لم يعد نفر من الجيل الجديد في منطقة الجنوب السعودية يحن إلى خبز أمهاته ولا إلى قهوتهن الجبلية ولا إلى أسمائهن، لافتتانه باللغات الأجنبية والمأكولات والمشروبات الوافدة، واختيار الأسماء «المودِرْن» لأبنائه وبناته لمنحهم شعوراً بالاستقلالية وإن أماتت الذاكرة. حين حاولت الجدة سعدى أن تلفظ اسم حفيدتها الأولى ميرال أعيتها صعوبة المفردة وغرابة اللفظ، ما دفع الحفيدة إلى تجاهل جدتها، لأنها لم تتقن نطق اسمها. فتأوهت سعدى شجناً ورددت: «الله لا يعيدك من جيل غيّر اسمه ورسمه». وشهدت مناطق الجنوب منذ مدّ الطفرة الأولى، تحولات اجتماعية لافتة للمعنيين برصد الحراك الاجتماعي، لم تسلم منها عادة تفويض الكبار اختيار أسماء المواليد الجدد. ففي منطقة عسير يرى الباحث الشعبي علي الألمعي تلاشي بعض القيم المجتمعية، ما أدى إلى اندثار أسماء حميمة وأثيرة، لارتباطها باليومي والمعاش من زراعة ورعي ومطر، ومنها: زهبة، ونالة، وفلوة، ونمشة، وزَرْعة، مشيراً إلى العلاقة الوثيقة بين فقدان الهوية وإحلال الأسماء المستوردة من خارج البيئة المناطقية على شاكلة: الهنوف، الجازي، العنود، وريناد. ويرى الشاعر عبدالرحمن موكلي أن «تحديث المجتمع أسهم في الإخلال بعدد من المنظومات البشرية»، مؤكداً أن أمهات اليوم في منطقة جازان يتبرمن ضيقاً من تسميات لها امتدادها في الوعي العام ومنها: عيشة، حسان، على الله، وحليمة ويستبدلنها بريهام وأصالة...، أملاً بألا تفقدنا الهويات المستوردة هويتنا المحلية. ويرجع الباحث الاجتماعي محمد ربيع التحوّل في اختيار أسماء وافدة للمواليد من الجنسين إلى وسائل الإعلام والفضائيات منها خصوصاً، كونها نشرت أسماء مشاهير من مذيعين ومذيعات وممثلين ومطربين، لافتاً إلى أن لكل عصر موضته الخاصة به، وواصفاً الأسماء الجديدة بال«كيت كات»، لتزامنها مع ظهور ماركات وصناعات جديدة في كل مناحي الحياة وأكد تقبله برحابة صدر للتمظهرات المستحدثة في واقعنا، وإن أرغمته على شرب كؤوس الخيبات. وأوضح مصدر في «الأحوال المدنية» أن إدارة قسم المواليد تضج يومياً بأسماء يتعذّر على المبلغين عنها نطقها، ومنها: ريتال، وديالا، وفرات، ونانا، وتيم، وملاذ، ولاتين، وتولين، وسولاف، وبيسان، وميرال، مؤكداً تراجع أهالي الجنوب عن التسمية بأسماء جداتهم وأمهاتهم، ومتوقعاً استغناء الجيل الجديد كلياً عن تسمية أولادهم بالأسماء التقليدية ومنها صندلة ودرويشة وفضيلة ورفعة وخضراء. ويزيد أن معظم الآباء يتراجعون عن الأسماء المدوّنة مرات عدة، ما يقلق المعني بتدوين الأسماء في السجلات، في إشارة إلى تفشي ظاهرة المستورد على حساب المحلي، وأن التعليمات تنصّ على منع التسمّي ب«ملاك» للإناث، و«البراء» للذكور، والمُعرّف بالألف واللام عدا الوليد والحسن والحسين. الجد سعيد الغامدي يذهب إلى عدم افتتانه بأسماء «الإناث» التي لا تسكن صدر الرجل ولا تختلط بأنفاسه، داعياً إلى التذكير بأن «الأسامي كلام».