هيمن ملف «سد النهضة» الإثيوبي على محادثات منفصلة أجراها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع نظيره السوداني عمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبي هيلي ماريام ديسالين، على هامش القمة الأفريقية التي اختتم اجتماعاتها في أديس أبابا أمس. واتفق الثلاثة على ضرورة «تخطي العقبات التي تواجه مفاوضات السد، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي». وجاء اللقاءان في وقت يعكف الخبراء في القاهرةوالخرطوموأديس أبابا على دراسة العروض التي تقدم بها مكتبان استشاريان فرنسيان مكلفان بوضع الدراسات الفنية لتأثيرات السد الإثيوبي على مصر والسودان، قبل اجتماع تستضيفه الخرطوم الأسبوع المقبل يضم أعضاء اللجنة الفنية من البلدان الثلاثة لمناقشة المكتبين في تفاصيل العقد الذي يفترض توقيعه قبل منتصف الشهر الجاري. وقلل وزير الري المصري حسام المغازي في تصريحات من القاهرة، من مخاوف إطالة مدة التفاوض ووضع الدراسات الفنية بالتزامن مع مضي الجانب الإثيوبي في إجراءات بناء السد، مؤكداً أن الاتفاق الموقع بين القاهرةوأديس أبابا تتعهد فيه الأخيرة «عدم البدء في تخزين المياه قبل انتهاء الدراسات الفنية المتوقعة قبل نهاية العام الجاري». لكنه لفت إلى أن الدراسات لن تتم على حجم بناء السد وإنما على سعته التخزينية، وفترات الملء والتوقيتات التي سيسمح بها للتخزين، مشيراً إلى أن خبراء وبرلمانيين وإعلاميين مصريين «مدعوون إلى زيارة السد هذا الشهر في خطوة تعبر عن حسن النيات». ووفقا لبيان رئاسي مصري، فإن السيسي دعا رئيس الوزراء الإثيوبي خلال اجتماعهما إلى «ترجمة الروح الإيجابية والبناءة التي سادت بين الجانبين، إلى خطوات عملية في جوانب العلاقات الثنائية كافة والاستمرار في التنفيذ الكامل لاتفاق إعلان المبادئ وإتمام المراحل الفنية المختلفة المتصلة بمشروع سد النهضة بما يضمن مصالح مصر المائية ومساعي إثيوبيا التنموية»، مؤكداً «حرص مصر على تطوير العلاقات التي تجمعها بإثيوبيا، والتي تقوم على التعاون والاحترام المتبادل وتحقيق المصالح المشتركة». وذكر بأن «ما يجمعهما من نهر واحد يُمثل شريان الحياة بالنسبة إلى مصر». ونقل البيان تأكيد ديسالين «حرص بلاده على عدم الإضرار بمصالح مصر المائية، وعلى وحدة المصير والروابط المشتركة بين البلدين، والتزام إثيوبيا التام باتفاق إعلان المبادئ، كما عبر عن ثقته في التوصل إلى حلول تحقق مصالح جميع الأطراف، وعبر عن التزام بلاده تعزيز التعاون مع مصر في شتى المجالات، بما في ذلك مكافحة الإرهاب والتطرف، وتطلعه إلى تعزيز الاستثمارات المصرية في إثيوبيا». ولم توضح الرئاسة المصرية تفاصيل محادثات السيسي وديسالين في شأن «سد النهضة» وما خلصت إليه، واكتفت بالإشارة إلى أن اللقاء «تناول أيضاً سُبل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، واتفق الجانبان على عقد اللجنة المشتركة للارتقاء بأطر التعاون الثنائي في مختلف القطاعات. كما تناول أهمية تعزيز التنسيق والتشاور بين مصر وإثيوبيا في شأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك». وأوضح وزير الخارجية المصري سامح شكري إن لقاء السيسي مع ديسالين «تناول موضوع مياه النيل والتزام الطرفين بالبرنامج الإطار لإعلان الخرطوم الذي وقع في آذار (مارس) الماضي، وتنفيذه بالكامل وبحسن نية، والعمل على تخطي أي عقبات تنشأ على هذا المسار المتصل بالتعاون». وأشار شكري في تصريحات نقلتها وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية من أديس أبابا إلى أن ديسالين «أكد تفهمه الكامل لما تمثله مياه النيل للمصريين، كونه شريان الحياة، وتفهم القاهرة كذلك لحق بلاده في التنمية». ورأى أن القلق الذي يراود الرأي العام المصري تجاه سد النهضة «قلق مشروع، نظراً إلى ما يمثله نهر النيل كمصدر حياة للمصريين، لكن لا بد من النظر إلى الأمور بموضوعية، من أجل العمل على إقامة علاقة شراكة بين الأطراف الثلاثة، بعد سنوات طويلة من الشك المتبادل». وكان لقاء جمع السيسي بالرئيس السوداني أول من أمس على هامش القمة الأفريقية، بحث في «آخر التطورات في المنطقتين العربية والأفريقية، ولا سيما الوضع في ليبيا». ورحب الرئيسان بالتوقيع على «اتفاق الصخيرات» للمصالحة في ليبيا باعتباره «خطوة مهمة على طريق استعادة الأمن والاستقرار في هذا البلد الشقيق»، كما أكدا مساندتهما حكومة الوفاق الوطني والمجلس الرئاسي المنبثقين من الاتفاق، «والجهود الرامية إلى تلبية تطلعات الشعب الليبي في تحقيق المصالحة الوطنية والحفاظ على وحدة أراضي ليبيا وسيادتها وسلامتها الإقليمية». ونقل بيان رئاسي مصري تأكيد البشير «وقوف بلاده إلى جانب مصر وحرصها على عدم إلحاق أي ضرر بمصالحها»، فيما أكد السيسي «أهمية الارتقاء بمختلف مجالات التعاون، وأهمية الإعداد الجيد لعقد اللجنة العليا المشتركة على مستوى القمة من أجل ضمان تحقيق النتائج المرجوة، فضلاً عن استمرار التنسيق والتشاور بين البلدين على المستويات كافة في مواجهة التحديات المشتركة المتزايدة، والعمل معاً من أجل تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة العربية والقارة الأفريقية». ونوه إلى «أهمية العمل على دفع وتطوير العلاقات التجارية بين مصر والسودان، وتحقيق نقلة نوعية في التعاون الاقتصادي بما يتناسب مع الإمكانات الضخمة التي يتمتع بها البلدان، وما يجمعهما من تقارب ثقافي وحضاري». وبالمثل، أكد البشير حرص السودان على «تعزيز التعاون بين البلدين في المجالات كافة، ودعم التنسيق المشترك بينهما على مختلف الصعد العربية والأفريقية»، مشيراً إلى «عمق العلاقات التي تجمع بين شعبيّ وادي النيل». كما التقى السيسي أمس رئيس فريق المفاوضين لجنوب السودان نيال دينق نيال، ووزير خارجية جنوب السودان برنابا بنيامين. وعرض نيال «آخر تطورات تنفيذ اتفاق التسوية السلمية للأزمة في جنوب السودان الذي تم توقيعه في آب (أغسطس) الماضي»، معرباً عن «تطلع بلاده لمساهمة مصر في جهود تحقيق السلام ومواصلة تعزيز التعاون مع مصر في مختلف المجالات». وأكد السيسي دعم مصر «الجهود المبذولة كافة لإعادة السلام والاستقرار إلى جنوب السودان، وخصوصية العلاقات التي تربط مصر بهذا البلد الشقيق والتاريخ والروابط المشتركة التي تجمعهما»، كما أكد «دعم مصر جهود الوفاق الوطني من أجل تدشين الحكومة الانتقالية، بما يعيد الأمن والاستقرار إلى جنوب السودان». والتقى الرئيس المصري أيضاً على هامش القمة الأفريقية نظيره النيجيري محمد بخاري. وركز اللقاء على «جهود مكافحة الإرهاب»، بحسب بيان مصري. وأشاد السيسي ب «الإنجازات العسكرية التي حققتها الحكومة النيجيرية خلال الفترة الأخيرة وتمكنها من القضاء على الجماعات الإرهابية في عدد من المناطق في نيجيريا»، مؤكداً «أهمية تعزيز التعاون بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، مع التأكيد على ضرورة تناول البُعد الفكري والعقائدي وتصويب الخطاب الديني من المفاهيم المغلوطة التي يستغلها الإرهابيون في نشر فكرهم المتطرف». وأكد الرئيس النيجيري «أهمية مواصلة جهود تصويب الخطاب الديني ومواجهة الممارسات المُخالفة لصحيح الدين». وهيمن الملف الاقتصادي على لقاء السيسي برئيس البنك الأفريقي للتنمية أكينومي أديسينا، وأبدى السيسي تطلع مصر إلى «توسيع مجالات التعاون مع البنك الأفريقي واستكشاف مزيد من البرامج والمشاريع التي يمكن للبنك المساهمة في تمويلها في مصر، واقترح قيام البنك بتمويل مشاريع مشتركة تخدم دولاً عدة، خصوصاً في مجالات النقل والزراعة».