بعد أن ينهي معلم المدرسة محمد (47 عاماً) عمله في إحدى المدارس الحكومية في مدينة رام الله، يتوجه إلى إحدى المؤسسات المحلية، ويعمل فيها منظفاً بسبب الحاجة والفقر. يقول موضحاً: «لدي خمسة أبناء وبنات، جميعهم طلاب في المدارس والجامعات، وراتبي الشهري لا يتعدى 700 دولار، وهو مبلغ لا يكفي لسد الحاجات الأساسية، لذلك كان لا بد لي من البحث عن عمل إضافي، ولم أجد سوى هذا، عامل نظافة». ويعمل محمد في عمله الإضافي في تنظيف الحمامات والأرضيات والمطبخ لمؤسسة تشغل طبقة كاملة في إحدى البنايات الحديثة في المدينة. ويقول: «أعمل هنا لمدة ثلاث ساعات، من خلال شركة تنظيفات، وأتلقى منها راتباً شهرياً مقداره 220 دولاراً، وهو مبلغ يساعدني في سد حاجات أسرتي». وأضرب المعلمون في المدارس الحكومية الأسبوع الماضي لمدة يومين ونصف اليوم، وهددوا بمواصلة الإضراب، واعتصم نحو 20 ألفاً منهم قدموا من أنحاء البلاد أمام مقر رئاسة الوزراء في مشهد بدا مهيباً. وتوصلت الحكومة إلى اتفاق جديد مع اتحاد المعلمين ليل الخميس - الجمعة، لكن لجاناً محلية شكلها المعلمون في المحافظات المختلفة أعلنت عدم رضاها عن الاتفاق، مؤكدة أنها ستواصل الاحتجاجات، لكنها لن تقدم على الإضراب المفتوح. ويطالب المعلمون بمساواتهم مع باقي الموظفين في الحكومة، وبإجراء انتخابات جديدة لاتحاد المعلمين، متهمين الهيئة الإدارية الحالية للاتحاد بموالاة الحكومة على حساب قضاياهم. وقال عمران معالي أحد أعضاء اللجنة المحلية للمعلمين في رام الله: «الاتفاق جزئي ولا يلبي مطالب المعلمين، سنواصل المطالبة بحقوقنا، لكننا بالتأكيد لن نلجأ إلى الإضراب المفتوح الذي يحلق ضرراً فادحاً بالعملية التعليمية». ويبلغ عدد المعلمين في المدارس الحكومية الفلسطينية أكثر من 60 ألفاً، منهم 40 ألفاً في الضفة الغربية و20 ألفاً في قطاع غزة. ويبلغ عدد طلاب المدارس الحكومية أكثر من 700 ألف. وقال وزير التربية والتعليم الدكتور صبري صيدم أنه يتفهم مطالب المعلمين، لكن موازنة السلطة تحول دون تلبيتها بالكامل. وقدم اقتراحات أدت إلى التوصل إلى حل جزئي. وأكد ممثلون عن المعلمين أن المشكلة الأساسية التي يواجهونها تكمن في عدم وجود سلم وظيفي لتطوير مكانتهم، مطالبين بمساواتهم بباقي الموظفين في الحكومة. وقال معالي: «المعلم يبقى معلماً، في حين أن الموظف في وزارات أخرى يبدأ موظفاً، ثم رئيس قسم، ثم مديراً، ثم مديراً عاماً». وأضاف: «متوسط الرواتب بين المعلمين لا يزيد عن 700 دولار، وهو مبلغ متواضع جداً لا يكفي مصروفاً شخصياً للأبناء، ما يضطر الكثيرين للبحث عن فرص عمل أخرى بعد الدوام». ويعمل كثرٌ من المعلمين، بعد الدوام، في مهن إضافية متواضعة، مثل سائق تاكسي أو بائع في محل أو عامل تنظيفات. ويقول المعلمون أنهم لم يعودوا يجدون فرص عمل إضافية بعد الدوام بسبب ارتفاع معدلات الطلب وقلة العرض. ووفق الجهاز المركزي للإحصاء، فإن البطالة في الضفة وقطاع غزة وصلت إلى 25 في المئة، علماً أنها تبلغ في غزة نحو 39 في المئة، وفي الضفة 18 في المئة. ورفع المعلمون في الاعتصام الكبير الذي نفذوه أمام مقر الحكومة شعارات، منها: «كرامة الوطن من كرامة المعلم»، و «انطلق ربيع المعلم الفلسطيني». وقال رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمدالله في بيان له أن حكومته تعمل على إنصاف المعلمين وتطوير العملية التعليمية، لكنها تواجه مشكلات مالية تحول دون منح المعلمين كامل حقوقهم. وقال الحمدالله أن الدعم الدولي للسلطة الفلسطينية تراجع بصورة ملموسة، عازياً ذلك إلى مواقفها السياسية. وقال: «لم نتلقَّ العام الماضي سوى 685 مليون دولار من أصل 1,2 بليون دولار كانت تعهدت بها الدول والجهات المانحة». وقال أن الإضراب يلحق ضرراً هائلاً بالعملية التعليمية، وأن تعطيل الدراسة ليوم واحد يعني هدر أكثر من مئة ألف حصة دراسية في محافظات الوطن. واعتقلت السلطة الفلسطينية 25 معلماً من قادة الإضراب نهاية الأسبوع على خلفية «إلحاق الضرر بالعملية التعليمية»، لكنها عادت وأطلقت سراحهم قبيل التوصل إلى الاتفاق مع اتحاد المعلمين، وبعد تعرضها لانتقادات محلية ودولية واسعة. وقال رئيس الوزراء في بيانه: «الحكومة تحترم في شكل مطلق وكامل، الحقوق النقابية للمعلمين، بما فيها الحق في الإضراب وفق القانون، لكن هناك فرقاً جوهرياً بين حق المعلمين المشروع للمطالبة بتحسين ظروف عملهم، وبين اتخاذ خطوات غير نقابية ومسيّسة تؤدي إلى تعطيل عمل مؤسساتنا وتراجع عملها». ولاقى اعتقال المعلمين استنكاراً واسعاً في المجتمع الفلسطيني. وقال مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان في بيان له: «يجب احترام الحق في الإضراب المكفول في القانون الأساسي الفلسطيني المعدل وعلى قاعدة الاتفاقات والمعايير الدولية لحقوق الإنسان التي انضمت إليها دولة فلسطين من دون تحفظات». وأردف: «نؤكد أن أي اعتقال في صفوف المعلمين على خلفية ممارسة الحق في الإضراب وفاعلياته يندرج في إطار الاحتجاز التعسفي وفق تصنيف فريق الأممالمتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي».