لا يبدو كمال رؤوف، رئيس تحرير صحيفة «هاولاتي» المستقلة في السليمانية (كردستان العراق)، متفائلاً كثيراً بواقع الصحافة المستقلة في كردستان العراق. فبعد 112 سنة على إصدار مقداد مدحت بيك بدرخان أول صحيفة كردية باسم «كردستان» في القاهرة (مطبعة الهلال)، يرى رؤوف أن واقع الصحافة الكردية يتدهور نحو الأسوأ تدريجاً. «ولعل صورة الصحافي وهو يحمل قميصه الذي يحمل علامات قمع السلطات، والتي نشرناها في صفحتنا الأولى تؤكد رأينا»، يقول رؤوف. تصدر في كردستان العراق صحف ومجلات ومواقع أهلية مستقلة، لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة. فإلى صحيفة «هاولاتي» (المواطن)، تصدر صحيفة «آوينه» (المِرْآة) ومجلة «لفين» (الحركة). وتعتمد الصحف الأهلية على التمويل الذاتي من خلال الدعايات التجارية. وتعد صحيفة «هاولاتي» الوحيدة التي صدرت قبل سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين (2003)، إذ صدر عددها الأول في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2000. لكن ما هي مصادر أخبار الصحافة الكردية الأهلية؟ يوضح رؤوف أن العلاقات الشخصية تعتبر المصدر الأول، وكذلك «وجود شخصيات تناهض الفساد تساعدنا على الحصول على المعلومات». لكنه يشير إلى انه «مع شح المعلومات المتوافرة، فإن صحيفتنا تقف في الصدارة، من حيث الأنباء التي كان المواطن تواقاً إلى سماعها ولن يسمعها من الصحف الحزبية». تشكل الإعلانات التجارية المصدر المالي الأول بالنسبة إلى الصحف والمجلات الكردية الأهلية، ثم تأتي المبيعات في المرتبة الثانية. بالنسبة إلى صحيفة «هاولاتي»، يوضح رؤوف أن 40 في المئة من دخلها يأتي من الإعلانات، فيما نسبة ال 60 في المئة المتبقية تأتي من المبيعات التي تتجاوز ال 8 آلاف نسخة للصحيفة التي تصدر مرتين أسبوعياً، وتوزع في محافظات الإقليم كافة. لكن ثمة ما هو أشد وأعمق من المعاناة المادية، وهو «تعامل الصحافة الحزبية معنا ومع غيرنا»، بحسب تعبير رؤوف الذي يوضح أن «هذا التعامل ينبثق من منطق الوقوف ضد الصحافة الأهلية المستقلة واعتبار أن الأيدي الخارجية تقف وراءها وتنوي الشر بإقليم كردستان». ويضيف: «ليست معاناتنا كالتي تعاني منها قنوات الإعلام لدى «التغيير» (ويقصد بها حركة التغيير المعارضة التي ظهرت قبل أشهر) والجماعة الإسلامية (الكردستانية). فلدى هؤلاء شبكة اتصالات مع المسؤولين يستطيعون من خلالها الحصول على بعض المعلومات. ولكن دربنا أطول ومسيرتنا أشد بكثير منهم». ويكشف رؤوف «وجود مشكلة أخرى تكمن في إصدار الأحزاب الحاكمة مجلات وصحفاً خارج نطاق إعلامها الرسمي، للتمويه على الصحف المستقلة وتشويش صورتها، وهي ما يسمى هنا في الإقليم ب «صحافة الظل». إذ أقرّ عضو في المكتب السياسي للحزب الديموقراطي الكردستاني بوجود هذا النوع من الصحافة وأنها «قريبة منهم» على حد تعبيره. وعلى رغم ذلك، يرى رؤوف أن «الصحف الكردية الأهلية أو المستقلة تعتبر الأنشط. ولكن الصحف الحزبية توزع على الدوائر الرسمية اضطرارياً، أي على الدوائر الرسمية الحكومية الاشتراك في هذه الصحف «رغماً عنها». ومع ذلك، فان المواطن يشتري الصحف الأهلية التي كان سعرها أكثر بمرتين من سعر الصحف الحزبية. وكانت صحيفة «هاولاتي» عرضت في صفحاتها حالات البؤس الموجودة في كردستان العراق وكشفت الفساد الإداري في الإقليم، ما جعل الصحيفة في مرمى دعاوى قضائية عدة، بعضها ربحتها... وبعضها الآخر خسرتها وكبدتها غرامات مالية ضخمة وصلت إلى 13 مليون دينار عراقي. وفي 24 شباط (فبراير) الماضي، كانت الصفحة الأولى ل «هاولاتي» بيضاء بالكامل، «رداً على الانتهاكات التي تعرض لها مراسلونا أثناء تغطية الحملة الانتخابية»، كما يقول رؤوف الذي يشير إلى أن وكالات الأنباء العالمية نقلت الخبر مرفقاً بصورة الصفحة الأولى التي حملت المانشيت الآتي: «تملكون الأسلحة ونحن نملك القلم». ويصرّ رؤوف على متابعة العمل الصحافي المستقل، على رغم الظروف الصعبة المحيطة. يقول: «الدافع الأول والأخير، الذي يجعلنا مستمرين في عملنا الدؤوب، هو قراؤنا ومواطنو إقليم كردستان، الذين يقبلون وبكثافة على شراء الصحف المستقلة وقراءتها وتفضيلها مئات المرات على الصحف الحزبية إضافة إلى تشجيعهم وثنائهم لنا». ويضيف: «طموحنا هو الارتقاء بمستوى المجتمع ومساءلة المسؤولين مهما كانت مناصبهم في الدولة والحزب، كي لا يكونوا فوق القانون. وكشف الفساد والمفسدين وبؤرهم في الإقليم. وهدفنا الأساسي، هو خلق مجتمع مدني متطور مبني على أساس الحقوق والواجبات، بعيداً من الفساد والمفسدين».