تعد رواية «قاب قوسين» للكاتبة الدكتورة مرام مكاوي، من الروايات التي تعالج مواضيع بعينها، مواضيع تحدث صدمة لدى القارئ، نظراً إلى ندرة تناولها بين أفراد المجتمع، إما لجرأتها أو لعدم اعتياد قراءتها. مرام مكاوي كاتبة المقالات تقول إن كتابة الرواية، حققت لها متعة أكثر من كتابة المقالات بكل أنواعها. وتقول أيضاً في حوار مع «الحياة»، إن المرأة الكاتبة تتفوق على الرجل، الذي إن تفوق فليس بفضل مهاراته. وتذكر أنه لا يوجد مجتمع عربي ينتج روايات هذه الأيام بقدر المجتمع السعودي، مشيرة إلى أن الجميع يكتب حتى من لا يعرف كيف يحكي حكاية. إلى نص الحوار: * روايتك الأولى فاجأت الكثير من القرّاء، نظراً إلى موضوعها الجديد على الرواية في السعودية، ما الدافع إلى اختيار هذا الموضوع، وهل هو بسبب تراكم الخبرة في المجال نفسه؟ - سبب الاختيار خلفه حكاية حصلت قبل 10 سنوات من صدور الرواية، فبعد حصولي على درجة الماجستير من المملكة المتحدة وقبل الانتقال لدراسة الدكتوراه، عملت خلال إجازة صيفية في جدة كصحافية متدربة في جريدة عرب نيوز. يومها أجرى طبيب سعودي وهو البروفيسور ياسر صالح جمال من جامعة الملك عبدالعزيز عملية تصحيح الجنس لخمس شقيقات، فكان خبراً يستحق النشر في الصحيفة. فعمليات التصحيح ليست جديدة، لكن الجديد أن تحصل لخمس حالات في أسرة واحدة! وأجريت يومها المقابلة معه، وتحمست للحالة، خصوصاً أن المقابلة نشرت بالإنكليزية، فانهالت عليه مكالمات من وسائل إعلام أجنبية عديدة. فرأيت أن هذا الموضوع مثير للاهتمام للغرب كما لنا في الشرق، ونظراً لخصوصية المجتمع السعودي، والفصل شبه التام بين الرجال والنساء فيه، وتعقيداته الاجتماعية وشرائعه الدينية، وجدت أن التحدي الذي سيواجه من لديه هذه المشكلة كبير للغاية ومغرٍ بالاكتشاف.. لي على الأقل! ما التحديات التي واجهتك خلال كتابة الرواية، وهل استمتعت بالكتابة؟ - تحديات عديدة، أهمها عامل الوقت. فور انتهائي من العمل الصيفي في الصحيفة بدأت دراسة الدكتوراه، فتأجل المشروع أربع سنوات كاملة. ثم بدأته في لندن وتوقفت عندما عدت للسعودية بسبب ظروف الزواج، وبعد استقرار نسبي في مدينة الخبر كتبت بعض الفصول، ثم توقفت من جديد بسبب الانتقال للعاصمة الأميركية التي شهدت مقاهيها ولادة جزء كبير من الرواية التي ستكتمل فصولها بعد العودة إلى جدة، وتتم مراجعة نسختها الأخيرة من مدينة اكستر البريطانية. فقد مرت كتابة هذه الرواية برحلة عبر القارات! تحدٍ ثانٍ هو الجزء الطبي، كنت حريصة على احترام القارئ وتقديم معلومة علمية صحيحة له، فراجعت بعض أسس علم الأحياء والوراثة، وقرأت كتاباً كاملاً عن عمليات تصحيح الجنس، وأجريت مقابلات هاتفية من جديد مع الدكتور ياسر، وشاهدت أفلاماً على قنوات اليوتيوب عن أشخاص غيروا جنسهم (بغض النظر عن سبب ذلك وهل هو طبي أم نفسي؟)، وقرأت العديد من المقابلات الشخصية مع مرضى عرب، إضافة إلى قراءة كتاب مذكرات لأستاذ جامعي أميركي ورب أسرة قام بتغيير جنسه من رجل إلى امرأة لأسباب غير طبية وهو مختلف عن الوضع في روايتي طبعاً، لكن تظل صعوبة «التحول» واحدة. فعملية البحث هذه أخذت لا شك بعض الوقت. هل استمتعتُ بالكتابة؟ جداً! فعملية خلق الشخصيات وتحريكها ومنحها هذه الحياة المتخيلة على الورق كانت أكثر متعة من كتابة المقالات بكل أنواعها. ضحكت معهم وبكيت كذلك، وشعرت بحب عميق لكل الشخصيات وإن بدرجات متفاوتة، لذلك كنتُ ولا زلت أقول بأنه حتى لو لم تحقق الرواية الصدى الذي يتمناه أي كتاب فلن أندم على كتابتها.. لأنني استمتعتُ شخصياً بذلك. أنتِ كاتبة مقالات جادة وعميقة وتتناول قضايا ملحة، ما رأيك في توجه بعض كتاب الرأي إلى كتابة الرواية، هل تعتقدين أنه بحث عن مزيد من الأضواء، أم تجريب أدوات تعبيرية جديدة؟ - لا أستطيع الحديث عن الآخرين، بالنسبة لي بكتابتي للرواية كنت حققت حلماً من أحلام الطفولة وهو أن أكتب قصة! بل أستطيع القول إنني في الأصل ولجت عالم الكتابة لأنني كنت منذ صغري مفتونة باختراع القصص والحكايات المكتوبة والمسموعة والمتخيلة، ولا أعرف كيف انتهى بي الحال كاتبة للمقالات! وتجريب أدوات تعبيرية جديدة هو أيضاً أمر محمود برأيي، فلقد كتبت مقالات طويلة وأخرى قصيرة، اجتماعية وتقنية وأدبية وغيرها، كما كتبت الخواطر، وأجريت بعض التحقيقات الصحافية والمقابلات، بل وحتى مذكرات على هيئة يوميات قصيرة كتاب «على ضفاف بحيرة الهايد بارك» (دار العبيكان)، ولكل واحدة منها شريحة من القراء تفضلها، وتعلمت من ممارسة كل لون شيئاً جديداً. وبالتالي وجدت أن الوقت قد حان لأكتب شيئاً مختلفاً بعد أن شعرت ببعض الملل من كتابة مقالات الرأي. وميزة اللون الأدبي في القصة والرواية أنه يتيح لك أحياناً أن تقول على لسان أبطالك ما قد يحرمك الرقيب أن تقوله من خلال حروف مقالك. الانتقال من لغة مقال يقارب قضايا سياسية وشأناً عاماً، إلى لغة روائية، هل كان ذلك صعباً عليك؟ - بصفة عامة لا، فقبل أن أكون كاتبة أنا قارئة، ومتعودة على لغة الروايات والقصص بالعربية والإنكليزية، وكنت أكتب الخواطر أيضاً، ووجدت لغة الرواية أقرب لها. لكن يبقى موضوع استخدام اللهجة الحجازية العامية في الحوارات جديداً عليَّ، ومع أنه أعجب العديد من القراء، إلا أن زميلة قرأت المسودة أوصتني بأن أجعل بعضها أقرب للفصحى لتكون سهلة على القارئ العربي خارج الحجاز وخارج السعودية. ولم تكن عملية التغيير هذه وقتها سهلة. بالنظر إلى ردود الفعل حول الرواية، هل تفكرين في خوض التجربة ثانية؟ - الردود كانت جيدة بحمد الله، والكثيرون أرسلوا يطلبون مني الاستمرار في هذا اللون، لكن في الحقيقة إن كنت سأنشر رواية ثانية، فسيكون كما قلت لتحقيق متعة ذاتية لي أولاً، أن أشعر بإلحاح يتملكني لإعادة التجربة، وليس بسبب تأثير الجمهور الذي أثمن رأيه كثيراً، ولكنني أبحث كذلك عن لذتي الخاصة. والجواب الأكثر صراحة نعم! وفي ذهني سلفاً مشروع رواية ثانية. كيف ترين المشهد الروائي في السعودية، ولمن تقرئين؟ - لا أعتقد أن مجتمعاً عربياً ينتج روايات هذه الأيام بقدر المجتمع السعودي! الكل يكتب وينشر، حتى من لا يستطيع الكتابة أصلاً أو حتى من لا يعرف كيف يحكي حكاية، وبالتالي مع الكثرة لا بد أن يكون لدينا الغث والسمين، لكنني مؤمنة بأن ما سيبقى هو السمين وغيره إلى زوال كأغنية رديئة ستتلاشى كأن لم تكن. لا أقرأ لكاتب محدد، وإنما أبحث عن الرواية الجميلة، سعودياً، أحببت معظم روايات الدكتور غازي القصيبي رحمه الله، ورواية «جاهلية» لليلى الجهني، و«فسوق» لعبده خال، وخماسية «مدن الملح» المدهشة لعبدالرحمن منيف، و«القارورة» ليوسف المحيميد، هؤلاء هم من يحضرونني سعودياً الآن. عربياً، تحضر ثلاثية أحلام مستغانمي وروايات علاء الأسواني وحجي جابر، وكذلك أعجبتني «ساق البامبو» لسعود السنعوسي. وللأمانة في السنوات الأخيرة بتُ أقرأ روايات أجنبية أكثر من العربية، وهو ما كان الأمر عليه في أيام المراهقة التي قرأت خلالها روائع الأدب الكلاسيكي الأوروبي مثل روايات شارلوت برونتي وجين أوستن وتولستوي وديكنز. في السنوات الأخيرة أحببتُ جداً ثلاثية «فتاة وشم التنين» الشهيرة للسويدي ستيغ لارسن، وروايات الياباني هاروكيموركامي، وروايات الأميركية جودي بيكولت. كيف ترين حضور المرأة في كتابة المقالة، هل نستطيع اليوم القول أن لدينا كاتبة مقالة تضاهي كتّاب المقالة؟ - حضور قوي ومميز (مع استثناءات بسيطة)، بل وتتفوق على الرجل. فالرجل يكتب سواءً أمتلك المهارة أم لم يمتلكها بسبب ثقته الزائدة في نفسه، بينما لا تحمل القلم - خصوصاً في عالم المقالة الصحافية - إلا من لديها المعرفة واللغة والشجاعة غالباً. فعدد الكاتبات في الصحف السعودية أقل إلا أنهن مميزات في طرحهن.