الروائي والقاص السعودي مقبول العلوي يرسم للقارئ في روايته الأحدث «البدوي الصغير» وبسردية دافئة جذابة عالماً صغيراً من الواقع، وما طرأ عليه من تطورات سلبية وإيجابية جعلته يخرج من عزلة سابقة إلى عالم كبير حالياً. وفي هذا الخروج - على رغم سمات التقدم والرقي التي يتميز بها - قدر كبير من الألم الناتج عن وداع عالم زمن الطفولة والشباب في شبه انسلاخ سريع موجع يجعل من الذكريات مصدراً ذا محتوى متناقض، يجمع بين الحنين واللذة والألم والشعور بالفقد. جاءت الرواية في 207 صفحات متوسطة القطع وصدرت عن دار الساقي في بيروت. مقبول العلوي (47 عاماً) يعمل مدرساً للتربية الفنية وصحافياً، وله خمس روايات سابقة منها «فتنة جدة» و«سنوات الحب والخطيئة» و«زرياب» التي فازت بجائزة أفضل رواية لكاتب سعودي في معرض الرياض للكتاب 2015. مسرح رواية مقبول العلوي هذه هو قرية سعودية شبه مجهولة كل ما نعرف عن اسمها أن الكاتب أطلق عليها اسم قرية سعدون. وسعدون هو أحد شخصيات الرواية ووالد غسان وهو الراوي في هذا العمل. تتناول الأحداث فترة لم يكن النفط فيها اكتشف في تلك المنطقة التي تقع فيها القرية وتمتد الحقبة من ستينات القرن ال20 إلى ثمانيناته، وتحديداً إلى سنة 1983 وما شهده عالم القرية والعالم المحيط به من تغيرات مادية وبشرية إنسانية في تلك الحقبة. قال الراوي عن قرية سعدون: «في فترة الستينات والسبعينات الميلادية كانت قريتنا نسياً منسياً.. شيئاً لا قيمة له مثلها مثل مئات القرى الأخرى الواقعة على الأطراف والبعيدة عن المراكز الحضرية على امتداد خريطة البلاد. لكن الأمر تغير بعد أن جاء هؤلاء الرجال ذوو الشعر الأشقر والعيون الزرق عندما قيل إن الصحراء التي تحيط بنا من كل الجهات تقف على كميات هائلة من النفط». حين ذهب غسان لتلقي دروس في اللغة الإنكليزية على يد نادين زوجة مدرسه لم يكن يعلم أنه سيهيم عشقاً بأجنيثا فلتسكوج مغنية فرقة (آبا) السويدية، وأنه سيطاردها طول حياته. تبدأ الرواية بفصل بعنوان «المستر ديكان»، وفيه يتحدث الكاتب عن ذلك الأميركي الذين عين مسؤولاً عن البعثة التي ستقوم بالحفر بحثاً عن النفط في القرية. وغزت القرية الحفارات الكبيرة والشاحنات والآليات الضخمة وأنماط جديدة من الطعام والشراب وغيرها. يختم غسان الرواية وهو يصف العالم الذي تغير وتغيرت معه قرية سعدون، وامحت ذكريات أهلها ويقول إنه وصل إلى ال50 من عمره «أبهذه السرعة تطير الأعمار... 50 سنة مرت قضيت جلها في مطاردة أخبار فرقة غنائية... فات الكثير من عمري وأنا أطارد سراباً يدعى: أجنيثا فلتكسوج. سراب نعم سراب.. كل شيء غير حقيقي وزائف حتى رغبتي بالإمساك باللحظات الهاربة من حياتي وذكرياتي». (تحرير أمل أبو السعود).