تعرّف الموسوعة العالمية للأدب العربي (أدب) نفسها بمؤسسة أدبية ثقافية إعلامية، تُعنى بمشاريع توثيق ورصد الأدب العربي والأدب العالمي المترجم، ويعرّفها مؤسسها الدكتور عبدالله بن رفود السفياني بأنها وليدة الحاجة، إذ أصبحت المرجع الأول على الإنترنت، مستفيدة من حجم الإمكانات الإلكترونية الخلاقة، معتمدة في ذلك على ذائقة عربية تقاوم محاولات طمرها. «الحياة» حاورت الدكتور السفياني عن هذه المؤسسة الافتراضية وعن الثقافة وهمومها، إلى نص الحوار. كيف نشأت فكرة «موسوعة أدب العالمية»؟ - نشأت كما تنشأ الوردة في حقول الشوك، وخيوط النور في العتمة. نشأت ولا تزالُ تتمدّد على خريطة النشوء والترقّي، استجابة لافتقار الشبكة العالمية إلى مرجع معتمد للشعر والأدب العربي، ينهل منه المتخصّصون والباحثون وعشّاق الكلمة. ومن فضل الله أصبحت المرجع الأول على الشبكة العالمية للإنترنت. لماذا موسوعة أدب.. فيمَ تخدم الشعر؟ هل هو مجرد توظيف للإمكانات الإلكترونية المتاحة أم فكرة ولدت من صميم الحالة الاتصالية الجديدة؟ - هي وليدة الحاجة، ودافعها الواجب الأخلاقي تجاه اللغة والأدب في العالم الرقمي. ولا شك في أنها جاءت استجابة سريعة لحالة التواصل الرقمي الجديد، فقدّمت الشعر والأدب قديمه وحديثه كما ينبغي له أن يكون، وستتابع التغيّرات الجديدة في التواصل الاجتماعي في نسخة تفاعلية جديدة، توثق وتدهش وتتواصل في آن واحد. ما علاقة الموسوعة بمنتديات «الساخر» الشهيرة؟ - سألت عن الساخر! فأيقظت الحنين حين كان الرفاق يتقاسمون فيه خبز الحرف وعلى وجوههم دهشة تليق بهذا الفضاء. ومن هناك من الساخر، وجه الأوفياء، خرجت مشاريع كبيرة من بينها الموسوعة العالمية للأدب العربي (أدب)، لذلك فالساخر هو الأب الشرعي لأدب. هل أنتجت مرحلة «المنتديات» في الشبكة العنكبوتية نوعاً من الأدباء يتفرّدون بروابطهم التعاضدية ونوعية إنتاجهم المعاصر؟ - المنتديات أنتجت جيلاً كتابياً، ولكل منتدى طابع خاص، ولكنّ كثيراً منها كان صورة عن الواقع المأزوم. في الساخر كان التحدّي كبيراً في أن نصنع عالماً افتراضياً يختلف عن الواقع في اللغة والرؤية، فخرّج من حقول الألغام فيه فصلاً خامساً وحرفاً تاسعاً وعشرين ورصيفاً بارداً يجمع المشردين ووطناً موقتاً يسمّونه الشتات! وتخرج من هذه المدرسة شعراء وروائيون وكتّاب على درجة عالية من الجمال والمسؤولية. ماذا عن أدباء الفضاء الافتراضي الجديد ممن ساعده «تويتر» في الاشتهار مثلاً.. هل يخلق هذا أدباء بحضور خاطف وإنتاج متواضع.. باختصار كيف تقرأ هذه العلاقة المعقّدة بين الشهرة الافتراضية المتيسّرة والإنتاج الأدبي المتعمّق والمتمهّل؟ - الذين ظهروا في «تويتر» وقدّمهم للجمهور نوعان، نوع استفاد من «تويتر» الظهور فقط، أمّا ثقافته وعلميته فهي نتاج قراءات متأنّية ودراسات معمّقة، وصنف ثقافتهم وشهرتهم من التغريدات العابرة في الزمن العابر وهؤلاء وميض يتلاشى في ثقوب الزمن السوداء! تنظم الموسوعة أمسيات ومناسبات شعرية وثقافية، هل ذلك جزء من خطط المشروع أم البحث عن جماهيرية لا تتوافر لديه؟ - هو جزء من مشروع الهبوط الاضطراري من فضاء الشبكة لإنقاذ ما تبقى من الحياة في أروقة الأدب المهجورة! محاولة أخيرة لإنعاش الروح والبداية تبشّر بخير، والجماهير ليسوا هدفاً، ولكنّنا في تحدٍّ مضمونه أن نرتقي جميعاً. والتجارب التي قدمها «أدب» حققت جودة عالية وجماهيرية جيدة وما زلنا في بداية الطريق. يعاني الشعر من ضعف شعبيته وتواضع حضور أمسياته، لماذا تكرّر الموسوعة تجربةً، محكوم عليها بالإخفاق، وهي القادمة من العالم الافتراضي بإمكاناته الواسعة؟ - هذا سؤال صعب، لأنه سؤال التحدّي الذي قلته سابقاً! أما وأنّنا قد ارتكبنا هذه الحماقة واجترحنا الجرأة فقد قدّمنا حتى الآن قرابة عشر مناسبات حكم عليها الجمهور بالنجاح، ومنحوها شهادة الميلاد، ونحن في انتظار بلوغها قبل أن تمنحها أنت شهادة الوفاة! وفي 10 آذار (مارس) كانت لنا أمسية بالتعاون مع اللجنة الثقافية ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب. تطبع الموسوعة أحياناً دواوين شعرية.. من أين تحصل على التمويل؟ - ما زالت الموسوعة في مشاريعها كلّها تقف على قدمين تكادان أن تسقطا في انتظار أن تجد أقدامّاً أشدّ صلابة من الذين يؤمنون بأنّ الحياة مسؤولية وأنّ اللغة حياة وأنّ الهُوية العربية سرُّ بقاء! ولكننا لم نتخلَّ عن دورنا، فطبعنا بالشراكة مع دور نشر حتى الآن 4 دواوين شعرية لشعراء لهم حضورهم الفاعل في الحراك الشعري الشبابي. تخصص الموسوعة ركناً للشعر العامي.. هل هو اعتراف بشعبيته أم بحقيقته الفنية؟ - هو اعتراف بكلا الحقيقتين شئنا أم أبينا! وبقاؤه في هذا الركن كان ضمن خطة زمنية ولأهداف مشروعة، لقد كان الفخ لاستقطاب روّاده لقراءة اللغة في وجهها الأكثر بياضاً، ومع الزمن أصبح رواد الفصيح على الموقع يتزايدون أمام العامي! هو باختصار محاولة لدسّ «العسل» في «السم». ما هي آفاق مشروع الموسوعة ومستقبلها؟ - مستقبلها في مخيالنا كبير جداً، نطمع من خلاله أن نجعل جمال اللغة حديث اليوم، وتحية الصباح، عبر برامج متعدّدة، من بينها تحويل الموقع كاملاً إلى شبكة اجتماعية تفاعلية، وإنتاج المزيد من الدواوين الصوتية، ومشروع للترجمة، وما لم تقف رؤوس الأموال مع رأس المال الثقافي فقد نتعثّر كثيراً، ولكن الأمل في جمهور الضاد ما زال يتّسع! ما رأيك في فكرة وجود مسابقات لأمراء الشعر والتنافس على أفضل قصيدة أو شاعر؟ - التنافس دافع حقيقي للإنجاز والإبداع، ولكن يجب ألا يكون على الألقاب الفارغة وصيغة أفضل البائسة! التنافس على الجوائز الماديّة يكفي لإشعال حطب الشعر في صحراء العرب! لماذا يعاني الشعر ومناسباته من ضعف الجماهيرية وتواضع الشعبية، الأمر متعلّق بتقليدية الشعر وأهله أم بضعف استعداد المجتمع؟ - مرّ الشعر في فترة سابقة بنكسة إعلامية وسّعت الهوة بين الشاعر والمتلقي، وأسهم الناقد الحداثوي في اتساع الهوة وليس هذا السبب الوحيد فغيره أسباب كثيرة، وقد يتكفل الزمن بحلها إذا نجحنا في ردم الهوة ومد جسور الشعرية الحقيقية بينهما! أنت قريب من المواهب الشابة، هل تلمح مستقبلاً غنياً بالشعر والأدب في السعودية؟ - الشباب يا صديقي مقبلون بقوة، والزمن يخبّئ لنا جيلاً مثقفاً حقيقياً تتّسع مداركه بحجم هذا الانفتاح، ولهم قراءات ليست في الشعر فحسب بل في فنون ومعارف متنوعة، ولكنّ الطابع العقلاني الجمالي يغلب عليها، مما سيسهم في قلب المعادلة السابقة! ليس في السعودية فقط بل على امتداد جغرافيا العالم العربي. العلاقة بين الأدب كحالة مبدعة تتطلب تجاوزاً للمألوف، وبين القيم والمبادئ كحدود مانعة ورادعة، هل يتصالحان أم يتضادّان؟ - الأدب حالة من اللامألوف من التمرّد الذي يلتقط المفارقة ويصنع الدهشة، سباحة في منطقة انعدام الوزن، قلق لا يتوقّف، ورؤية لا تثبت، وسؤال حائر لا يبحث عن إجابة. وهذا لا يعني التصادم واختلاق الضوضاء وسقوط الفراش في النار، إنّه تمرد وقلق ودهشة واعية، والتصادم صار حالة مألوفة والأدب يفرّ منها! التجديد القائم على هدم الثوابت ومصادمة أصول الإسلام دخل من النافذة وخرج مع الباب. هناك تظاهرات للحثّ على القراءة، لماذا نريد من الجميع أن يقرأ، أليست هي فعل نوعي للخاصة؟ - من هم الخاصة؟! هذا سؤال نخبوي بامتياز، واحتكاري بامتياز، وتذكّر أنّ الآية «اقرأ» نزلت على نبي أمّيٍ وأمّة أمّية، لتحوّلها لمجتمع يقرأ باسم ربّه الذي خلق! القراءة ليست فعلاً خاصاً، بل هي فعل جماعي واجتماعي، وقصره على نخبة معينة وخواص الخواص هو عرقلة صريحة لمشاريع الحضارة والإصلاح! ثمّة شاعر متوفر على نفسه ومعنيّ بإنتاجه الشخصي، وآخر يبتني مؤسّسات ترعى الشعر وتهتم له، ألا تعتقد أنّ النوع الثاني يؤثر في غزارة وجودة إنتاجه أم هو تعويض عن عجزه عن المنافسة الشعرية والتمكّن الشخصي؟ - إذا كنت تقصدني بالسؤال، فأنا قلتها كثيراً، إنني بريء من الشعر، وقد قلتُ ذات مرّة ساخراً وممازحاً: يمكنك أن تتقبّل أي شتيمة بصدر رحب، إلا أن يقال لك يا شاعر! وعلى كل حال ليس هناك أي تعارض بين المشروع الشخصي والمشروع الجمعي! لديك اهتمام بقراءة الخطاب والفكر الفقهي، هل تؤثر هذه الاهتمامات الجادة في تلقائية الشعر وفورة القريحة لديك؟ - وبعيداً عني وعن اهتماماتي وكتابتي في الخطاب الفكري الشرعي، يمكن للشاعر المميّز والواعي أن تتحوّل ثقافته وقراءاته إلى روافد لا تنضب في تعزيز التجربة أيّاً كان نوع القراءة، وشاعر لا يقرأ ويوظف القراءة في توسيع الرؤية وتجديدها يموت عند مفترق الطرق! ويبقى عليه أن يعرف كيف يحوّل التجربة القرائية إلى تجربة إبداعية، وهذا هو التمايز بين شاعرٍ يقرأ وشخصٍ يقرأ!