لخص نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي الأزمة السياسية في البلاد برغبة بعض الأطراف في العودة الى تطبيق نظرية المحاصصة الطائفية في تقاسم السلطة «باعتبارها واقع حال» وتجاوز نتائج الانتخابات التي ضربت المحاصصة في العمق من خلال فوز «العراقية» في الانتخابات. الهاشمي ابرز القياديين في ائتلاف «العراقية» الفائز في المرتبة الأولى في الانتخابات أكد في حوار موسع مع «الحياة» ان «لا سند قانونياً او دستورياً لتحالف الائتلافين الشيعيين، ولن يؤثر في حقنا في تشكيل الحكومة»، وأشار الى ان هذا الأمر لم تتحفظ عليه المرجعية الدينية، وقال ان «في حال الإصرار على انتزاع هذا الحق لن نذهب الى المعارضة ونستسلم، بل لدينا خيارات سياسية ودستورية سنلجأ إليها في الوقت المناسب»، فطالب الأطراف الأخرى بتوضيح وجهة نظرها، وهل ان اعتراضها هو على منصب أم على شخص الدكتور علاوي أم أن «العراقية» ككيان سياسي وقائمة انتخابية فائزة هي المرفوضة. هنا نص الحوار: الجلسة الأولى للبرلمان الجديد تركت مفتوحة، ماذا بعد؟ - الجلسة لم تعقد استجابة لرغبة النخب السياسية ولكن للإلزام الدستوري وفق نص المادة (54)، وتركت مفتوحة، وهو أمر سلبي سيؤدي إلى إضاعة المزيد من الوقت الثمين في الجدال حول تقاسم المناصب الرئيسة، وبالطبع كان من المفترض انتخاب رئاسة مجلس النواب في الجلسة الأولى، وهو ما نص عليه الدستور في المادة (55). لكن الجلسة لم تدم اكثر من 15 دقيقة على رغم تعقد المشهد السياسي، كيف تعلقون على ذلك؟ - هذا صحيح، لأن جدول أعمال الجلسة تم الاتفاق على تفاصيله مسبقاً بين الكتل النيابية، ومع هذا كان من المفترض ألا يعقد الأخوة في ائتلاف «دولة القانون» مؤتمرهم الصحافي بعد تعليق الجلسة الأولى، لأن الاتفاق كان يقضي بعدم إثارة المسائل الخلافية بهدف توجيه رسالة اطمئنان وتفاؤل الى الشعب العراقي، ولكن عقد نواب «دولة القانون» مؤتمرهم دفع نواب كتلة «العراقية» الى عقد مؤتمر صحافي أيضاً ليطلع الرأي العام على وجهة نظر «العراقية». وماذا عن غياب الرئيس جلال طالباني عن الجلسة؟ - في الواقع كانت مفاجأة لي بعدما تم الاتفاق في ساعة متأخرة من الليلة السابقة لعقد المجلس على تحقيق رغبته بإلقاء كلمة في الجلسة الأولى، لا يتطرق فيها إلى الجدال السياسي حول تفسير «الكتلة النيابية الأكثر عدداً»، وقد رحبت كتلة «العراقية» بذلك، لكن لا أعلم سبب إلغاء الكلمة، ربما لظروف خاصة. هل ضاعت فرصة «العراقية» لتشكيل الحكومة بعد اندماج الائتلافين الشيعيين؟ - هي ليست فرصة وإنما حق دستوري وانتخابي، وما زال هذا الحق باقياً حتى لو حصل الاندماج الذي لم يتحقق بصورة فعلية، وحتى لو تحقق فسيبقى بحاجة إلى سند دستوري، وهذا السند غير موجود، كما لا توجد جهة قضائية تملك حق اعتماد هذا الاندماج أو إضفاء الشرعية عليه. نحن ندرك تماماً أن الأخوة في الائتلافين لا يملكون أي سند دستوري أو قانوني يثبت أن «الكتلة النيابية الأكثر عدداً» التي أناط الدستور بها تشكيل الحكومة تحت قبة البرلمان ليلغوا بذلك استحقاق الكتلة الانتخابية الفائزة. نفهم من ذلك أن «العراقية» ما زالت متمسكة بتشكيل الحكومة؟ - بكل تأكيد، فهذا حق للناخب العراقي الذي صوت ل «العراقية» ومنحها الصدارة في الانتخابات، وهو حق غير قابل للتنازل وفاءً لأصوات العراقيين. إذاً، نحن أمام أزمة سياسية حقيقية مرشحة ان تمتد زمناً طويلاً؟ - هذا سيحدث في حال واحدة، عبر استمرار الكتل السياسية في اعتناق عقلية الضحية والجلاد. يعتقد بعض شركائنا في العملية السياسية أن «العراقية» ظالمة بفوزها ونيلها ثقة الناخب العراقي، وأنهم ضحية يتعرضون لظلم غير مسبوق! أما بالنسبة الينا في «العراقية»، فإننا متحررون من هذه العقلية، ومهما مورست ضدنا محاولات سلب استحقاقنا الدستوري والانتخابي بالحرب النفسية أو الدعاية المضادة، فلن نركن إلى فكرة الضحية والجلاد، ولن نعامل الشركاء كجلادين بل سنبقى أمناء على مبدأ الشراكة، ولن ندخر وسعاً في البحث عن مقاربة سياسية دستورية وواقعية تثبت حق «العراقية» في تشكيل الحكومة وتضمن استحقاقات الجميع. وهل ما زلتم مصرّين على ترشيح إياد علاوي لرئاسة الوزارة أم أن الموضوع قابل للنقاش؟ - مرشحنا هو علاوي، ونحن متمسكون بذلك، لا سيما أن الكتل المعترضة لم تقدم حتى الآن مبررات دستورية مقبولة تستدعي ترشيح بديل منه. كما ان علاوي قال ان «العراقية» تضم قيادات أخرى جديرة بمناصب سيادية من بينها رئاسة مجلس الوزراء، وعلى رغم ان موقف الرفض من جانب الأخوة في الكتل السياسية الأخرى، غير مبرر، فإننا نطالبهم بتوضيح وجهة نظرهم، هل الاعتراض هو على منصب أم على شخص الدكتور علاوي أم أن «العراقية» ككيان سياسي وقائمة انتخابية فائزة هي المرفوضة؟ هناك سيناريو تتداوله في الأوساط السياسية يعتبره البعض واقعياً يطرح تقسيم الرئاسات الثلاث بين الائتلافات، بحيث يكون رئيس الوزراء مرشحاً من الائتلافين ورئاسة الجمهورية من الأكراد ورئاسة مجلس النواب «العراقية»، كيف تنظرون الى هذا الحل؟ - هناك نقطة مهمة أود الإشارة إليها وهي ان المناصب الرئاسية الآن أصبحت خمسة وليست ثلاثة، إذ تُضاف الى ما ورد في سؤالكم رئاسة مجلس الاتحاد وهو بمثابة مجلس شيوخ أو أعيان، ولا يقل أهمية عن رئاسة البرلمان، وسيتم تشكيله الآن بموجب المادة (48)، والمنصب الآخر هو منصب رئاسة مجلس القضاء الأعلى، لا سيما أن مشروع قانون مجلس القضاء المقدم الى البرلمان السابق يقترح أن يكون رئيس مجلس القضاء بدرجة «رئيس وزراء»، فكيف يستثنى هذا المنصب الرفيع من المفاوضات؟ أما «الواقعية» التي وردت في سؤالكم، فهي عبارة مخففة لنظرية «المحاصصة الطائفية» المرفوضة من جانبنا على رغم وجود مساعٍ لفرضها مرة أخرى على المشهد السياسي تحت ذريعة أنها واقع الحال الذي ينبغي القبول به. فمن المهم أن ينتبه الجميع إلى أن العراق خرج من نفق المحاصصة ودخل عصر المشروع الوطني الذي يعد قارب النجاة للعراقيين جميعاً بعد نتائج الانتخابات الأخيرة. ألا تعتقدون أن طرح موضوع مجلس القضاء الأعلى في تشكيل الحكومة هو عملية تسييس للقضاء؟ - إن طرح موضوع اختيار رئاسة مجلس القضاء الأعلى لا يطعن باستقلالية القضاء العراقي التي نص عليها الدستور في المادة (88) وجاء فيها: «القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون»، بل إن هذا المقترح يعزز هذه الاستقلالية لأن رئيس مجلس القضاء سيأتي إلى موقعه ضمن عملية الترشيح والاختيار التي ستأتي برئيس الحكومة أو برئيس الجمهورية وبالتالي سيتمتع بقوة معنوية واعتبارية وزخم وطني يعزز استقلالية السلطة القضائية بالتوازي مع السلطات الأخرى. حذرتم في مقابلة مع «الحياة» قبل الانتخابات من محاولات قيام الحزب الحاكم بالانقلاب على السلطة ورفضه التداول السلمي... كيف ترون هذا الوضع الآن؟ - الشعب العراقي أُصيب بصدمة والمجتمع الدولي مندهش لتجاهل الدستور وعدم مراعاة مبدأ مهم من مبادئ الديموقراطية، وأعني به «التداول السلمي للسلطة»، وهي ظاهرة مؤسفة وغير مقبولة. يتحدث البعض عن مخالفة دستورية في عمل الحكومة وأنها تعمل من دون رقابة برلمانية؟ - من واجب البرلمان الجديد ممارسة دوره الرقابي بأثر رجعي وتدقيق قرارات الحكومة للفترة الممتدة من يوم الانتخابات (7 آذار) إلى يوم منح الثقة لمجلس الوزراء الجديد. هذه المقاربة لا تستهدف شخصية سياسية محددة وإنما هي دعوة لتأسيس تقليد نيابي عراقي يتعلق بممارسة البرلمان ولايته التي نص عليها الدستور، كان من الضروري أن تتحول السلطة التنفيذية بمجلسَيها (مجلس رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء) إلى حالة «تصريف أعمال». إذا وجدتم الأبواب مغلقة أمامكم لتشكيل الحكومة، ما هو الخيار الذي ستتجهون إليه؟ هل انتم مستعدون للذهاب الى المعارضة؟ - أتمنى ألا يحصل ذلك. وأدعو جميع الكتل السياسية إلى التحلي بالواقعية وبعد النظر. أما إذا حصل الالتفاف على استحقاق «العراقية»، فلدينا الكثير من الخيارات الدستورية والسياسية لمعالجة الموقف. أما خيار الاستسلام والذهاب الى المعارضة فهو خيار مُستبعد لأسباب عدة منها أن الديموقراطية في العراق لم تبلغ درجة النضج اللازم لتقديم صورة مدنية حضارية عن العلاقة بين الحكومة والمعارضة. كما أن ذهابنا الى المعارضة ستكون له انعكاسات سلبية على التماسك الاجتماعي، إذ سيشعر ناخبو كتل المعارضة بالتهميش، كما أننا لا نضمن أن التزام المعارضة بممارسة دورها الإيجابي سيقابل بممارسات دستورية ممن هو في السلطة. يبدو من خلال تبادل الزيارات والحوارات أن هناك تقارباً بين «العراقية» و «الائتلاف الوطني» تحديداً السيد عمار الحكيم و «المجلس الأعلى»، هل يمكن أن يرقى هذا التقارب إلى مستوى التحالف؟ - العلاقات طيبة، هذا صحيح. لكنها بالتأكيد لم ترق بعد إلى مستوى التحالف. فمقاربة الأخوة في المجلس الأعلى الإسلامي العراقي محكومة بشروط المعادلة الصعبة داخل الائتلاف الوطني العراقي، وبالتالي لا تتوافر لديهم الحرية الكافية للمناورة. وكما هو معلوم في الساحة العراقية، فإن ظاهرة التنوع داخل الائتلاف الواحد ربما تنعكس سلباً على علاقات ذلك الائتلاف مع الائتلافات أو الكتل الأخرى. منصب رئاسة الجمهورية هل حسمت المعركة حوله لمصلحة الرئيس جلال طالباني؟ - لم تكن معركة وإنما تباين طبيعي في وجهات النظر. ومن المفترض في إطار الديموقراطية أن نقبل الرأي والرأي الآخر، كتلة «العراقية» لديها مرشحوها للمناصب الرئاسية المختلفة التي يتم الحوار حولها، وأنا واحد من هؤلاء المرشحين. أما تسمية أي مرشح لأي منصب فستجرى بالتوافق الوطني. وهناك تصورات شتى لمستقبل المشهد السياسي الراهن وما سيتمخض عنه على مستوى المناصب أو التوافقات أو التحالفات، بالنسبة اليّ ما زلت أؤمن بأن تكريس محاصصة عام 2006 هو أمر عصي على التطبيق اليوم. فالمحاصصة نموذج لم ولن يخدم العراق. الجدال العراقي يتسع مع تصاعد الاستعدادات للانسحاب الأميركي المعلن بسحب 50 ألف جندي خلال آب (أغسطس) المقبل؟ - جدولة الانسحاب التي تم الاتفاق عليها ملزمة، والجانب العراقي يراقب تنفيذها بدقة. حتى الآن يبدو أن الولاياتالمتحدة حريصة على الالتزام بالتنفيذ. ونحن نرحب بذلك. ما تقويمكم لموقف الولاياتالمتحدة الأميركية من أزمة تشكيل الحكومة؟ لا سيما أن «العراقية» لوّحت باللجوء إلى المجتمع الدولي؟ - كتلة «العراقية» تجتهد لأن يكون القرار عراقياً خالصاً، وتعمل من أجل ذلك، فلا حق لأحد غير العراقيين في رسم مستقبل العراق. وهذا المبدأ يشمل المجتمعين الإقليمي والدولي. أما بعثة الأممالمتحدة في بغداد (يونامي) فوضعها مختلف لأن مكتبها يملك تفويضاً دولياً في إطار رزمة من قرارات أممية صدرت بموجب الفصل السادس - وليس السابع - يمنح بموجبها مكتب الأمين العام في بغداد صلاحية تقديم مساعدة ومشورة سياسية وفنية متى طلب منه ذلك، و «العراقية» لا تستهدف تدويل الأزمة السياسية العراقية ولا تسعى الى ذلك، وتتمنى تشكيل الحكومة في إطار عراقي خالص. زرتم مرجعية النجف اخيراً. ما هي نتائج هذه الزيارة؟ - حصلنا على تأكيد بأن المراجع المعتبرة لا تتحفظ على ممارسة «العراقية» حقها الدستوري والانتخابي في تشكيل الحكومة. وموقف المرجعية يرى ضرورة الإسراع بحسم الجدل الدائر حول «الكتلة النيابية الأكثر عدداً» وهو موقف يتطابق مع موقفنا. بالإضافة إلى حرص المراجع على أن يكون القرار السياسي عراقياً خالصاً وهذا ينسجم أيضاً مع سياسة «العراقية». لم تكن طلباتنا كثيرة، ولم نكن نتوقع الحصول على أكثر مما حصلنا عليه، وهو مهم ومفيد. إذا استمر الاختناق السياسي سيد الموقف في العراق؟ هل تعتقد ان المشهد يتجه الى انقلابات جديدة؟ - ربما تلمح إلى «انقلاب عسكري»، وهو احتمال مستبعد. من مصلحة المجتمع العراقي أن تحتكر الدولة «وليس الحكومة» القوة وأن يحصر السلاح بيدها. أما في الوضع الحالي، فإن الحكومة هي التي تحتكر القرار الأمني والعسكري، وهذا هو أحد الأسباب التي تغري الممسكين بالسلطة للخروج على الشرعية وتجاهل مبدأ التداول السلمي للسلطة. وإذا تواصلت الأزمة السياسية وأغلقت الأبواب أمام حل توافقي مناسب، فهل ستطالبون بحكومة إنقاذ وطني؟ - آمل أن ينتهي الجدال الدائر وأن تبدأ على وجه السرعة مفاوضات جادة مسؤولة لتشكيل الحكومة. لا نتطلع إلى أي خيار آخر مخالف للقانون والدستور، ولا نشجع عليه ولا ندفع باتجاهه. ورسالتي أن تضع الائتلافات في مفاوضاتها مصلحة الوطن أولاً وتحتكم في قراراتها إلى الشرعية الدستورية والاستحقاق الانتخابي لأن اختيار غير هذا السبيل سيعقّد الوضع المعقد أصلاً. سبق أن وجّهتم انتقادات لاذعة لإدارة الملف الأمني، كيف تفسرون ذلك، لا سيما بعد الهجوم الأخير على البنك المركزي في وضح النهار؟ - استهداف صرح مالي كبير مثل البنك المركزي العراقي هو من جهة يؤشر الى حرب اقتصادية يتعرض لها العراق تستهدف تدمير الاقتصاد وتقويض حالة الجذب الاستثماري التي ربما أفرزها التحسن النسبي في الوضع الأمني، فعلى سبيل المثال شهدت أسعار الأسهم في سوق العراق للأوراق المالية انخفاضاً على مدى الأيام القليلة التي تلت الهجوم على البنك. ومن جهة ثانية، يؤشر الهجوم على مؤسسات تحمل رمزية سيادية مثل البنك المركزي خرقاً صارخاً في الملف الأمني يستدعي عدم السكوت وعلى الجهات المعنية أن تقدم تفسيراً مقنعاً لما حصل، فلا يكفي تشكيل لجنة تحقيق، وتقديم صغار الضباط والمراتب للمحاكمة ثم يغلق الملف بعد ذلك من دون إيجاد حل جذري لمثل هذه الخروقات.