بدأت شركات الأدوية العالمية في إختبار استراتيجية جديدة في مصر لبيع وتوزيع عقاقير معالجة التهاب الكبد الوبائي المعروف ب«فيروس سي». وتعتمد الإستراتيجية الجديدة على بيع عقاقير معالجة التهاب الكبد بأسعار لا تغطي سوى جزءاً يسيراً من كلفتها، مع فرض قيود مشددة هدفها حماية الأسواق في العالم الغربي. ومن ضمن هذه القيود أن تتولى الصيدليات الحكومية وحدها تزويد المرضى بالعقار، ويجب على المرضى جميعاً أن يعيدوا الزجاجة القديمة حتى يحصلوا على زجاجة جديدة، بالإضافة إلى أنه يجب على الذين يتلقون زجاجات جديدة أن يفتحوا فوراً الزجاجة الجديدة ويكسروا الخاتم ويتناولوا الحبة الأولى أمام الصيدلي، للحد من إعادة بيع العقار. وفي العام 2013، عرضت شركة «جلياد ساينسز» الأميركية دواءً طرحته في الولاياتالمتحدة باسم «سوفالدي» بسعر ألف دولار للحبة، وحقق هذا العقار 10 بلايين دولار في السنة الاولى، وتستغرق دورة علاجة 12 أسبوعاً، إلا أن الشركة باعت الدواء للحكومة المصرية في العام الماضي بسعر عشرة دولارات للحبة. بدورها، وزعت الحكومة المصرية العقار الجديد على الصيدليات الحكومية في أنحاء البلاد، وأوصت بإعطائه للمرضى مجاناً. وفي الوقت نفسه سمحت «ساينسز» لشركتين مصريتين بصنع دواء «سوفوسبوفير» بموجب ترخيص خاص وبيعه بأي ثمن تراه تلك الشركات مناسباً، مقابل عمولة 7 في المئة. وقال أخصائي الكبد في كلية الطب بجامعة القاهرة ومؤلف مشارك للخطة الوطنية لمكافحة التهاب الكبد، الدكتور جمال عصمت: «ليست لدينا مشكلة مع القواعد، فهذه القواعد وضعت لمنع السوق السوداء من نقل تلك الأدوية إلى دول أخرى». ويكمل: «إذا كنت تستطيع حل مشكلة التهاب الكبد في مصر، فأنت بطل، وشركات الأدوية تعرف ذلك». من جهتها، وصفت المديرة الطبية لحملة «الحصول على الأدوية» التابعة لمنظمة «أطباء بلا حدود» الدكتورة جينفر كوهين، هذه الشروط بأنها «إقحام طرف ثالث في العلاقة بين الطبيب والمريض»، مضيفة أن «إعطاء شركات الأدوية قدرة التحكم في من يمكنه تسلم منتجاتها يشكل سابقة خطيرة بشكل لا يصدق». واعتبرت الصيدلية التي عملت حتى وقت قريب في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الدكتورة هبة ونيس، أن شرط تناول الجرعة أمام الصيدلي «مهين»، ورأت أنه «يثير الكثير من القضايا الأخلاقية». وعلى رغم الانتقادات التى وجهت إلى هذه الترتيبات، إلا أنها إذا نجحت، فستصبح مخططاً تفصيلياً لا للقضاء على مرض التهاب الكبد في جميع أنحاء العالم فحسب، وإنما أيضا لتوفير أحدث الأدوية للمواطنين في الدول الفقيرة التي تعجز عن تحمل نفقاتها. وتطمح الحكومة المصرية إلى معالجة 300 ألف مريض مصاب بالتهاب الكبد سنوياً بنهاية عام 2016، ودفع معدل الإصابة الوطني إلى ما دون 2 في المئة بحلول عام 2025. وأصيب ستة ملايين مصري بالتهاب الكبد الوبائي المعروف ب"فيروس سي" بسبب استخدام الإبر غير المعقمة خلال حملة الدولة لمكافحة مرض البلهارسيا التي استمرت عقوداً. ويعاني في الوقت الراهن ما لا يقل عن 10 في المئة من المصريين من الإصابة المزمنة بالمرض الكبدي، أي ما يقرب من نحو تسعة ملايين شخص، وهو أعلى معدل في العالم، بحسب ما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.