يدفع الرئيس الأميركي باراك أوباما باتجاه تنظيم حكومي أكبر للمصارف الكبيرة. ويرى أن مشروع قانون في هذا الإطار يفيد هذه المصارف، مؤكداً أن التعلم من دروس الأزمة المالية العالمية التي بدأت في الولاياتالمتحدة ضروري لتجنب تكرارها. يستهدف مشروع القانون زيادة تنظيم المصارف وأسواق المال بعد الأزمة المالية لعامي 2008 و2009 التي شهدت انهيار مصرف الاستثمار "ليمان براذرز" وأجبرت الحكومة الأميركية على إنقاذ بعض من أكبر المؤسسات المالية في الولاياتالمتحدة. ومرت بعض المقترحات في المشروع عبر مجلس النواب، ويصوت مجلس الشيوخ هذا الأسبوع على تشريع اقترحه الديموقراطيون ويدعمه أوباما. وتبدو موافقة مجلس الشيوخ ممكنة لكن غير محسومة، فالجمهوريون يقاومون بعض التغييرات. ويُرجَّح تخفيف بعض جوانب التشريع كي يمر عبر المجلس. وتتركز الرغبة في الإصلاح خارج المجتمع المالي أكثر منها بكثير داخله. فآخر جولة من أرباح المصارف، والزيادات التالية في العلاوات لكبار مسؤوليها التنفيذيين، لاقت امتعاضاً شعبياً، خصوصاً أن كثيراً من هذه المصارف نهضت من كبوتها خلال الأزمة بفضل ما تلقته من دعم حكومي بأموال دافعي الضرائب. يُذكر أن المصارف المعنية بالإصلاح والمستهدفة بالامتعاض هي مصارف استثمار في غالبيتها، تستثمر أموال المودعين في مضاربات بأسواق المال، وليست مصارف تقليدية تقرض هذه الأموال لتتقاسم عائدات الفوائد مع المودعين. وزاد الطين بلة أن "غولدمان ساكس"، وهو أبرز مصرف استثمار أميركي على الإطلاق، يواجه قضايا احتيال في المحاكم، خصوصاً من قبل لجنة السندات والتبادل الحكومية. ويمكن القول إن نغمة أوباما في ما يتعلق بالإصلاح المالي تتسم بالشعبوية، فهو قال تكراراً إن الإصلاح يستهدف وقف عمليات الإنقاذ بأموال دافعي الضرائب، ووضع حد للمضاربات المشبوهة المدفوعة بالجشع، وزيادة دور حملة أسهم المؤسسات المالية في تقرير برامجها الاستثمارية. ولطالما سارعت الحكومات الأميركية إلى إنقاذ شركات في قطاعات مختلفة بذريعة "أنها أكبر من أن تُترَك لتنهار"، وهذه الذريعة تحديداً هي ما يحاول أوباما التخلص منه عبر الإصلاح العتيد. ففيما كلّف إنقاذ عملاق التأمين "أي آي جي" الحكومة مبالغ طائلة وتسبب عدم إنقاذ "ليمان براذرز" في اندلاع أزمة ائتمان سرعان ما تحولت ركوداً اقتصادياً انتشر في العالم، يسعى الإصلاح إلى وضع آلية للتعامل مع أي مؤسسة عملاقة حين تتعثر. يبغي التشريع المعروض أمام مجلس الشيوخ أن تكون الآلية عبارة عن "تصفية منتظمة"، وهو حل وسط بين الإنقاذ والإفلاس. فالسلطات، إن أُقِر الإصلاح، تستحوذ على المؤسسة وتفككها، مستخدمة صندوقاً يتضمن 50 بليون دولار وتموله المؤسسات المالية العملاقة ذاتها. وتواجه الخطة معارضة، خصوصاً من المؤسسات المالية التي لم تستغ مسألة تمويل الصندوق. وينص المشروع أيضاً على قيام وكالة حكومية تضمن حقوق المستهلكين، خصوصاً في مواجهة تدابير مصرفية مرهقة في مجالي بطاقات الائتمان والتمويل العقاري. ويرغب واضعو المشروع في تنظيم كل الإقراض عبر هذه الوكالة المفترض أن تتبع مجلس الاحتياط الفيديرالي (المصرف المركزي)، علماً أن أوباما نفسه يفضل استقلالاً تاماً للوكالة العتيدة. ويحاول بعض الديموقراطيين إجبار مصارف الاستثمار على قصر المضاربة المحفوفة بأخطار على أموالها هي، لا أموال المودعين. ويُعرَف هذا التدبير باسم "قاعدة فولكر" على اسم بول فولكر، الرئيس السابق لمجلس الاحتياط والمستشار الاقتصادي الحالي لأوباما. ويُخشى أن يخفف المشرعون من هذه القاعدة الواردة في التشريع المعروض على مجلس الشيوخ، فالقاعدة تكفل، بحسب فولكر، عدم تكرار الأزمة، بيد أن المؤسسات المالية العملاقة ترى أنها ستحد من قدرتها على جني الأرباح. ويحاول التشريع خفض الأخطار في سوق المشتقات المالية المقدر حجمها بنحو 450 تريليون دولار، وهي السوق التي ساهمت في اندلاع أزمة الائتمان وتتسم بانعدام الشفافية. والمشتقات نوع معقد من السندات، يرتبط بأصول محفوفة بالأخطار، مثل الرهون العقارية غير المضمونة تماماً. وينص المشروع على تشكيل هيئة لاستشراف الأزمات المالية وتجنبها تتألف من تسعة أعضاء ويرأسها وزير الخزانة. وفيما يستمر مجلس الاحتياط في الإشراف على المصارف الكبيرة التي يفوق رأس مال كل منها 50 بليون دولار، تخضع المصارف الأصغر، خصوصاً تلك التي تعمل في ولايات وليس على صعيد البلاد ككل، لإشراف المؤسسة الفيديرالية لضمان الودائع. ويعزز التشريع سلطات لجنة السندات والتبادل على وكالات التصنيف الائتماني، المتهمة برسم صورة وردية لمؤسسات مالية كثيرة حتى حين اقتربت من التعثر قبيل اندلاع الأزمة، كما يجبر صناديق التحوط، وهي صناديق استثمار تمارس مضاربة محفوفة بالأخطار تُحمَّل مسؤولية كبيرة في الأزمة، على تسجيل ذاتها أمام الحكومة، لكن صناديق رأس المال المغامر التي تستثمر في شركات ناشئة، وصناديق الملكية الخاصة التي تشتري شركات متعثرة، ستبقى خارج المراقبة