صدمة العالم والأوساط الإعلامية العالمية أمام عملية القرصنة البحرية التي قامت بها القوات الإسرائيلية على السفينة التركية مرمرة التي كانت متجهة الى غزة مع إمدادات إنسانية غير مبررة. فالمجزرة التي نفذت ضد «أسطول الحرية» الذي أراد خرق حصار غزة ليست إلا منطق ونهج السياسة الإسرائيلية منذ عقود والعالم يُصدم ولا يفعل شيئاً. فمنذ جرائم قانا في لبنان ثم الحرب الإسرائيلية على لبنان في 2006، ثم حرب غزة سنة 2008 والتقارير الصادرة عن تحقيقات «غير منحازة» أو مستقلة مثل تقرير غولدستون وغيره. والعالم الغربي لا يجرؤ على مواجهة إسرائيل بإجراءات صارمة وعقوبات ملموسة. وبدلاً من ذلك يتسابق الجميع على القول إنه حريص على أمن وسلامة إسرائيل وإنه يريد دفع عملية السلام. إلا أن جميع أصدقاء إسرائيل في الغرب وفي طليعتهم الولاياتالمتحدة يتفادون مواجهة أمر واقع وحقيقي وهو أن الحكومة الإسرائيلية لا تريد السلام ولا تريد على حدودها دولة فلسطينية، وهي تغذي كل حركات التطرف والإرهاب في المنطقة من دون أي مراقبة أو عقاب. فلماذا الدهشة والصدمة ثم النسيان وعدم المحاسبة بل مكافأة إسرائيل بادخالها الى منظمات عريقة مثل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) وتهنئتها بأنها دولة متقدمة وحديثة وديموقراطية. فعلى رغم كل الصدمة والإدانة من أوساط إعلامية ومسؤولة في الغرب واستدعاء سفراء إسرائيل والبيانات الرسمية التي لا توافق على «استخدام القوة غير المتوازن» فقد أصبح ذلك بمثابة «المعتاد» لدولة إسرائيل التي تستمر في نهجها وهو دفع منطقة الشرق الأوسط الى أن تكون بؤراً لحركات التطرف والتشدد. والواضح أنه منذ أن بدأ الحديث عن المسار السلمي ومفاوضات السلام، كانت إسرائيل هي جبهة الرفض والغرب لا يعمل شيئاً للضغط عليها للقبول بقرارات أُقرت دولياً ومن قبل القوى الغربية بأسرها مثل الولاياتالمتحدة وأوروبا وغيرها من الدول الفاعلة في العالم. فمن الذي لم ينفذ خريطة الطريق؟ ومَن الذي رفض وقف الاستيطان؟ ومن الذي رفض رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني وعلى غزة؟ وأين العقاب لهذا الرفض؟ لا شيء والأنظمة العربية تهدد بالتوجه الى مجلس الأمن ولكن لا شيء! فماذا بعد؟ إن الحكومة الإسرائيلية الحالية والحكومات من قبلها لا تريد السلام. ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مدرك تماماً لذلك ولكنه مستمر في التفاوض ليظهر للعالم أن المشكلة ليست مع الفلسطينيين ولكن مع إسرائيل. فالدولة اليهودية لا تريد على حدودها دولة فلسطينية، وهي تفضل إبقاء الإسلاميين المتطرفين وكانت هذه سياستها عندما بدأت الضغط على مسيحيي القدس لتهجيرهم كي تبقى الدولة اليهودية منفردة مع عناصر مسلمة متطرفة، وكان أول من تنبه الى ذلك هو فيصل الحسيني القيادي الفلسطيني الذي زار فرنسا قبل وفاته بأشهر ليقول لأسقف باريس وللرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك: لا تدعوا مسيحيي القدس يغادرونها فإسرائيل تبذل كل الجهود لتهجير مسيحيي فلسطين كي تبقى منفردة مع الإسلام المتطرف وتدفع الى هذا التطرف. وهذا ما حصل وما يحصل حالياً بسبب أعمال إسرائيل. والمنطق نفسه كان عندما شنت إسرائيل حربها الوحشية على لبنان في 2006 بحجة أنها ستنهي «حزب الله» ولكنها جعلت منه بطلاً لدى الرأي العام العربي. وإسرائيل ادعت أنها تريد التفاوض مع سورية عبر تركيا. إلا أنها قامت بكل الجهود للعمل على تدهور علاقتها مع الوسيط التركي والعمل الأخير كان عملية القرصنة البحرية ومجزرة سفينة «مرمرة» في المياه الدولية. فالصدمة والإدانة أمام الأعمال الوحشية وخرق كل القوانين الدولية، لا فائدة منها طالما أن الإفلات من العقاب هو القاعدة، خصوصاً لدى الدول الكبرى مثل الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي بالنسبة الى إسرائيل. أما مسؤولية الأنظمة العربية فهي كبيرة لأن باستطاعتها تغيير مجرى الأمور كون مصالح الدول الغربية مرتبطة في شكل كبير بها، وبإمكانها الضغط على هذه الدول لو كانت الدول العربية موحدة الموقف في التصدي لسياسات دولة عبرية ستبقى على هذا النهج!