أنهى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند زيارته القصيرة ولكن المكثفة للبنان، بتخصيص ساعاتها الأخيرة للاجئين السوريين والمعنيين الدوليين بأوضاعهم والمجتمعات الحاضنة لهم في لبنان. وحرص الرئيس الفرنسي على تأكيد أن زيارته هي «في إطار التعبير عن المساندة والتضامن مع لبنان ومع اللاجئين والمنظمات الإنسانية»، مجدداً القول إن «من المهم للبنان والمنطقة أن يُنتخب رئيس للجمهورية». لقاء المرجعيات الدينية واستهل هولاند اليوم الثاني من الزيارة الرمزية في مقر إقامته في قصر الصنوبر، باستقبال البطريرك الماروني بشارة الراعي، ثم رؤساء المرجعيات الروحية في لبنان. وحضر مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان وشيخ عقل الدروز نعيم حسن وبطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام ومطران بيروت للروم الأرثوذكس الياس عودة ممثلاً بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأورثوذكس يوحنا اليازجي، ومثّل نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، ابنه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان. والتقطت للجميع صورة تذكارية على درج القصر الفرنسي. ووضع هولاند إكليلاً من الزهر برفقة مقبل ووزير الدفاع الفرنسي جان- إيف لودريان على اللوحة التذكارية للجنود الفرنسيين الذين سقطوا في لبنان والموجودة في باحة القصر، في حضور عسكريين وضباط من الوحدة الفرنسية العاملة في إطار القوات الدولية في جنوبلبنان. والتقى هولاند عدداً من رجال الفكر والثقافة والفريق الذي أطلق مشروع «وثيقة المتوسط للعيش المشترك». مخيم الدلهمية وانتقل هولاند ظهراً إلى قاعدة رياق العسكرية في البقاع بواسطة مروحية للجيش، ترافقه ممثلة البعثة الدولية للصليب الأحمر في لبنان ميراي جيرار، ومنها توجه إلى مخيم الدلهمية، يرافقه نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني وزير الدفاع سمير مقبل. وجال في المخيم الذي يحمل الرقم 61 والمعروف باسم «مخيم الشاويش أبو حسين دروبي». ويضم هذا المخيم 113 خيمة تحتضن عائلات لجأت إلى لبنان منذ بدايات الأزمة السورية. والتقى في خيمة تابعة لمنظمة «يونيسيف» عدداً من الأطفال اللاجئين واطلع على أوضاعهم. والتقى هولاند اللاجئة سحر الحامد، وهي سيدة سورية من باب عمرو في حمص هرب زوجها عبر البحر إلى ألمانيا وحصل على لجوء ولهما طفلة وطفل يبلغ من العمر 9 أشهر لا يعرفه والده، إذ ولد في غيابه. وأملت في أن تحصل على لم الشمل معه. وطلب منها الرئيس الفرنسي تعلم اللغة الألمانية كونها ستنتقل عبر فرنسا إلى ألمانيا. وشهد المخيم إجراءات أمنية مشددة منع خلالها النازحون من الدخول أو الخروج من المخيم منذ ساعات الصباح الأولى. وكان اختير هذا المخيم لجولة هولاند نظراً إلى إمكان التنقل فيه من دون صعوبات وعوائق. وأعلن هولاند من المخيم عن «مساعدة فرنسية إضافية مخصصة للاجئين للمساهمة في تخفيف العبء عن لبنان». وقال: «من واجبنا ضمان الأمن للبنانيين، ولذلك أعلنت بالأمس عن مساعدة فرنسية للجيش، تعلمون أنه كان هناك اتفاق بين المملكة العربية السعودية وفرنسا من أجل مساعدة الجيش وتم إيقافه، لكن فرنسا ستستمر في المطالبة بأن يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ، وبالانتظار ستساهم فرنسا في مساعدات عسكرية». وتحدث عن «لقاء استثنائي مع كل ممثلي الأحزاب» مساء أول من أمس، وقال: «عبرت لهم عن أملي في أن يجد اللبنانيون الحل ويتمكنوا من انتخاب رئيس في أسرع وقت، ووضع قانون انتخابي يمكّنهم من الانتخاب، وقلت لهم إن لفرنسا مرشحاً واحداً هو لبنان الذي يجب أن يكون المستفيد الوحيد من الحل اللبناني، ويجب تلافي التدخلات الخارجية، ومن المهم للبنان والمنطقة أن ينتخب رئيس جمهورية، والميثاق الوطني يقضي بأن يكون الرئيس مسيحياً، ما هو مهم للشرق الأوسط». وأثنى على اللبنانيين «لاستضافتهم وتضامنهم مع اللاجئين الذين توافدوا بكثرة إلى لبنان، والمؤسسات الإنسانية»، وقال إن فرنسا «ستقدم 50 مليون يورو هذه السنة للاجئين». وأشار إلى أن «العائلات السورية ليس هدفها التوجه إلى أوروبا، ولا يهمها إلا الرجوع إلى بلدها في أسرع وقت، واللبنانيون لا يريدون توطينهم». وشدد على أن «مسؤولية فرنسا أن تعمل من أجل إيجاد حل للأزمة في سورية خلال فترة انتقالية سياسية، وهذا ما أقوم به منذ أربع سنوات». وانتقل هولاند إلى مركز مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين في زحلة وتناول الغداء مع ممثلي وكالات الأممالمتحدة والمنظمات الفرنسية غير الحكومية العاملة مع اللاجئين، ثم عاد إلى مطار رياق حيث التقى مدربين فرنسيين في الجيش الفرنسي وجنوداً لبنانيين. عشاء وقُبل وكان هولاند التقى القيادات السياسية اللبنانية على مأدبة عشاء أقيمت في قصر الصنوبر. وسبقت العشاء خلوات ثنائية مع الأقطاب استمرت كل منها نحو عشر دقائق. وشملت الخلوات: رئيس «اللقاء الديموقراطي» النيابي وليد جنبلاط، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وزير الخارجية جبران باسيل، زعيم «تيار المستقبل» الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري. وجلس هولاند إلى الطاولة الرئيسية في العشاء، متوسطاً رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة تمام سلام، كما جلس إلى الطاولة نفسها الرئيسان أمين الجميل وميشال سليمان، والحريري والرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي، ونورا جنبلاط، إلى جانب السفير الفرنسي إيمانويل بون ووزيري الثقافة والدفاع الفرنسيين والوزير مقبل. وتوزع السياسيون والأقطاب على طاولات متفرقة، وكان بين الحضور قائد الجيش العماد جان قهوجي. فجلس جنبلاط إلى طاولة إلى جانب الوزير السابق طارق متري وآخرين. وجلس نجله تيمور إلى طاولة أخرى. وجلس نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري إلى طاولة ثالثة. وجلس رئيس «تكتل التغير والإصلاح» النيابي ميشال عون إلى طاولة رابعة. وجلست النائب بهية الحريري إلى طاولة خامسة. وجلس باسيل إلى طاولة ضمت مستشار الرئيس الفرنسي للشؤون العربية بازيد سفاخ، فيما جلس رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية إلى جانب رئيس المستشارين في الإليزية جان أوديبير. واعتذر جعجع عن عدم المشاركة في العشاء وغادر بعد الخلوة مع هولاند. وكان عون قبل الدخول إلى قاعة العشاء واقفاً حين باغته من الخلف فرنجية وخاطبه قائلاً: «أنا الذي يريد أن يسلم عليك». وشده نحوه وقبّله. وكان هولاند جال على كل طاولة وعرّفه السفير بون إلى الحضور. واستمر العشاء من التاسعة قبل الظهر ولغاية الحادية عشرة ليلاً. وكان سليمان خلال مقابلته هولاند سلّمه نسخة عن الرسالة التي وجهها باسم «لقاء الجمهورية» إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، «لضمان العودة الآمنة والآنية للنازحين السوريين إلى بلادهم، وضمان التعويض على لبنان جراء الخسائر التي تكبدها، إضافة إلى المطالبة بترسيم الحدود ونشر المراقبين الدوليين، ورفض تقسيم سورية والتحذير من أخطاره على الشعب السوري وانعكاساته الخطرة على لبنان». ولم يلتق هولاند خلال زيارته أي شخصية من «حزب الله». وأكدت المصادر الفرنسية أن الدعوة هي للوزراء الذين لهم نظراء فرنسيون فقط. وعصراً زار وفد فرنسي باسم الرئيس هولاند، ضمّ السفير بون وعدد من الضبّاط وكبار الديبلوماسيين، ضريح الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري في قلب بيروت برفقة الرئيس سعد الحريري وعدد من قياديي «تيار المستقبل». ووضع الوفد إكليل زهر على الضريح، قبل أن يدوّن السفير بون كلمة في سجل الشرف باسم هولاند. واستقل هولاند الطائرة الرئاسية في قاعدة رياق الجوية وغادر إلى محطته الثانية في جولته الشرق أوسطية، وهي القاهرة. الراعي: ليستفد المسؤولون من زيارات الوفود الأجنبية