يخالف أداء الفنّان اللبناني عمّار شلق قاعدة العرف «الخاطئة»، والتي تقضي بأن ينتظر إلى حين بلوغه مرحلة عمرية متقدمة، كي يستحقّ لقب «القدير». فحضوره الرصين والثابت منذ بداياته رسّخ قدراته التمثيلية، فبدا ممثلاً قديراً في كلّ محطاته الفنية. في مقابلة له مع «الحياة»، يستذكر شلق انطلاقته في مسلسل «أوراق الزمن المر» في العام 1996 (تأليف جوزيف حرب وإخراج نجدة اسماعيل أنزور، وبطولة جوليا بطرس ومنى واصف). وفي هذا السياق يقول: «كانت رهبة حقيقية أن يقف ممثل وافد حديثاً من المسرح أمام الكاميرا للمرة الأولى، لكنّ الفنانة منى واصف شكّلت دعماً وتشجيعاً أساسياً لي في بداية الطريق، فكانت نموذجاً صالحاً للاقتداء به سلوكياً». وفي حين يلفت شلق إلى اعتماد العمل على اللغة الفصحى، يرى أنّ استخدامها خارج الأعمال التاريخية انتهى إن لم نقل انعدم، لافتاً إلى أنّ «الاختلاف في اللهجات العربية لا يُسبّب مشكلة عند المشاهد. فاللهجات العربية مفهومة لا سيما حين تُعالج بطريقة جيدة في الأعمال المشتركة». ورداً على سؤال حول تأثير «الأعمال المشتركة» على الدراما اللبنانية، يجيب شلق بأنها أثّرت إيجاباً في الدراما اللبنانية التي انتعشت أخيراً بفضلها، إن على مستوى التمثيل أو الإخراج أو حتى النص. وهو في هذا الإطار يشبّه التمثيل ب «قيادة السيارة»، موضحاً: «إذا تعلمت القيادة من دون ممارستها لسنتين مثلاً، ستنسى وقد تضطر الى أن تتعلم من جديد. فالتمثيل عند بعض الزملاء في العالم العربي أصبح تلقائياً جداً بسبب كثرة عملهم، في حين كنا نعاني من قلة الأعمال وبالتالي الحركة الفنية». ويعتبر أنّ من الآن فصاعداً ستتمكّن الأعمال اللبنانية البحتة من تسويق نفسها بقوة على الشاشات العربية، شرط أن تؤمن الشاشات اللبنانية بالدراما المحلية، لأن ثمة من يريدون أن تبقى ضعيفة لكي يشتروا الأعمال بأسعار رخيصة بغية تحقيق أرباح أكثر». ويُضيف قائلاً: «لكنّ خرق الجدار سيجعلهم يعيدون حساباتهم». لا يلقي شلق باللوم على صنّاع الدراما اللبنانية لأنهم لا يضيئون كثيراً على وجعنا، إنما يقول: «من يتحكم باللعبة هو المعلن. لنتخيّل أننا عرضنا عليه فكرتين لمسلسلين: واحدة عن النفايات التي تُغرق البلد والأخرى عن فتاة صغيرة اغتصبت وحملت، لن يختار موضوع النفايات طبعاً، على رغم أن النفايات وصلت حتى شرفة منزله نفسه». ولكنه يستدرك: «يقع اللوم على عاتق الدولة في المقام الأول، لأن شاشتها لا تعمل!». ويضيء على الحركات الإيجابية في هذا الواقع السلبي: «نشكر الله أن بين فترة وأخرى ثمة محاولات تتخطى فرض المعلن ذوقه، وأحياناً تعرض الشاشات عملاً تعرف أنه قد لا يأتي بإعلانات كمسلسل «قضية يوسف» (تأليف شكري أنيس فاخوري وإخراج كارولين ميلان)». ويتوقع شلق أن يكون عمله الجديد «كواليس المدينة» في طليعة الأعمال التي ستخلط الأوراق، بخاصة أنه «يتمتع بمضمون خاص جداً، إذ ربما للمرة الأولى نجد مسلسلاً يتطرق الى موضوع الفساد بهذا القدر من الجرأة والمباشرة في لبنان». ويتابع: «بشكل عام الدراما تحكي دائماً عن الخير والشر، ولكن هذا المسلسل سيضيء على أمراضنا الاجتماعية وأمراضنا الفسادية في البيت والدولة والمؤسسات الخاصة، في زوايا قريبة من المجتمع اللبناني عبر قصص واقعية مغلفة وإسقاطات مقصودة». وعن دوره «الضابط أنور» الذي يلعبه في المسلسل (تأليف غادة عيد وإخراج أسامة الحمد)، يجيب عمار قائلاً: «هي أكثر شخصية مترابطة مع كل الخطوط، لأنه ضابط تحرّ نزيه الى حد الانقراض. هذه المثالية تسبب له مشاكل في عمله وحتى في منزله، لأن فيروس المظاهر البرّاقة والمال يخترق بيوت الناس الأكثر تحصيناً». لكنّ شلق يوضح أن مثالية «أنور» ليست مطلقة، بل ملتزمة السلوك البشري العادي، مضيفاً: «المثالي لا يعني أنه صخرة وبلا أحاسيس وليس لديه نقاط ضعف، عندما يلتقي أنور الصحافية علا سليم (سارة أبي كنعان)، يظهر تقارب فكري وروحي بينهما، ويتطور مع الوقت على رغم انه متزوج، فيعيش طوال الوقت في حالة قمع لنفسه». ويكشف أكثر عن ملامح «أنور» الدرامية: «رجل أمني، الهدوء يغلّف البركان الذي في داخله، يردّ الضربات طوال الوقت الى أن ينفجر، هو البحر الهادئ الذي عندما يثور، يغضب بقوّة. شخصية أنور موجودة في المجتمع ولكن بشكل قليل جداً».