ودّع لبنان الرسمي والشعبي الوزير والنائب السابق فؤاد بطرس في جنازة مهيبة أقيمت في كنيسة مار نقولا في الأشرفية. وترأس متروبوليت بيروت وتوابعها لطائفة الروم الأرثوذكس المطران الياس عودة مراسم الجنازة، معتبراً أنه «غادر هذه الحياة غير آسف وانفطر قلبه على وطن شاءه فريداً في محيطه فإذا به يصبح ساحة وملعباً، وعلى دولة أرادها مع الرئيس فؤاد شهاب قوية عادلة حاضنة لجميع أبنائها ومستجيبة لتطلعاتهما فإذا بها ضعيفة مهترئة تتحكَّم بها الطائفية والمذهبية والفوضى والمحسوبية ويعشش فيها الفساد والرشوة وتسيرها المصلحة والانتهازية وتفوح منها رائحة الصفقات والفضائح وليس من يأبه بالوطن». وقال: «كلفني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي، أن أحمل للعائلة تعزيته الحارة على فقدان رجل كبير كان بالنسبة إليه استثنائياً وترك فراغاً كبيراً في الحياة السياسية والديبلوماسية والتّشريعية من الصعب أن يملأه أحد». وحضر الجنازة الرؤساء أمين الجميل، حسين الحسيني، فؤاد السنيورة، النائب ميشال موسى ممثلاً رئيس المجلس النيابي نبيه بري، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع سمير مقبل ممثلاً رئيس الحكومة تمام سلام، نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري، وعدد من الوزراء والنواب الحاليين والسابقين والسفير البابوي غبريال كاتشيا. وأكد عودة أنه «كان رجل دولة من الطراز الرفيع، طبع عصره وترك بصماته حيث ما حلّ، وحمل همّ لبنان منذ دخل المعترك السياسي لكنه في السنوات الأخيرة كان حزيناً عليه وعلى ما آل إليه، وقلقاً على مصيره بسبب الأوضاع الداخلية والأزمات الخارجية، إنما خصوصاً بسبب إفلاس الطبقة السياسية وتقصيرها عن أداء واجباتها بينما الشعب يتشوّق إلى أن يرى حكامه يوظفون طاقتهم أو رصيدهم لتحقيق أهداف تتصل بالمصلحة الوطنية أو لتقويمِ اعوجاجٍ». وتابع: «وإذ بهؤلاء يحصرون اهتمامهم في شؤونهم الشخصية أو في مكاسب حزبية على حد قوله، ويضيف (بطرس) أن الثقة مفقودة بالطبقة الحاكمة والطبقة السياسية، ناهيك بالتشكيك في الإخلاص والنزاهة. هو أدرك أن الطائفية علة وجود لبنان وعلته في آن واحد، وأنها جزء من تكوين لبنان وهويته». ولفت إلى أن «بناء لبنان مستقل ومستقر يقتضي مراعاة التوازنات القائمة من غير المساومة على المبادئ الوطنية الأساسية، فمن أقواله (بطرس) أن تختصر الدولة في طائفة أو مجموعة وأن يقاس الوطن بمقياس التعصّب أو الأصولية يعبر عن ذهنية رجعية تتعارض وفكرة قيام أمة ودولة». وذكر أنه «كان محامياً لامعاً ويقول في مذكراته: دخلت منزل رئيس الجمهورية مواطناً يراقب من بعد سياسته الرامية إلى إخراج البلد من التشنج الطائفي الذي كان يعيشه منذ أكثر من سنتين وخرجت منه شريكاً في مشروع إنقاذي، وددت لو أن اللبنانيين يشتركون فيه». وأشار إلى أن «الرئيس شهاب أقنعه بأن دخوله المعترك السياسي وخوضه الانتخابات النيابية هما بمثابة خدمة عسكرية إلزامية وأن رفضه يشكل خيانة لوطنه، فامتثل، وكان خير مجيب، وفي كل ما قام به كان نظيف الكف، لم يساوم ولم يتنازل بل عرف بالصلابة والحزم». وأضاف: «في وزارة العدل جاهد لفصل السلطات وإرساء استقلالية القضاء»، مذكراً بعمله على تنفيذ مشروع إنشاء معهد القضاء، كما عمل على تعيين خيرة القضاة في أعلى المراكز القضائية وكان في قلب الحكم في مرحلة دقيقة ومفصلية من تاريخ لبنان. وتابع: «اتّهم بطرس بالتشاؤم والسوداوية لأنه كان صريحاً وواضحاً في مواقفه، وكان ثاقب الرؤية وعميق التحليل ومدركاً أبعاد السياسة اللبنانية وعمق الصعوبات وكان يجيب بأن الفرق كبير بين التشاؤم الملازم للاستسلام والواقعية التي تشكّل حافزاً للسعي والعمل الدؤوب وعند الاستحقاق تكون الخيبة الكبرى حيث لا ينفع الندم». وذكر «بإنجازاته، ومن أهمها استصدار قراري مجلس الأمن رقم 262 و 425 اللذين دانا إسرائيل لاعتدائها على لبنان»، متمنياً أن «يكون بين اللبنانيين من سيحمل الشعلة التي أضاءها بطرس في عالم السياسة والديبلوماسية ويتبع خطاه».