لم يعد لافتاً مشهد التظاهرات والتجمعات الاحتجاجية في مصر التي انتشرت تحت وطأة الغلاء وتدني الرواتب في الأعوام الماضية وكذلك ازدياد الحركات السياسية المطالبة بتعديل الدستور وإلغاء حال الطوارئ ومنح مزيد من الحريات، لكن الملاحظ أن نهج الدولة مختلف في التعامل مع هذين النوعين من التظاهرات، فالتظاهرات الاقتصادية ينظر إليها الحزب الوطني الحاكم على أنها «انعكاس لحال الحريات في البلاد»، أما الاحتجاجات السياسية فتعتبرها وزارة الداخلية «تكديراً لصفو الأمن العام». وفي حين يُسمح للمتظاهرين أصحاب المطالب الاقتصادية والاجتماعية بالمبيت أمام مقري البرلمان والحكومة في أهم شوارع القاهرة، تقمع قوات الأمن التظاهرات ذات المطالب السياسية وتحظرها وزارة الداخلية مسبقاً. غير أن هذا الحظر في حد ذاته بات مثاراً للجدل أكثر من التظاهرات نفسها، فاستخدام العنف ضد تظاهرة سياسية يستدعي تنظيم تظاهرة أخرى للتنديد ب «القمع»، كما تستدعي الدعوة إلى إطلاق النار على المتظاهرين تظاهرة للتنديد والشجب. وكانت تداعيات قمع تظاهرة «حركة شباب 6 أبريل» في الذكرى الثانية لانطلاق الحركة الشهر الماضي أشد وطأة على النظام من التظاهرة ذاتها، إذ أعاد عنف قوات الأمن ضد المتظاهرين السجال بين القاهرة وواشنطن في شأن الحريات بعدما رفضت القاهرة انتقاد وزارة الخارجية الأميركية الاعتقالات التي نفذتها قوات الأمن ضد ناشطي الحركة، كما أن تظاهرات ووقفات احتجاجية عدة انطلقت للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين والتنديد بتصرفات الأمن ضد المتظاهرين. ولم تمنع قوات الأمن تنظيم وقفة احتجاجية كبيرة أمس بالتزامن مع «عيد العمال» لتجمعات من العمال المعتصمين منذ شهور أمام مقر البرلمان، ضمت عمالاً من مصانع مختلفة وموظفين حكوميين، بل وسمحت قوات الأمن للصحافيين بالتحدث إلى المحتجين ولوسائل الإعلام المختلفة بتصويرهم من دون أي تدخل. وشارك مئات في التظاهرة التي نظمت للمطالبة برفع الحد الأدنى للأجور إلى 1200 جنيه (نحو 220 دولار)، بعد حكم قضائي حصل عليه «مركز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية» نهاية آذار (مارس) الماضي يلزم الحكومة بوضع حد أدنى جديد للأجور، بدل الحد الأدنى الحالي الذي وضع قبل 26 عاماً وهو 35 جنيهاً (6 دولارات). وعلى رغم كثافة التواجد الأمني في محيط موقع التظاهرة، إلا أن حالاً من الاسترخاء وعدم الاستعداد للجوء لأي نوع من أنواع العنف لوحظت أمس، على رغم بعض الاحتكاكات الخفيفة مع متظاهرين. وقال عادل إبراهيم، وهو عامل في أحد مصانع الأمين العام المساعد أمين التنظيم في الحزب الحاكم النائب أحمد عز، إنه وزملاءه لن ينهوا اعتصامهم إلا بعد الحصول على مستحقاتهم المالية كاملة. لكنه أضاف وهو يرفع لافتة كتب عليها «أحمد عز فوق القانون»، أن «قوات الأمن لا تتعرض لنا بأي مكروه». وخلافاً لذلك المشهد، يترقب الشارع السياسي ما ستسفر عنه مسيرة نواب المعارضة اليوم للمطالبة بتعديل الدستور وإنهاء حال الطوارئ بعد رفض وزارة الداخلية تنظيمها وإنذارها النواب عبر القضاء بأنه لن يسمح بتنظيم هذه التظاهرة السلمية بسبب ما قد تؤدي إليه من «تكدير صفو الأمن العام في العاصمة وتعطيل حركة المرور في الشارع، ما يؤدي إلى تعطيل مصالح المواطنين، ولدواعي الأمن والنظام». وحمّلت الوزارة «المنذرين» المسؤولية عن أية إجراءات تخالف ذلك. ورد النواب من جانبهم بالإصرار على تنظيم المسيرة التي قالوا إن 300 شخصية عامة ستشارك فيها. وطالب 27 نائباً في بيان وزارة الداخلية بعدم الاصطدام بالمظاهرة وحمايتها «تعبيراً عن صدقية النظام في ترحيبه بحال الحراك السياسي في مصر كما ورد على لسان الرئيس حسني مبارك». ودعا عضو مجلس نقابة الصحافيين القيادي في «الإخوان المسلمين» محمد عبدالقدوس خلال مشاركته في تظاهرة العمال أمس إلى المشاركة في تظاهرة اليوم. وقال للمتظاهرين إن «المطالب السياسية لا تنفصل عن المطالب الاقتصادية... حظر التظاهرات السياسية لن ينهي الحراك السياسي». وأضاف ل «الحياة» أن «النظام ينظر إلى التظاهرات ذات المطالب الاقتصادية والاجتماعية على أنها نوع من التنفيس، لذلك لا يحظرها لأنها موجهة ضد أسلوب الإدارة، أما التظاهرات السياسية فهي موجهة ضد النظام مباشرة وتمثل خطراً عليه، لذلك يتم حظرها من الأساس، لكن هذا الحظر لن ينهي حال الحراك السياسي لأن هذا الحظر يسبب مزيداً من الجدل والحراك». وشدد على أن تظاهرة اليوم سيتم تنظيمها «حتى لو أدت إلى مواجهة مع قوات الأمن». وقال النائب عن كتلة «الإخوان المسلمين» حمدي حسن أحد الداعين إلى تظاهرة اليوم إن «الحكومة تتعامل بمنهج وأسلوب مختلف مع المعارضين لها سياسياً، سواء نواب أو أحزاب أو جماعات، وتستخدم الذراع الأمنية وتعتمد المنهج البوليسي أو الإقصائي الاستبدادي في مجال العمل السياسي». واعتبر أن «قرار وزارة الداخلية منع التظاهرة السلمية المقررة اليوم يعد انحرافاً بالسلطة وتعسفاً في استخدام القانون ومخالفة للدستور». وأضاف: «القيام بتظاهرة أو مسيرة سلمية من أجل تقديم مطالب سياسية محددة، أياً كانت هذه المطالب، لا يدخل بأي حال من الأحوال في باب الفوضى أو الأنشطة المخلة بالأمن»، مستغرباً رفض الجهات الأمنية تنظيم التظاهرة.