أصبحت قضية اللاجئين القضية الإنسانية والسياسية الأكثر لفتاً للنظر خلال الأعوام القليلة السابقة، فمن جهة هي قضية عاجلة لا تستطيع دول العالم سواء النامي أو المتقدم أن تتخلص من عُقدتها في الشعور بالذنب بسبب صمتها المُتواصل وترك الناس للموت، ومن جهة أخرى فإن الأحوال في البلاد التي أضحت تصب مواطنيها كلاجئين صبّاً في البحر، لم تزل غارقة في التعثر بلا أمل في حل. وسط هذا وذاك يقف المُهاجر وحيداً بفرص قليلة لاستمرار الحياة في هذا العالم القاسي، وتتباين ردود أفعاله، هُناك مَنْ يحلم فقط بالنجاة والعيش بأقل قليل العيش، كأبطال الفيلم الوثائقي «ملكات سورية» مثلًا، وهُناك آخرون يحلمون بحياة أفضل وأرحب وليس النجاة فقط، فيلم «من جانب العروس» الوثائقي أيضاً من إنتاج إيطالي فلسطيني، هو فيلم يحكي عن النوع الثاني من المُهاجرين، الفيلم عُرض ضمن فاعليات الدورة الأخيرة من بانوراما الفيلم الأوروبي، وهو عن صحافي فلسطيني وآخر إيطالي يعيشان في ميلانو، ويقرران أن يخوضا رحلة مع مجموعة من المهاجرين السوريين كي يصلا بهم إلى السويد، حيثُ ربما تكون الحياة أفضل بعد الحصول على اللجوء. مخاطرة الفيلم الذي يُعتبر مخاطرة غير مأمونة العواقب، إذ كان يُمكن أن يتعرض الصحافيان للسجن المُشدد لو تم اكتشاف أمرهما، يُعتبر تسجيلاً طويلاً لساعات الرحلة بين البلاد انطلاقاً من ميلانو وصولاً إلى السويد. اشترك في إخراج الفيلم أنتونيو أوجوجليارو وغابرييل دي غراندي وخالد سليمان النصيري، والأخير هو الصحافي الفلسطيني الذي تمكن من الحصول على الجنسية الإيطالية أخيراً وعلم بالخبر في بداية الرحلة، وهو أحد أبطال الفيلم. رغم أن الأبطال، هؤلاء المُهاجرين الذين يرغبون في الوصول إلى السويد، يقومون برواية الأوقات الأكثر صعوبة التي مرّوا بها قبل الوصول إلى إيطاليا أيام كانت الحياة مُهددة، أو يحكون عن الآخرين الذي قضوا أمام أعينهم ولم يبق منهم حتى ما يدل على شخصياتهم، وعلى رغم هذا الطابع الحزين في الحكايات التي نسمع المُرتحلون يرددونها، فإن الفيلم نفسه هو في جانب الرحلة الآمنة، فالكاميرا لا أحد من السُلطات الأوروبية يوقفها، حيث لا نرى أفرادها تقريباً طوال الفيلم، إلى جانب هذا فإن الأبطال يرتدون ملابس مُرتبة ويحصلون على الراحة والطعام بانتظام، وهم يحلمون بلحظة الوصول إلى السويد. اختيار السويد تحديداً هو اختيار انتقائي، فالسويد معروفة بارتفاع مستوى المعيشة، عكس إيطاليا مثلاً التي امتلأت أراضيها بأكثر مما تستطيع احتماله من المُهاجرين خلال الأعوام الماضية، وهكذا فإن الرحلة التي تم توثيقها في هذا التسجيل الطويل، أثارت في رؤوس المُتفرجين في قاعة السينما ساعة عرض الفيلم ضمن عروض البانوراما، أسئلة تتعلّق مثلاً بعدم وجود مصاعب حقيقية في هذه الرحلة التي تظهر على شاشة الفيلم، بينما يتحدث الأبطال جميعاً عن عنت أوروبي غير مُبرر في استقبال اللاجئين، كما أُثير سؤال حول طموح هؤلاء المُهاجرين المُرتفع، والذي يتجاهل إلى حد ما أزمات الوطن الكبير، ويحلم بغدٍ رغدٍ. حقّ طبعاً، من حق اللاجئين أن يطالبوا بحياة جيدة، لكن المنحى الميلودرامي الذي أخذه الفيلم بتركيزه على لحظات بكاء أبطاله، أو إصرارهم على استدعاء الموتى كي يُصبحوا شركاء في شريط سينمائي ينتصر لأعلى مستويات الحياة، هو ما صنع نوعاً من التُناقض في الانطباع الذي يولده الفيلم عند المُشاهدة، كانت المخاطرة كبيرة، وقد كان يُمكن أن تُكشَف بسهولة، لكنها مع ذلك تميل لكونها مُغامرة تُعاند القوانين أكثر منها تبكي على أحد، الصوت الأكثر وضوحاً في الفيلم هو صوت الرغبة العارمة في الحياة وهي رغبة مُقدرَة من دون أن يتم تبريرها باستدعاء مُبالغ فيه لألم الموتى أو الأحياء. عموماً حصل الفيلم على جوائز سينمائية عدة منها جائزة هيومان رايتس نتوورك في مهرجان فينسيا السينمائي الدولي تحية للمُغامرة في سبيل حياة أفضل.