قبل سنة تقريباً، كان «مقهى رام الله»، في الشارع الرئيس للمدينة، يعرف من دون غيره كمقهى للمثقفين، بيد أن الأمور تتغير لتشمل هذه الصفة مقاهيَ شعبية وأخرى شبابية، خصصت زوايا لكتاب وأدباء وفنانين، أشهرها مقهى «الانشراح» في البلدة القديمة للمدينة. ل «مقهى رام الله» حكاية، فقبل 13 سنة قرر أبو إلياس (شوقي دحو) إنشاء المقهى، ولولعه بالقراءة والثقافة عموماً، قرر نقل مئات الكتب من مكتبته الخاصة إلى المقهى، ما شجع كثراً من أصدقائه والمتحمسين لفكرة المقهى على رفده بمزيد من الكتب، وهذا ما فعلته لاحقاً مؤسسات رسمية وأهلية فلسطينية. المتجول داخل المقهى الصغير المكوّن من طابقين، يلاحظ صوراً على جدرانه للشاعر الفلسطيني محمود درويش، وصاحب «المتشائل» إميل حبيبي، والأديب والشاعر حسين البرغوثي، والمسرحي يعقوب إسماعيل، الذين كانوا من رواد المقهى، وغيرهم من الراحلين. يستعيد أبو إلياس ذكرياته الأولى، ويقول: «حين أسست مقهى رام الله، كنت أفكر في أن يتحول إلى منتدى ثقافي، خصوصاً أنني قارئ نهم، على رغم أنني لم أكمل تعليمي الثانوي. لكن المقهى لم يتحول إلى منتدى، بل إلى عنوان لكثر من المثقفين والفنانين الفلسطينيين، حتى بات منزلاً حميماً يجمع الإخوة والأصدقاء... المقهى لا يهدف إلى الربح الكبير، بل الاستمرارية، وهذا ينعكس في تعاملنا مع رواده، حتى من المثقفين العرب والأجانب الذين يأتون في زيارات إلى فلسطين، ورام الله خصوصاً». أما «مقهى الانشراح»، فهو أقدم بكثير من مقهى رام الله، وجدّد ديكوره من دون المسّ بروح المكان، قبل سنة تقريباً، وزوّد شبكة إنترنت، وهو ما شجع كثراً على الانشقاق عن «رام الله» باتجاه «الانشراح» الأكثر رحابة، والأقل اكتظاظاً إلى حد ما، والأسهل عند الحديث عن مواقف السيارات، ومن هؤلاء القاصّ زياد خداش. واستطاع مثقفون كسر ذكورية المكانين، ففي «مقهى رام الله» كانت البداية حين اصطحب الشاعر مهيب البرغوثي شقيقته، في حين كانت البداية في «مقهى الانشراح» بزيارات لأجنبيات يرافقن أصدقاءهن الأجانب أو الفلسطينيين. ومع الوقت، كُسرت ذكورية المقهيين، وبات مألوفاً أن ترتاده فتيات، هن في غالبيتهن من المثقفات أو الكاتبات. وما يميز المقهيين الأسعار المقبولة قياساً بالمقاهي الأخرى في المدينة، والأجواء الحميمة والمريحة، إضافة إلى توافر خدمة الإنترنت، وحضور المباريات الرياضية لمن يرغب. وتدور في المقاهي التي بدأت تنتشر في رام الله، ليس كأمكنة لقاء فحسب بل كمواقع شعبية بأجواء نخبوية، نقاشات في أمور ثقافية، وسياسية، وإعلامية متعددة، في حين يرى فيها بعضهم مساحة للكتابة أو القراءة، أو تفريغ تقرير صحافي، على وقع الحياة اليومية في الشارع الرئيس للمدينة كما في «مقهى رام الله»، أو في إطار جو التاريخ في البلدة القديمة كما في «الانشراح».