافات والتعبير عن هوية منفتحة، ومن الأسماء البارزة في هذه المرحلة المتواصلة حتى اليوم لمياء ناجي، محمد الباز، هشام بنوحود، صفاء الرواس وغيرهم. إضافة إلى ما يزيد على 500 عمل فني لحوالي 200 فنان عبر تاريخ الظاهرة التشكيلية بالمغرب تسكن فضاء متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر، لمدة حددت مبدئيا في ستة أشهر، بحسب مدير المؤسسة، الذي يراهن على تواصل واسع مع جمهور مغربي مدعو إلى تملك تاريخه الفني الذي يقفل قرنا من الإبداع. خطوة جديدة في مفهوم الفنون يأتي إنشاء متحف محمد الخامس ليشكل تكريما وتقديرا وتتويجا للفن الحديث والمعاصر في المغرب العربي وفنانيه بتكلفة تقدر بثمانية ملايين دولار ونصف على أعلى مواصفات المتاحف العالمية حيث شيد على ثلاثة طوابق تشتمل على قاعة للندوات وفضاءات للعرض أُطلق عليها أسماء فنانين مغاربة كبار (الشعيبية طلال، جيلالي الغرباوي، مريم مزيان، أحمد الشرقاوي، فريد بلكاهية، حسن الكلاوي، آندري الباز، محمد القاسمي)، وورشة بيداغوجية (تربوية)، ومختبر لترميم التحف الفنية، ومكتبة، وقاعة شرفية، وإدارة، ومقصف، وقاعة للتمريض، ومرأب. وقد أقيم بمناسبة التدشين معرض تحت عنوان «1914 - 2014: 100 سنة من الإبداع»، قدم من خلالها أعمال من مختلف مراحل تطور الفن بالمغرب. حضر افتتاحه كل الأسماء الكبرى التي ذاع صيتها في المحافل التشكيلية وطنيا وعربيا وعالميا حيث كان في شكل توزيع اللوحات حسب مراحل تطور الفن المغربي ما نقل الجمهور في رحلة عبر أربع مراحل أساسية في تاريخ الفن التشكيلي بالمملكة، كما كرم عدد من إعلام الثقافة العالميين والمغاربة كما كرم السيد عبد الله شهيد الكاتب العام (وكيل) لمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر، وعبد العزيز الإدريسي مدير المتحف، والفنانين التشكيليين: عبد الكريم الوزاني، ومحمد الطبال، وسعد بنسفاج، وأندري الباز. أصيلة تاريخ وعنوان للفنون ولا ننسى في هذا المقام مهرجان أصيلة العالمي الذي اشتهرت به المملكة المغربية التي تقام فعالياتها في قصر الريسوني الذي يحمل اسم «قصر الثقافة»، وقد تم ترميمه في منتصف التسعينيات ليصبح فضاء يحتضن بعضاً من أنشطة موسم أصيلة الثقافي، إذ تُقام به ورشات فنون الرسم والنحت والحفر وبعض السهرات الفنية. وعلى بعد أمتار قليلة من باب القصبة، يوجد مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية المقر رسمي لمؤسسة منتدى أصيلة وفضاء لاحتضان المفكرين والأدباء والمثقفين والمبدعين من مختلف مناطق العالم.