دعت أكاديمية وناشطة حقوقية سعودية في مشروع «مدونة أسرية» إلى تجريد الرجل من الولاية والطاعة «المطلقتين» اللتين تقع تحت وطأتهما المرأة من دون حق، مطالبة في الوقت ذاته بعلاقات متكافئة بين الرجل والمرأة قبل الزواج وأثناءه وبعد فسخ العلاقة الزوجية، بهدف الحد من العنف الأسري ضد المرأة والطفل في السعودية. وقدمت الناشطة الحقوقية والكاتبة الصحافية الدكتورة أميرة كشغري مشروع المدونة خلال ورشة عمل نظمتها مدينة الملك عبدالعزيز الطبية في جدة أخيراً، ضمن فعاليات اليوم العالمي للخدمة الاجتماعية، مطالبة بتشكيل تحالفات من الجهات الحكومية وغير الحكومية وجماعات ضغط اجتماعية وإعلامية تتبنى مشروع المدونة لتحويل المدونة إلى نص قانوني ملزم (تلتزم به الدوائر الحكومية والمحاكم) ويتم تدوينه من أجل تنظيم علاقات الأسرة وفق مبادئ الشريعة الإسلامية. ووضعت منطلقات لمشروع المدونة تتضمن تجاوز مفهومي طاعة الزوجة للزوج والولاية المطلقة للرجل، وتسعى إلى مسؤولية مشتركة بين الزوجين والمساواة في الواجبات والحقوق والتخلي عن «مبدأ الطاعة»، إضافة إلى منح الولاية للأصلح أو الأقدر، ومنح المرأة الأهلية القانونية نفسها التي يملكها الرجل لعقد الزواج. وعرضت كشغري حججاً تدعم الحاجة إلى تطوير مدونة للأسرة، موضحة أن الحجة الفقهية تتمثل في أن «الشرع المطهر لا يمنع سن قوانين من قبل ولي الأمر يرى فيها مصلحة المجتمع ولا تتعارض مع ثوابته»، فيما تتمثل الحجة القانونية في «افتقار المحاكم السعودية إلى نص قانوني يمكن للمواطن اللجوء إليه»، إضافة إلى الحجة الحقوقية والمجتمعية إذ أدت الممارسات الفعلية في السابق إلى استمرار الظلم والعسف تجاه المرأة في قضايا الأسرة. وقالت: «إن الحاجة إلى مدونة الأسرة تنبع من أسباب عدة، أبرزها تباين الممارسات المجتمعية عن روح الشريعة، وارتهان الممارسات المجتمعية كثيراً إلى الأعراف في شؤون الطلاق والميراث والزواج، إضافة إلى تفشي ممارسات غير عادلة تجاه الطرف الأضعف في الأسرة (المرأة والطفل) وصعوبة حصول المرأة على أوراقها الثبوتية، وتباين الأحكام القضائية تجاه الحالات الأسرية، إلى جانب تأخر صدور نظام الحماية من الإيذاء وانتشار زواج القاصرات». وأضافت أن المدونة ستحمي المرأة قانونياً ،إذ لا تزال تعاني من نقص واضح في مواد القانون تطبيقياً في ما يتعلق بحماية المرأة، كجهلها بحقوقها عندما تتعرض للضرب أو الأذى الجسدي أو النفسي، وحالات التحرش للمرأة، إلى جانب انتشار الممارسات العرفية في المجتمع مثل: الطلاق بسبب عدم تكافؤ النسب، أو بسبب عدم التكافؤ الطائفي، وحالات الطلاق التعسفي وما يتبعها من حقوق المطلقة في النفقة وحضانة الأطفال، إضافة إلى انتشار حالات زواج القاصرات والتعسف في توزيع الميراث، وانتشار حالات العنف الأسري وزنى المحارم والتحرش الجنسي، وتزايد حالات العنف ضد الأطفال. وطالبت الدكتورة كشغري في مشروع مدونة الأسرة بقوانين تضمن علاقات متكافئة بين الرجل والمرأة قبل الزواج، من خلال تحديد سن الزواج ب 18 عاماً، وتمتع المرأة والرجل بالأهلية القانونية لمباشرة عقد الزواج وتقنين تعدد الزوجات باشتراط معرفة أو موافقة الزوجة الأولى، إضافة إلى علاقات متكافئة خلال الزواج تتمثل في المسؤولية المشتركة للزوجين، والمساواة في الحقوق والواجبات، وعلاقات متكافئة بعد فسخ العلاقة الزوجية تتمثل في الطلاق القضائي واقتسام الممتلكات المكتسبة أثناء الزواج، وإمكان الزواج للأب أو الأم الحاضنة. وأكدت ضرورة تسليط المزيد من الضوء الإعلامي على حالات الظلم والتعسف في المجتمع بصورة مكثفة من خلال كل وسائل الإعلام، والتوجه إلى علماء الدين المتنورين لتعميق التأطير الشرعي لمفهوم تقنين قضايا الأسرة ضمن مدونة، والتوجه إلى كبار المسؤولين لحشد الدعم السياسي لمفهوم تقنين قضايا الأسرة، إضافة إلى تنشيط العمل المؤسسي المدني وتوجيهه نحو قضايا الأسرة، موضحة أن الكثير من الجهود والبوادر انطلقت في المجتمع السعودي نحو التغيير في ما يخص الأسرة، إلا أنها ظلت جهوداً متناثرة في حاجة إلى أن تقف وراءها جهود المتجمع برجاله ونسائه، إضافة إلى حاجتها للغطاء السياسي الداعم. وذهبت كشغري في مشروع مدونتها إلى أن مستوى التخوف المجتمعي إزاء التطوير الجذري للقوانين المنظمة للأسرة كبير. وقالت: «يعزز هذا التخوف موقف من القوانين المكتوبة إلا أن تفاقم قضايا الأسرة وفشل الحلول التقليدية سيدعم بلا شك هذا التوجه الذي آن أوانه»، عارضة في الوقت ذاته خطوات مقترحة لتقديم مشروع المدونة، منها: الحجج المدعمة والرؤية الموحدة والتحالف بين الجهات ذات العلاقة سواء كانت حكومية أو غيرها، إضافة إلى مخاطبة كبار مسؤولي الدولة ولقاء اللجنة الاستشارية والشخصيات المؤثرة في المجتمع والتفاعل مع الطبقة السياسية ودعم كل ذلك بتغطية إعلامية إيجابية. أما المجالات المزمع خوضها مستقبلاً بحسب مشروع مدونة كشغري فتتمثل في السعي إلى تطبيق كامل للمدونة يتطلع للأحسن، وتنفيذ استراتيجية وطنية من أجل تأطير وتوجيه الإصلاح وإيجاد آلية مؤسساتية لقيادة الإصلاح، وإصلاح القوانين التي تتضمن مقتضيات «لا مساواتية» والنهوض بثقافة التربية على المساواة في المدرسة والإعلام.