لا تتردد أسر كثيرة في إنفاق مبالغ ضخمة لتدريس أبنائها وبناتها في الجامعات ما يسمح لهم بتولي وظائف جيدة في مجالات العمل المختلفة. لكن هذه الوظائف، وفق نظرة كثيرين من أولياء الأمور، تعني الجلوس على كرسي مريح أمام شاشة كومبيوتر في مكتب بشركة ما، بعيداً من العمل اليدوي المضني الذي يتطلب جهداً بدنياً لساعات طويلة وغالباً في الهواء الطلق. وعلى رغم أن أكثر الوظائف دخلاً هي تلك التي تتضمن عملاً مكتبياً، إلا أن دراسة طبية جديدة أظهرت أنها أيضاً أكثر ضرراً بالصحة من تلك التي تتضمن عملاً يدوياً، فإطالة الجلوس وراء المكاتب، كما بيّنت الدراسة، تُسبب «تصلّب» الشرايين نتيجة تكوّن الكالسيوم فيها، ما يزيد مخاطر الإصابة بالنوبات القلبية، إضافة إلى أعراض السمنة. وأوردت وكالة «رويترز» أن «مركز ساوث وسترن الطبي» التابع لجامعة تكساس في ولاية دالاس الأميركية، أجرى دراسة شارك فيها متطوعون في منتصف العمر، وخلص إلى أن كل ساعة إضافية يمضيها الفرد جالساً ترتبط بزيادة بنسبة 12 في المئة في تكوين الكالسيوم بالشرايين التاجية، وهي إحدى العلامات المبكرة لمرض القلب التاجي. وقالت جوليا كوزليتينا التي شاركت في إعداد الدراسة: «هذه واحدة من دراسات تساعد في كشف كيفية ارتباط فترات الجلوس بخطر الإصابة بأمراض القلب وذلك من خلال تقويم هذه العلامة المبكرة لتصلب شرايين القلب». وحلل الباحثون بيانات أكثر من ألفي مشارك في الدراسة لديهم قياسات للنشاط البدني باستخدام أجهزة تتبع للحركة وفحص مستويات الكالسيوم في الشرايين التاجية. وكان متوسط أعمار المشاركين 50 عاماً وحوالى نصفهم من السود. وكان المتطوعون يمضون ما بين ساعة و11 ساعة في اليوم جالسين، وكانوا إما لا يمارسون أي نشاط بدني على الإطلاق أو يمضون ما يصل إلى 200 دقيقة في اليوم في نشاط بدني معتدل إلى قوي بواقع 29 دقيقة في المتوسط. وقال كيبين كي من «كلية ألبرت آينشتاين» للطب في نيويورك الذي لم يشارك في الدراسة: «أهم اكتشاف أن فترات الجلوس مرتبطة بتكوين الكالسيوم في الشرايين التاجية». و «إضافة إلى التدريب في صالات الألعاب الرياضية والسير خلال استراحات الغداء، فإن أخذ فواصل خلال فترات الجلوس قد يفيد أيضاً. هذا يعني أن مغادرة مكتبك والحركة بين الحين والحين (لإعداد فنجان شاي مثلاً) قد يكون مفيداً». وأيّدت الباحثة كوزليتينا موقف كي، قائلة: «حاول أن تأخذ فاصلاً من دقيقة إلى خمس دقائق كل ساعة، قف، استخدم السلم بدل المصعد وهلم جراً... كل هذا يساعد إلى حد ما». وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها التحذير من المخاطر الناجمة عن الجلوس طويلاً للعمل المكتبي. وقال الدكتور جيمس ليفاين المدير في «مبادرة حلول السمنة» في جامعة أريزونا والتابعة ل «عيادة مايو» (مايو كلينيك) لموقع طبي أميركي: «الجلوس أكثر خطراً من التدخين، ويقتل من الناس أكثر من مرض نقص المناعة المكتسبة (أتش آي في)، كما أنه أكثر خطورة من الهبوط بمظلة. إننا نجلس على أنفسنا حتى الموت». ومعروف أن الجلوس لفترات طويلة يعني أن عضلات الجسم لا تحرق كميات كافية من الدهون التي تتكدس في الدم وتؤدي إلى جلطات قلبية، كما أنه (الجلوس) يساهم في ارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة الكولسترول، ويؤدي إلى آلام في الظهر والرقبة. ربما الآن سيراجع الأهل مخططاتهم ويرون «فوائد» العمل اليدوي على المكتبي!