يبدو أن الدورة الجديدة من بانوراما الفيلم الأوروبي التي تُقام في الفترة من 25 تشرين الثاني (نوفمبر) إلى 5 كانون الأول (ديسمبر) ستكون الأكثر لفتاً للأنظار في عُمر الفعالية السينمائية التي بدأت كمُبادرة من المُنتجة ماريان خوري قبل أعوام، وتمكنت هذا العام من الاتفاق على تقديم عروضها في القاهرة وثلاث مدن مصرية أخرى هي الإسكندرية وطنطا والمنيا. اللافت في هذه الدورة ليس فقط ما تُقدمه على مستوى التوسع الجغرافي للبانوراما خارج حدود العاصمة، ما يعني الوصول إلى جمهور جديد لم تكن البانوراما تستهدفه قبل ذلك، وربما هو جمهور منسي من الاهتمام بالنشاطات السينمائية في مصر، لكن أيضاً ما يتعلق بالظرف السياسي والاجتماعي الذي تُقدم خلاله البانوراما عروضها، حيث إن وسط أجواء دولية من عدم الاستقرار ووقوع أعمال إرهابية مُتتالية يردُ اسم مصر في متنها، تبدو الفعالية كرسالة عن قدرة الفن السابع على تقديم وجه ناعم من المقاومة. ثمة أكثر من ستين فيلماً في انتظار العرض، أفلام مُنوعة بين الروائي القصير والطويل والأفلام التسجيلية، تم اختيارها من أكثر من عشرين دولة أوروبية، منها دول جديدة تماماً على المُتفرج المصري مثل قسم سينما دول البلقان. ثقافات تلعب السينما هذا الدور في الجمع بين الثقافات، وربما تكون الدورة الأخيرة من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي هي محاولة على النسق نفسه، كانت تحتاجُها مصر بشدة، لكن ما يُميز البانوراما عن المهرجان الدولي في هذا السياق هو التمويل أولاً، فالبانوراما مدعومة من الاتحاد الأوروبي ومن وزارتي السياحة والثقافة، مما يوسع مجالات الاختيار في الأفلام المُشاركة بعيداً عن قيود لوائح المهرجانات. كما أن الخروج إلى مُحافظات أخرى هي نقطة مُضافة لصالح البانوراما، لصالح المُتفرج قبل كل شيء، وهذه خطوة لا يستطيع المهرجان أن يُحققها. من ناحية أخرى، التوسع في عروض البانوراما أظهر آثاره داخل القاهرة أيضاً ثمة أكثر من نافذة لعروض البانوراما؛ أولها «زاوية» وهي نقطة الانطلاق الأساس للعروض، وكانت زاوية قد تحملت فعاليات العام الماضي من البانوراما لأول مرة، وها هي تتبنى أفلام البانوراما للمرة الثانية بعد أن تمكنت من نيل شهرة أكبر كأول دار عرض مُخصصة لعروض الأفلام الفنية أو السينما البديلة في مصر، تُدخِل زاوية جمهورها الخاصّ الذي تمكنت من تنميته طوال عامٍ كامل، إلى مساحة جمهور البانوراما الأوروبية، وهو جمهور لديه خبرة سابقة في الانخراط في فعاليات مُشابهة مثل فعالية مزج التي أقيمت في شهر أيار (مايو) الماضي للأفلام التسجيلية بأنواعها، أو فعالية أسبوع أفلام النُقاد في مهرجان كان الذي تم بالتعاون مع المعهد الفرنسي، إضافة إلى فعاليات أخرى حققت تفاعلاً جيداً مع الجمهور. وإذا كانت هذه هي الظروف العامة والخاصّة التي تدفع لمُشاهدة السينما، من المنطقي أن السينما التُجارية سواء الأميركية أو المصرية لم تعد هدفاً جيداً أو مُناسباً للمزاج المُتفرج ولم تعد الكلمة «مُتفرج» تعني جمهور النُخبة أو المُثقفين. بالطبع ليست زاوية فقط هي التي تضطلع بإعادة رسم خريطة الإقبال على البانوراما الأوروبية، على الخريطة أيضاً معهد «غوتة» الألماني الذي أطلق خلال شهر أيلول (سبتمبر) الماضي فعالية ناجحة أخرى هي «أسبوع الفيلم الألماني»، على طول أسبوع كانت العروض تتم في قاعة مُخصصة في المكتبة وفي الفناء الخلفي للحديقة بحضور كبير، دفع «غوتة» إلى إرساء فعالية سينمائية مُنتظمة بعنوان «الاثنين في البُستان» يُعرَض خلالها فيلم ألماني أو فيلم تشترك ألمانيا في إنتاجه، وينطبق الأمر نفسه على المعهد الفرنسي الذي يُقيم برنامج ثابت للسينما شهرياً، ومن المنطقي أن الثقل الجماهيري الذي تجتذبه هذه المراكز سوف يدعم عروض البانوراما. وإذا كانت هذه هي المؤشرات التي تتعلق بحجم الجمهور المتوقَع، واحتياجاته من السينما في تشكيل ظاهرة البانوراما هذا العام، فالمؤشرات التي تتعلق بالمضمون السينمائي الذي سيتم تقديمه هي مؤشرات تميل إلى التفاؤل أيضاً. فالبانوراما التي أضاءت العام الماضي على السينما السويسرية تعرض هذا العام أفلام صربيا وكرواتيا وسراييفو، والأمر نفسه الذي حاول أن يُحققه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي أُختتم قبل أيام قليلة من بدء دورة البانوراما، وتشترك الفعاليتان، رُبما من دون تخطيط مُسبق في عرض الفيلم الكرواتي «الشمس الساطعة» من إخراج داليبور ماتانيتش الذي حصل على جوائز دولية رفيعة، وبالتالي فإن مَنْ فاتهم الفيلم يُمكنهم تعويض المُشاهدة في البانوراما. تشكيل الذائقة هذا إضافةً إلى استمرار أقسام مُعينة أصبحت قادرة على اجتذاب جمهور، يُمكن أن يُشكل ذائقة في المُستقبل، أعني قسم «موعد مع الفيلم الوثائقي» الذي تعوِّل إدارة البانوراما كثيراً على الإقبال الجماهيري عليه، بناءً على تجارب سابقة، من المُفاجآت السارة في هذا البرنامج عرض أفلام المخرج الفرنسي نيكولا فيليبير منها «أرض الصُم»، و»بيت الراديو». كذلك تُعتبر الاحتفالية التي تُقام للمُخرج البرتغالي الراحل «مانويل دي أوليفييرا» واحدة من الظواهر المهمة في دورة هذا العام، إذ سيكون بالإمكان عرض بضع أفلام له منها «فال إبراهام» و»رحلة إلى بداية العالم». ربما يكون استمرار بانوراما الفيلم الأوروبي على مدار هذه الأعوام الماضية هي رسالة تتعلق بقُدرة الفن على الاستمرار وسط أصعب الظروف الإنسانية، ويُمكن العودة بالشريط قليلاً والإشارة إلى الدورة التي أُقيمت في تشرين الثاني من العام 2012، حيث كانت الأفلام الأوروبية تُعرَض على بُعد أمتار مما سيُعرف لاحقاً بأحداث محمد محمود. ماريان خوري صرّحت في المؤتمر الصحافي الذي أُقيم عن البانوراما في سينما كريم في الثاني من تشرين الثاني أنها سعيدة بالتوسع الذي تعيشه البانوراما هذا العام بدعم من شركائها.