اعترف د. سعد بن عبدالله البازعي، أستاذ اللغة الإنجليزية والنقد الأدبي المقارن، ورئيس نادي الرياض بأن فترة تواجده للدراسة في أمريكا؛ أحدثت داخله إشكالية ثقافية حيث الانتماء إلى الأصل العربي وبين مجال الدراسة، ومع ذلك استطاع المواءمة بين الأصل وتوظيفه في مجال دراسته معتبرًا المرحلة الحالية بالنسبة إليه مرحلة التوسع في القراءة كونه مسكونًا بهاجس التأليف.. وأشاد البازعي في ملتقى «تجاربهم مع القراءة» الذي تنظمه مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، كل شهر، مساء يوم الثلاثاء،15 صفر 1430ه، الموافق 10 فبراير 2009م بقاعة محاضرات، فرع مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالمربع..؛ ونشرت ضمن أوراق عمل هذه الفعاليات في كتاب: (تجاربهم في القراءة)، من إصدارات المكتبة لهذا العام- أشاد بالقراءة الجادة «وهي تشبه الاستعداد للامتحانات حيث التلخيص والتحديد والكتابة على الهوامش» مضيفًا أن هذا النوع من القراءة يأخذ وقتًا طويلاً، وهو ممن لا يجدون حرجًا في قطع وقت طويل عند القراءة الجادة. وذكر أن هناك نوعًا آخر من القراءة، وهو القراءة من أجل المتعة «على رغم صعوبة الجمع بين القراءة الجادة والقراءة الممتعة، ولكن يمكننا جعل قراءتنا ممتعة وذلك عندما نحب ما نقرأ» مؤكدًا «هناك قراءات ضرورية للفرد، يجب أن يقوم بها حتى لو لم يكن يحبها. وقد قسم الكتب في مكتبته، بكتب ضرورية وكتب لا تتم قراءتها فور اقتنائها، ولكن تتم العودة إليها وقت الحاجة، وهناك كتب تتحسر على الوقت الذي قضيته في قراءتها، لأنها لا تستحق ثمن الورق الذي كتبت به ويحاول التخلص منها لعدم فائدتها ! وقال، إنه ليس مؤمنًا بقراءة كل شيء وفي كل فن؛ لأنه في النهاية لا يؤدي إلى شيء كما أشاد بالإنترنت والزخم المعلوماتي الذي يقدمه وهو سلاح ذو حدين وحتى نستفيد منه يجب الترشيد وغرس المبادئ، التي تحول دون الاستهلاك الضار لهذه التقنية. وإجابةً عن سؤال حول دور الأستاذ الأكاديمي في مسيرة البازعي، قال: دوره كبير وهو حفزني على القراءة وفتح المجال أمامي للاطلاع، خصوصاً في مرحلة الدراسات العليا التي أسهمت وبقوة في تشكيل توجهي الفكري، بعد تراكم معرفي وفكري منذ المرحلة الثانوية». في بداية محاضرته، أكد الدخول في التجربة القرائية هو دخول في سيرة ذاتية؛ فالصعوبة أيضًا تأتي من هنا، وهو أننا في مثل هذا الحديث تربط المعرفة بتطور المراحل العمرية للإنسان، وما حققه أو ما لم يحققه في محاولاته لإنجاز شيء ما في عالم الثقافة؛ فالتجربة في القراءة أعادته إلى المراحل الأولى.. إلى الطفولة، وأعادته كذلك إلى مراحل الدراسة الأولى، مشيرًا إلى أننا عندما نقول قراءة فإننا لا نحصر أنفسنا فقط في إطار التعامل مع الكتاب نفتحه ونقرأه، ولكننا نتعامل مع نصوص الثقافة، بل نصوص الحياة الاجتماعية، بوصفها نصوصًا نقرؤها ونفسرها باستمرار، فنحن نقرأ إشارات المرور، ونقرأ حركات الآخرين، ونقرأ التعبيرات، ونقرأ ما يكتب على شاشة التلفاز، وما نراه في الإنترنت، نقرأ أشياء كثيرة، وكل هذه قراءة ! واستعرض البازعي مراحل القراءة؛ فتحدث عن أربع مراحل: المرحلة الأولى، هي التي أسماها: قراءة التأسيس بمعناها الحرفي للكلمة، المرحلة الابتدائية، ثم إلى المرحلة الثانوية، تبدو له كذلك مرحلة قراءة تأسيسية؛ لأنه في هذه المرحلة تعلّم أساسيات المعرفة، وهذه المرحلة، تعج بالقراءات. وفي هذه المرحلة تعرف على موروثه وقرأ قراءات طفولية، وقرأ مترجمات، لذلك فهناك خليط لم يعرف تأثيره إلا فيما بعد أن تجاوز هذه المرحلة، لكنه عندما يعود الآن يجد أنه كان يقرأ القصص ككل الأطفال. عاش البازعي فترات مصادمة مع المضمون، قرأ نصوصًا، وهو صغير دهش كيف تكتب هذه الأشياء، وقع في يده مثلاً أمثال شعبية، قرأ وهو صغير جزءًا من أمثالنا الشعبية للأستاذ عبدالكريم الجهيمان، رحمه الله، ففوجئ بأشياء تكتب، حروف أمامه وهو طفل، ودهش لما يكتب وهو مناف لما تعلمه في البيوت ومن أخلاقيات ومن قيم، ولكن المصادمة مع المضمون جاءت فيما بعد، أن تقرأ نصوصًا شعرية بعيدة عن توجهك، أو أن روايات ذات مضمون لا يعجبك، أو ترفض أشياء معينة، لكن هذا لا يحدث إلا في مراحل متقدمة، من الجامعة فما فوق، أن تكون قادرًا على القراءة النقدية، في المراحل التي قبلها نحن متلقون أكثر مما نحن نقاد، على الأقل هذا بالنسبة له. المفكر العربي إدوارد سعيد ساعده على بلورة أطروحة الدكتوراه ،و المفكر الفرنسي ميشيل فوكو، كان له تأثير كبير في منهجية القراءة وأشار البازعي إلى أحد إخوته الأكبر منه، كان له دور كبير أيضًا في توجيهه لقراءات جادة، في المرحلة الثانوية، ابتداءً من الأول الثانوي، وحتى الثالث الثانوي، حيث قرأ في تلك المرحلة كتبًا قلما يقرؤها الآن طلاب المرحلة الثانوية، كتبًا في الفكر المعاصر، روايات "الجريمة والعقاب" تولستوي، أشياء لا يعتقد أن كثيرين يقرؤون منها الآن! تلا هذه المرحلة التأسيسة، مرحلة أسماها البازعي، قراءة التوجه الفكري والبحثي، بمعنى أنه في هذه المرحلة بدأ يتلمّس أي اتجاه سيسير؟ إلى أي هدف؟، بعد أن تكون قراءة التأسيس قد وضعت لبنات تدفع القارئ إلى مجالات معينة، فيكون التوجه الفكري والبحثي في هذه المرحلة هو مرحلة الجامعة، وهي المرحلة التي تتلو مرحلة التأسيس. المرحلة الثالثة في القراءة، أسماها البازعي، قراءة التخصص، وهي قراءة مرحلة الدراسات العليا، يكون عندها قد انطلق من العام إلى الخاص، وبدأ يتوسع في شعبة محددة، وسيكون متخصصًا فيها. ثم تحدث عنه وعن أقرانه، الذين سلكوا سلك التدريس الجامعي. المرحلة الرابعة هي التي أسماها مرحلة التوسع والتركيز في الوقت نفسه، التوسع في هذا المجال المتخصص، والتركيز أيضًا على قضايا محددة، والمفارقة في هذا المجال هي أن التركيز يؤدي إلى التوسع؛ لأنك كلما ركزت القراءة في مجال معين، نظرية ما، أو فرع من فروع العلم؛ اكتشفت أنه يتسع في اكتشافك لكثرة ما كتب فيه، وكثرة ما أضيف إليه، فيكون الباب ضيقًا في البداية، وما بدأ ضيقًا ودقيقًا ومتخصصًا هو في الواقع واسع سعة المعرفة، فهذه المرحلة الرابعة التي أسماها مرحلة التوسع والتركيز، هي المرحلة الحالية، مشيرًا إلى أنه في كل مرحلة من هذه المراحل هناك قراءة؛ يستدعي هذا أن نعود إلى القراءات الأولى، في مرحلة التأسيس، حيث كان لوالده – رحمه الله – دور أساس، وهذه مسألة مهمة للتربويين، ومهمة لنا كآباء وبعضنا من صاروا أجدادًا. مشيرًا إلى أنه قبل أن يدلف المرحلة الابتدائية، يذكر أنه كان، رحمه الله، كان يأتي بالصحف ويساعده أو يعلّمه على قراءة العناوين الرئيسة، كانت تلك هي علاقته الأولى بالحرف الذي كان مغلقًا، وكان تدريجيًا ينفتح أمامه قبل أن يدخل المدرسة. ويرى البازعي أن هذا لا يحدث كثيرًا حتى الآن مع أننا في مراحل يفترض أن التعليم أكثر تطورًا، لكنه حظيت بهذه اللفتة من أبيه الحنون في تلك المرحلة المبكرة. كما ذكر أنه كان لإحدى إخوته التي تسبقه سنًّا دور كبير في الأخذ بيده، مشيرًا إلى أثر تكوين مكتبة وهو في سن صغيرة. ويذكر أنه في المرحلة المتوسطة والثانوية، أنه تعرف على أعمال أدبية عالمية، روايات مترجمة، كتب بعضها لم يكن يفهمها، ولكنه حاول أن يقرأ، الروايات بالتأكيد كما هو الحال الآن كقراءة سهلة وممتعة؛ فتعرف على أسماء ظلت محفورة في ذاكرته، وعاد إليها فيما بعد عودة الباحث المدقق أو الناقد، الرواية الإنجليزية، والرواية الفرنسية، والرواية الروسية، حيث كان يقرأ نتفًا من هذه وتلك، وكانت متيسرة لمن عاش تلك المرحلة، ومتيسرة في مدينة الرياض، هنا في البطحاء، وشارع الوزير، على الأرصفة كانت معظم هذه الأعمال متوافرة، ثم كان متاحًا كما يذكر بعض الزملاء كتب الآن ممنوعة، وكانت موجودة؛ لأن الناس لم تكن تدرك قيمة أو محتوى تلك الكتب! لوالده - رحمه الله- دور كبير في تكوين علاقته الأولى بالحرف في المرحلة التالية التي أسماها مرحلة التخصص، والتي اتسمت بما أسماها قراءة التخصص، وهي مرحلة الدراسات العليا،هذه تمت في الولاياتالمتحدة، وكان يدرس الماجستير ثم الدكتوراه، في هذه المرحلة أيضًا كان هناك اكتشافات أخرى، وتطور تجاه عوالم جديدة بالنسبة لي، بحكم الدراسة الغربية كان عليه أن يقرأ في الفكر الغربي، وأن يقرأ نقدًا، وأن يقرأ نظريات، اكتشف أن الآداب الإنجليزية غير الفرنسية في تلك المرحلة، وقرأها مترجمة إلى اللغة الإنجليزية طبعًا، ولكنه في تلك المرحلة بالذات وخاصة في مرحلة الدكتوراه، اكتشف كاتبين، أو مفكرين مهمين كان لهما أثر كبير على عمله ونتاجه في المراحل التالية، الأول هو: إدوارد سعيد،عام 1979م،وكان يتهيأ لمرحلة الدكتوراه، وكان كتابه "الاستشراق" وهو كتاب معروف، وأحدث هذا الكتاب ضجيجًا في ساحات الفكر الأوروبي والأمريكي، ذكره له أحد الأساتذة قال: إن إدوارد سعيد وهو عربي منكم، له كتاب كذا وكذا، فحصلت على الكتاب، وما إن قرأه حتى وجد نفسه أمام ضالته في التفكير وفي التنظير؛ لأنه ساعده في بلورة أطروحة الدكتوراه التي كتبها في السنوات التالية. المفكر الآخر هو مفكر استفاد منه إدوارد سعيد نفسه، وهو المفكر الفرنسي ميشيل فوكو، الذي كان له تأثير كبير في منهجية القراءة، وفي الثقافة الهائلة التي وجدها في ما اطلع عليه من أعماله. وذكر البازعي في تلك المرحلة بالذات، وهو قد وجد نفسه بين أجانب طلابًا وأساتذة، كان ينحاز كثيرًا للثقافة العربية، ولو لم ينحز لدفع إليها، لأن السؤال كان يتكرر، ماذا بشأن ثقافتكم؟ ماذا بشأن شعركم؟ ماذا لديكم؟ مشيرًا إلى أنه لم يكن منقطعًا عن الموروث العربي الإسلامي حتى قبل أن يذهب للولايات المتحدة، لكن وجوده في هذه البيئة الغربية والغريبة، كان حافزًا لأن يلتصق أكثر بهذا الموروث. وذكر أنه في إحدى المواد التي درسها طلب إليه أن يقدم قراءات نقدية، فاقترح أن يقدم قراءة لقصيدة البحتري "السينية" بالفعل عرف بها وبما يفعله الشاعر، وخاصة أن قصيدة البحتري، قصيدة فيها هذا الذهاب إلى ثقافة الآخر، وهي من القصائد النادرة في الثقافة العربية التي يتجه فيها هذا البدوي العربي إلى ثقافة أخرى وهي ثقافة فارس، ويجول في إيوان كسرى ويثني عليه، وذكر أن الطلاب والأستاذ طلبوا إليه أن يقرأها بالعربية، ففعلاً قرأها، وكما تعرفون أن سينية البحتري تضج بالسين وهذه الجلبة الجميلة فيها، فأعجبوا مؤكدًا أنه ظلّ مشدودًا إلى الخلفيتين، الخلفية العربية الإسلامية، وهي الأساس طبعًا، والثقافة الغربية التي كانت تنمو وتأخذ منا الكثير. في المرحلة الرابعة والأخيرة (الحالية)، هو لا يريد كثيرًا، تسميتها مرحلة التوسع، هذه المرحلة عندما يتأملها الآن يجد أنها مرحلة مسكونة بهاجس التأليف، القراءة، والزملاء المؤلفون معه ، يعرفون ربما ما يريد الإشارة إليه، أنك عندما يكون لديك شيء من الرصيد في القراءة والمعرفة، لابد أن تشعر أنك مدين للآخرين، وأنك مطالب بتقديم هذا الرصيد، وأنه ليس لك وحدك، وأن تشرك به الآخرين، وأن تستمع إلى رأيهم فيه، والتأليف هاجس مهم بدأ معه منذ عاد من الولاياتالمتحدة منذ أواسط 1404ه (أواسط الثمانينيات الميلادية)، واستمر معه، وبدأت الكتب تظهر منذ ذلك الحين، كان أول كتاب:"ثقافة الصحراء"، عام 1400ه، القراءة في هذه المرحلة، هي قراءة متخصصة، قراءة تتجه إلى قضايا معينة، ولكنها أيضًا تهدف إلى الخروج بشيء من هذه القراءة، مشيرًا إلى أنه يندر أن يقرأ للمتعة فقط، يقرأ روايات أو شعرًا أو صحفًا للمتعة، ولكن القراءة الأساسية، القراءة التي أسماها قراءة، أو قراءة جادة، هي قراءة مقرونة بهاجس التأليف.. بهاجس كتابة بحث، أو كتابة ورقة، أو تأليف كتاب، حيث إن القراءات في هذه الحالة تتمحور في اتجاه قضية معينة، فتكون القضية هي الدافع إلى التوسع. وذكر بالرغم من هذا الهاجس، إلا أنه قام بقراءات كثيرة بأمل تأليف كتب معينة، ولم يؤلفها، وما تزال لديه أضابيرها ينظر إليها بحسرة وألم، لأن الزمن يتقادم، ولم تنتج هذه الكتب، وتحولت إلى ركام من المعرفة! ويرى أن بعض المؤلفات مصيبتها أن أصحابها يصرون على نشرها أو تأليفها، مع أنه كان ينبغي ألا تؤلف أصلاً! وحول تقنيات القراءة وأساليبها أشار البازعي إلى أن هناك طرقًا كثيرة، وكل منا يمكن أن يفيد الآخر في هذا المجال، لكن لابد من التمييز بين أنواع القراءة، لأن كل نوع يستدعي قراءة بطريقة مختلفة، مشيرًا إلى أن قراءة الامتحان تختلف عن قراءة التسلية، لأنك أمام امتحان، القراءة الجادة هي هذه القراءة، الذين يحققون قراءات جادة ومهمة معمقة ومؤثرة، هم الذين يقرأون بهذه الطريقة، هم الذين يقرؤون كما لو كانوا ذاهبين إلى الامتحان، وليس للمتعة والتسلية، ولذلك لدي مثل أي شخص آخر، هناك قراءات جادة، في هذه القراءات تجد الكتاب كله تلخيصًا وتهميشًا وخطوطًا وإحالات، وقراءات أحيانًا عابرة، أحيانًا الكتاب نفسه يستدعي هذا، وأحيانًا اهتمامك أنت يستدعي هذا، وأحيانًا الدوافع التي تدفعك للقراءة أيضًا تضطرك إلى هذا.. لذلك القراءة كما يعرفها البازعي هي القراءة الجادة التي تحتاج إلى هوامش وإلى تلخيص؛ ولذلك تأخذ وقتًا طويلاً.. القراءة لا تنحصر في الكتاب بل مع نصوص الثقافة، والحياة الاجتماعية بصورها المختلفة وعن العلاقة بين القراءة المتنوعة والخط الرئيس للقارئ، يعتقد البازعي أن معظمنا لديه خط رئيس، قد يكون في علم النفس، أو علم الاجتماع، أو في العلوم الإسلامية، أو في أي مجال، لكن قراءته تتفرع، كما يفترض من هذا الخط الرئيس تنقده حينًا وترفضه حينًا، وتضيف إليه حينًا، ولكن هذا يشكل بنية ثقافية لدى الكثيرين، مشيرًا إلى أنه ليس من المؤمنين بالقراءة في كل شيء، ونظرية الأدب نأخذ من كل شيء، لا يعتقد أن هذه النظرية مفيدة، أو منجزة،بل تخلق شتاتًا معرفيًا، ليس له رابط، وليس له قيمة، ولا يؤدي إلى نتيجة، قد يكون هناك شيء من المعلومات التي نذكرها في المجالس! ويرى البازعي في تجربته الثرية في القراءة أن المؤثرات الحديثة مثل الإنترنت، هي دائمًا مثل الكتب، أسلحة ذات حدين، مشيرًا إلى أن علاقتنا مع الكتب، هي علاقة مثالية في الغالب، فبعض الكتب لا تساوي الورق الذي كتبت عليه، ليس كل الكتب جديرة بالقراءة ! وهناك كتب ليست فقط جديرة،وإنما ضارة ! الكتب ليست دائمًا الصديق المثالي، كما يقول المتنبي، خير جليس في الزمان كتاب، المهم ما هو الكتاب؟ قد لا يكون خير جليس، هذا شيء نكتشفه مع الزمن حيث تضيع وقتك في قراءة شيء، أو تكتشف شيئًا لا ينبغي أن تتصل به، الإنترنت الشيء نفسه، مملوء بالمعرفة، ولكن المعرفة قد تكون مفيدة،وقد تكون مضللة، فأنا أعتقد أن المعيار في هذه الحالة هو التوجيه، وترسيخ القيم التي توجه القارئ، سواء كان طفلاً أو أكبر من ذلك! وأشار البازعي إلى علاقته بالمكتبة، ووصفها بالحميمة منذ الطفولة، وما تزال مستمرة حتى اليوم، ما تعلمه من جميع المكتبات ثلاثة أشياء: أن هناك كتبًا تأسيسية يجب أن تكون في كل مكتبة، ثانيًا: أننا نشتري بعض الكتب لا لنقرؤها مباشرة، ليس من الضروري أن نشتري الكتاب لنقرأه، بعض الكتب نحتاجها ونقتنيها؛ لأننا نتوقع أننا سنعود إليها، ثالثًا: الكم لا ينبغي أن يطغى على الكيف، القضية ليست بناء رفوف طويلة، خمسة عشر ألف كتاب، أو عشرون ألف كتاب، لذلك يرى البازعي أن بعض الكتب مكانها المكتبات العامة، ومكتبة الجامعة، وليس في المنزل بالضرورة؛ فلذلك تعلم ولكن متأخرًا أن هناك كتبًا يريد التخلّص منها؛ لأنه يواجه مشكلة كبيرة في هذا السياق، معظم الكتب التي تمتلئ بها مكتبته تأتي إهداءات، ومما هو حصاد المحاضرات والزيارات، ولكن ينبغي التركيز على الكيف بدلاً من الكم. أعتقد أن هناك مساحة هائلة من الجهل بالثقافة العربية، ومما ينبغي عمله لسد هذا الجانب لكن الهاجس الذي يدفع بالكثير منا للتأليف بالعربية، أوالكتابة للثقافة العربية هو شعورنا بأننا مدينون لهذه الثقافة قبل أي ثقافة أخرى، وكأن هذه الثقافة بحالة نمو وتطور، مع أننا نأتي بما تعلّمناه في الغرب لنضخه في هذه الثقافة، في محاولة لدعمها بأي شكل من الأشكال، ولكن في المراحل الأخرى. بالنسبة للترجمة، ذكر أنه بدأ بالترجمات في المرحلة المتوسطة حينما كان مقررًا عليه رواية عنوانها (بلال) لعبدالحميد جودة السحار، وذكر أنه كان يقرأ ويعجب الأستاذ بقراءته، فطلب إليَّه أن يقرأ في كل مرة يأتي، فطبعًا كان مزهوًا به، مزهوًا إلى حد لا يصدق، حتى أنه حفظ الأسطر الأولى من بدايات هذه الرواية، لكنه يعتقد أن هذه الحالة عمقت العلاقة بالكتاب، وأصبح الكتاب شيئًا محبوبًا بالنسبة له، فلم يكن شيئًا يدرسه للامتحان آخر العام، وإنما هناك كتاب حبيب وحميم يأتي منه الإعجاب والتقدير.. وتحدث عن التأليف بالإنجليزية، مشيرًا إلى أنه ترجم ترجمات محدودة، لكنه يؤمن أن القراءة للترجمة، أي أن المترجم عندما يقرأ ليترجم، فإنه يقرأ قراءة دقيقة جدًا، والقارئ المترجم، من أكثر الناس قربًا من النص؛ لأنك عندما تترجم، تقلب الكلمة الواحدة تقليبًا أحيانًا، فتبحث عن معناها الآخر، وربما هذا، وربما ذاك..مشيرًا إلى أن الفكر الغربي ينبغي أن نعرفه، وينبغي أن نفهمه، وليس بالضرورة أن نتأثر بكل ما فيه، ولكن معرفة الآخر ضرورية وأساسية، وإلا كيف سنحاورهم، وكيف سنقنعهم، إن لم نعرفهم جيدًا؟! لكن بالنسبة للقراءة الحديثة، معظم الشبان والشابات يقرؤون من خلال الإنترنت، كما ذكرت قبل قليل، هناك من يقرأ كتبًا من خلال الإنترنت، وكتبًا جادة ومهمة، وهناك من يقرأ أشياء إن لم تضر لا تنفع، والإنترنت مليئة بأشياء أعتقد أنها أمشاج، خليط، مشيرًا إلى الموسوعة الإنترنتية "وكيبيديا"، مثالاً على ذلك، وهي الموسوعة الوحيدة المتاحة في الإنترنت، والتي يمكن لأي شخص أن يسهم فيها، أو يحررها، أو يضيف إليها، شيئاً رهيباً، الطلاب يذهبون إليها للحصول على المعلومات، ملتمسًا من الجميع عدم الإتيان بمعلومات من ويكيبيديا؛ لأنها ليست موثوقة مئة بالمئة، المشكلة فيما يوجد على الإنترنت ليس له مرجعية مثل مرجعية الكتاب، لا نعرف المؤلف، لا نعرف الناشر من هو؟ معلومات منثورة في الهواء، بعضها خطأ وبعضها صواب، لا ينبغي أن تأخذ على علاتها، فهذه هي مشكلة المصادر الحديثة، لذلك ما نحتاج إلى التأكد منه بالنسبة لأنفسنا، هو المبادئ الأساسية، مبادئ القراءة، ما الذي نحتاجه، هل نكون نقادًا لما نقرأ، أم نكون متلقين فقط؟! إدوارد سعيد ميشيل فوكو