اتفق القادة الأوروبيون على خطة لإنقاذ اليونان من احتمال التوقف عن تسديد ديونها، يعاونهم صندوق النقد الدولي، وأرفقوا الخطة ببرنامج بقيمة تريليون دولار لمنع المشكلة من التمدد إلى بلدان أخرى في منطقة اليورو، لكنهم اختلفوا على تشخيص أسباب المشكلة التي بدأت في اليونان وبدأت تصيب إسبانيا والبرتغال وتهدد إرلندا وإيطاليا. ليس الواقع معقداً كما يبدو. فأوروبا تعرضت وما تزال لعدوى المشكلة اليونانية لأن الحوكمة والنظام المالي في القارة ضعيفان. فالإشراف الأوروبي الضعيف على المالية العامة هو ما سمح لبلدان مثل اليونان بمخالفة قواعد الاتحاد الأوروبي حول حجم العجز في موازناتها. وفاقم المستثمرون المشكلة، فحين تدنت قيم قروضهم لليونان، اضطروا إلى خفض حجم محافظهم ومخاطرتها بأن باعوا أصولاً أخرى تمثّلت في ديون البرتغال وإسبانيا. بدأت المشكلة في تشرين الثاني حين أعلنت الحكومة اليونانية الجديدة أن نسبة العجز في موازنتها إلى الناتج المحلي الإجمالي في البلاد لعام 2009 سيبلغ 12.7 في المئة، أي أكثر من ضعف النسبة التي توقعتها الحكومة السابقة وأكثر من ثلاثة أضعاف النسبة التي يسمح بها الاتحاد الأوروبي. وصعدت أسعار الفوائد على السندات الحكومية اليونانية لتتجاوز تلك الخاصة بنظيرتها الألمانية القياسية. وفي ما يشبه الحلقة المفرغة، زادت أسعار الفوائد الأعلى العبء الائتماني اليوناني، ما رفع احتمالات التوقف عن الدفع وجعل مؤسسات التصنيف الائتماني تخفض تصنيف اليونان. وبعيداً عن لوم "الآخر"، وهو هنا يتمثّل بالمستثمرين، لا تملك البلدان الأوروبية التي تعاني حالات عجز مرتفعة إلا أن تخفض النفقات وتعزز الواردات في وقت تعاني فيه اقتصاداتها نمواً بطيئاً أو حتى ركوداً. وليس أكيداً أن اليونان، مثلاً، ستتمكن من الحفاظ على التماسك الاجتماعي المطلوب لتمرير سياسات تقشف قاسية. وليس أكيداً أيضاً إن كانت ألمانيا، التي تحمل جزءاً كبيراً من نير خطتي إنقاذ اليونان وأوروبا، ستمضي في إقراض اليونان إن لم تفِ الأخيرة بتعهداتها بزيادة التقشف. ويشبّه كثيرون الاتحاد الأوروبي اليوم بالولاياتالمتحدة بين عامي 1781 و1788 حين كانت ما تزال كونفيديرالية وليس فيديرالية كما هي اليوم. ففي ذلك الحين، لم تكن الحكومة المركزية تملك سلطة فرض الضرائب بل كانت تعتمد على مساهمات مالية من الولايات. وفي العام 1780، حذّر ألكسندر هاملتون الذي أصبح لاحقاً أول وزير للخزانة في البلاد من "أن أي حكومة لا تحصل على عائدات لا تملك أي سلطة، فمن يتحكم بكيس المال هو من يحكم". هذا ما تكتشفه أوروبا بعد نحو قرنين ونصف القرن. هي في حاجة ماسة إلى حكومة مركزية موحدة تملك سلطة فرض الضرائب والإنفاق وتستطيع بالتالي أن تمنع حكومات الدول الأعضاء من تجاوز الضوابط على صعيد المالية العامة، وهذا التجاوز تحديداً هو ما خلق المشكلة في الأساس. لكن هل إقامة حكومة أوروبية مركزية من هذا النوع ممكنة سياسياً؟