انطوت قراءة محمد سيد رصاص لمشهد المعارضة السورية (استقطابات المعارضة السورية في زمن الأزمة - «الحياة» في 13/4/2016) على تقديرات واستنتاجات مفصولة عن الواقع ومحكومة بذهنية نمطية راسخة. انطلق سيد رصاص في قراءته للخلاف الذي برز بين إعلان دمشق التغيير الوطني الديموقراطي والتجمع الوطني الديموقراطي، خلال محاولة تشكيل هيئة تنسيق للعمل المعارض من نقطة متأخرة: مفاوضات حول وثيقة «نحو ائتلاف عام للتغيير الوطني الديموقراطي»(9/5/2011)، زاعماً أنها(المفاوضات) شملت جميع أطياف المعارضة بالداخل والخارج، أحزاباً وتجمعات ومستقلين، استمرت شهراً ونصف شهر، للوصول من خلال ذلك إلى «تجمع شامل للمعارضة أو هيئة تنسيق بين الجميع» (لم يشارك أحد من الخارج في المفاوضات)، قافزاً على وقائع سبقتها، قبل أن يصدر حكماً غير صحيح: انقسام (1/12/2007)، يقصد «انقسام» إعلان دمشق، عاد يرخي بثقله مع تأسيس «الهيئة» في 25/6/2011 وعبر الاصطفاف نفسه ولكن تحت عناوين جديدة: موقف «تغيير» النظام - «الهيئة» وموقف «إسقاط» النظام - «الإعلان». الأول يتكون من العناصر التالية: 1- الحوار مع السلطة إن تم تأمين بيئة مناسبة للحوار. 2– انتقال السلطة عبر اتفاق للتسوية بين النظام والمعارضة لإقامة سلطة انتقالية من أجل قيادة التغيير نحو وضع ديموقراطي يتجاوز الأوضاع القائمة. والثاني يرفض هذين العنصرين ويدعو لإسقاط النظام. نذكّر بأن «الهيئة» في مؤتمرها الأول في حلبون 15/9/2011 قالت بإسقاط النظام، لكن بصيغة ملتبسة «إسقاط النظام الأمني الاستبدادي الفاسد». الواقع أن مفاوضات أجريت بين إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي (مثله رياض الترك) والتجمع الوطني الديموقراطي (مثّله حسن عبدالعظيم) للاتفاق على مبدأ تشكيل «الهيئة» وأنهما اتفقا مبدئياً على اجتماع للتباحث حول الوثيقة السياسية يحضره خمسة ممثلين عن «الإعلان» ومثلهم عن «التجمع» وخمسة مستقلين هم: حسين العودات، ميشيل كيلو، فايز سارة، عارف دليلة، وحبيب عيسى. وفي اليوم الموعود، فوجئ ممثلو «الإعلان» بعدد الحضور، أكثر من خمسين شخصاً، ونوعياتهم، فقد دعا حسن عبدالعظيم عشرات للمشاركة من دون الاتفاق مع «الإعلان»، فاتصل مندوب «الإعلان» بالأمانة العامة وأبلغها بالوضع الجديد فأرسلت رسالة مع عضوها سليمان الشمر الى الاجتماع الذي كان منعقداً في بيت طارق أبو الحُسن في 25/6/2011، توضح موقفها من دعوة مكونات وشخصيات مستقلة خارج الاتفاق، كما ضمنتها محدداتها لعقد أي تحالف سياسي في ضوء انطلاق الثورة السورية، وهي: الانحياز للثورة، العمل على توحيد القوى المنحازة للثورة، رفض الحوار مع النظام. ودعت للعودة إلى الاتفاق الأصلي غير أن حسن عبدالعظيم والمدعوين الجدد رفضوا مضمون الرسالة وأكملوا تشكيل «الهيئة». كل هذا حصل قبل وضع الوثيقة التي أشار إليها سيد رصاص وربط الخلاف بها بأشهر. لم يكن هذا التجاهل للواقع وحيداً، فقد ادعى أن انقسام «الإعلان» في 1/12/2007، بين معسكرين: مراهنون على الخارج لإحداث تغيير داخلي (الإسلاميون والليبراليون واليمين الكردي) وخط وطني ديموقراطي تمت تسميته بين 2008 و2010 ب (الخط الثالث) والذي ضم (الناصريين والماركسيين واليسار الكردي)، تمييزاً له عن خطّي السلطة ومن بقي في (إعلان دمشق). («بقي» هنا توحي بأنهم أقلية لكنهم كانوا أكثرية القوى المشاركة). الواقع أنه ليس «انقساماً» بقدر ما هو فشل جهات انسحبت من الإعلان على خلفية خسارتها في انتخابات الأمانة العامة، فالتحضير لعقد المجلس الوطني للإعلان استمر أكثر من سبعة أشهر تمت خلالها صياغة تقارير عن أداء «الإعلان» من لحظة تأسيسه إلى تاريخه والبيان الختامي الذي سيصدر عن المؤتمر ويحدد خطه السياسي، وقد استغرق الاتفاق على البيان الختامي عشرات الساعات داخل مكتب الأمانة العامة، الذي يشارك في عضويته حسن عبدالعظيم وعبدالمجيد منجونة عن حزب الاتحاد الاشتراكي، وفاتح جاموس عن حزب العمل الشيوعي(الحزبان اللذان انسحبا من «الإعلان» بعد صدور نتائج انتخابات الأمانة العامة)، كان آخرها اجتماع في بيت حسن عبدالعظيم في ركن الدين. وهنا لابد أن نورد بعض وقائع تلك الساعات العصيبة التي مر بها المؤتمر نتيجة لمماحكات اللحظة الأخيرة التي حاول بها الأستاذ حسن عبدالعظيم حسم نتائج المؤتمر قبل عقده، والتي كادت تفجره، فقد فاجأ الجميع قبل بدء الجلسة بدقائق بالمطالبة برئاسة الأمانة أو الناطق الرسمي باسم «الإعلان»، كان تكتيكه في المطالبة طريفاً. بدأ بالمطالبة بحصر رئاسة الأمانة بالأحزاب دون المستقلين، قبل أن يطالب، بعد رفض طلبه ذاك، بأن يكون هو شخصياً ناطقاً رسمياً باسم «الإعلان»، قياساً على الوضع في التجمع الوطني الديموقراطي الذي هو الناطق الرسمي باسمه، وهدد مرات بالانسحاب، خرج فعلياً من القاعة قبل أن يعود اليها تحت ضغط بعض المؤتمرين، وطلب تشكيل قيادة جماعية تحت مسمى «هيئة رئاسة» بدلاً من رئيس للأمانة وقُبل طلبه ونُفذ على رغم انسحابه من «الإعلان» في أول اجتماع للأمانة العامة المنتخبة. وكان تجاهله الثالث للواقع في قوله: «في الأسبوع الأول من أيلول مع محادثات مدينة الدوحة بين «هيئة التنسيق» و «إعلان دمشق» و «الإخوان المسلمين»، كان موضوعا «التدخل الخارجي» و «العنف» سبباً في فشل المحادثات، ومن ثم اتجاه «الإخوان» و «الإعلان» إلى تشكيل «المجلس الوطني» في اسطنبول في 2/10/2011». إذ المعروف أن اجتماعات لتشكيل المجلس الوطني السوري سبقت اجتماع الدوحة (5- 8/9/2011) من جانب شخصيات إسلامية وليبرالية تعيش في معظمها خارج سورية، وقد دُعيت الى اجتماع الدوحة وحصلت خلافات بينها وبين ممثلي «الهيئة» قبل اختتام الحوار قادت الى انسحابها منه وعودتها الى اسطنبول لإكمال خطتها لتشكيل المجلس وأعلنت عنه في 15/9/2011 من دون مشاركة «الإعلان» أو حركة «الإخوان المسلمين»، ولما لم يلق استقبالاً حسناً دُعي الى مؤتمر تأسيسي ثان حضره «الإعلان» و «الإخوان» وأعلن عنه يوم 2/10/2011. تابع «الإعلان» الحوار مع «الهيئة» وصيغ بيان لتشكيل ائتلاف معارض حددت خطوطه العريضة على أن يوقع البيان ويعلن في دمشق بعد عودة ممثلي «الإعلان» و «الهيئة» الى أطرهم التنظيمية، لكن «الهيئة» أرسلت فور عودة ممثليها في الحوار رسالة لعزمي بشارة، الذي رعى الحوار، تطلب إضافة ثلاثة مبادئ الى البيان المشترك: لا للعنف، لا للطائفية، لا للتدخل الخارجي، فاقترح بشارة إضافة الأول والثاني وترك ورقة التدخل الخارجي، للمساومة مع النظام. وافق «الإعلان» وأصرت «الهيئة» على إضافة الثلاثة. رفض «الإعلان»، فانتهت المحاولة إلى الفشل. هذا على صعيد تجاهل الواقع، وأما على صعيد الافتئات على التاريخ، فزعمه أن خلفية «الانقسام» هي «مراهنة» طرف على الخارج وتمسك طرف ب «خط وطني ديموقراطي». نحن هنا أمام افتئات مركب، لأن البيان الختامي الذي صدر ليس فيه ما يشير أو يوحي بمراهنة على الخارج، والطرفان اللذان انسحبا من «الإعلان» بعد انتهاء المؤتمر شاركا في صياغته ولم يطرحا مثل هذا النقد لا خلال مرحلة صياغة البيان ولا بعد انسحابهما. أشارا الى سيطرة الليبراليين على «الإعلان»، ثم ان الأكراد لم ينسحبوا من الإعلان في هذا التوقيت، جاء انسحابهم بعد تشكيل المجلس الوطني الكردي في العام 2012، أي بعد انطلاق الثورة السورية (سماها سيد رصاص «أزمة») بعام أو أكثر، الذي وضع شروطاً لبقائه في «الإعلان» والتعاون مع المعارضة (الاعتراف بالأكراد دستورياً كقومية ثانية. القبول بالفيديرالية) وقد فاوض «الإعلان» و «الهيئة « ولم يقبل «الإعلان» بذلك فانسحبت الأحزاب الكردية منه، ولم تقبل «الهيئة» فلم يدخلها إلا اربعة أحزاب كردية من أصل سبعة عشر حزباً. وثاني الافتئاتات زعمه مراهنة دعاة إسقاط النظام على الخارج قال: «عاد «الإسقاطيون» إلى نزعتهم القديمة في المراهنة على الاستعانة بالخارج»، قول ليس له أساس في وثائق المعارضة، بما في ذلك وثائق المجلس الوطني السوري الذي اتُهم بتبنيه لهذه الدعوة مع انه رفض التدخل الخارجي في بيانه التأسيسي، صحيح، انه، بعد أن أوغل النظام في قمعه للمدنيين بقصفهم بكل صنوف الأسلحة بما في ذلك مدافع الهاون والدبابات والطائرات والصواريخ البالستية (السكود) والقنابل الفراغية والعنقودية، حصلت مطالبة بحماية المدنيين وفرض حظر طيران لتحقيق ذلك، لكن هذا لا يعني تدخلاً عسكرياً بالضرورة. غير أن أخطر ما في عرضه المكثف لتحولات وتطورات مواقف المعارضة اعتماده منطقاً مجرداً آيته عزل ما يجرى داخل المعارضة، من تطورات وتحولات عما يجرى على ساحة الصراع محلياً (استخدام النظام القوة المفرطة ضد التظاهرات السلمية منذ اللحظة الأولى، رفضه مبدأ التغيير، وضح ذلك من أول خطاب لرئيسه ومن اللقاءات التي تمت بين شخصيات معارضة ومسؤولين فيه من بثينة شعبان الى فاروق الشرع. وموقفه من نتائج المؤتمر التشاوري الذي عقده في فندق صحارى والذي تم تحت رعاية نائب رئيسه فاروق الشرع، وكذلك رفضه المصالحات التي أجريت في غير مكان لأنها مرتبطة بما يعتبره تنازلات، مثل مصالحة دوما التي فاوض من أجلها العميد مناف طلاس، وصولاً الى مؤتمر جنيف الحالي والذي استبق نائب وزير الخارجية فيصل مقداد جلسته الثالثة بدعوته المعارضة الى التخلي عن أحلام المشاركة في حكومة انتقالية، ووصفه الانتقال السياسي ب «الانقلاب»)، واقليمياً (تدخل ايران والسعودية وتركيا وقطر في الصراع من طريق دعم طرفيه وتحويله الى حرب بالوكالة) ودولياً (تدخل روسيا وأميركا من خلال الدعم السياسي والمالي والعسكري قبل تدخل روسيا عسكرياً في شكل مباشر لإنقاذ النظام من هزيمة باتت محققة)، وكأن المعارضة تتحرك خارج التوازنات السياسية والعسكرية وبمعزل عن التحالفات والصراعات. * كاتب سوري