حَمَلت الأيام الأخيرة من العام المنصرم أخباراً سارة جداً لشركتي «نيتفليكس» و«أمازون» - القطبين الرئيسيين في سوق تزويد المواد الفنيّة عبر الإنترنيت - مُتوجة عاماً إستثنائياً بالإنجازات. اذ كشفت ترشيحات الشق التلفزيوني لجوائز «غولدن غلوب» (تُعلن نتائجها النهائية في العاشر من كانون الثاني (يناير) المقبل)، عن هيمنة أعمال هاتين الشركتين على الترشيحات، في ما يُمكن أن يمثل لحظة تلفزيونية تاريخية. فللمرة الأولى تتصدر «نيتلفكس» مجموع الترشيحات الكليّ، حيث تنافس في 8 فئات. أما «أمازون» فتحل في المركز الرابع بخمسة ترشيحات لتتفوق هاتان الشركتان الفتيتان اذ دخلتا سوق إنتاج المواد الدرامية قبل ثلاثة أعوام فقط على قنوات تلفزيونية عملاقة تقليدية. كما أطاحت «نيتفليكس» قناة «أتش بي أو» الأميركية من موقعها في الصدارة، فحلَّت القناة التلفزيونية المعروفة بالجرأة والتجريب في أعمالها والتي كانت تستحوذ لسنوات على جوائز التلفزيون الرفيعة في الولاياتالمتحدة، في المرتبة الثانية وبسبعة ترشيحات فقط. وكانت الجوائز وجدت طريقها الى شركات الإنترنيت في العام 2015، فخطفت «نيتلفيكس» مجموعة منها («ايمي» و«غولدن غلوب»)، كما حصلت «أمازون»، والتي نافست وقتها للمرة الأولى على جوائز «غولدن غلوب» على جوائز مُهمة، منها أفضل مسلسل كوميدي. وتصدرت إنجازات شركات تزويد المواد الفنيّة عبر الإنترنيت أخبار التلفزيون لعام 2015 كحال سابقه. فمسلسلات هذه الشركات كانت الأكثر شعبية وحصلت على الإهتمام الإعلامي الأهم. لهذه الشركات خطط ترويجية ذكية، تتوخى الفرقعات الإعلامية عبر عقد إتفاقات مفاجئة مع نجوم معروفين، كإعلان شركة «أمازون» عن مسلسلها الذي يكتبه ويجسد بطولته الكوميدي الأميركي وودي آلن أو إتفاق «نيتفليكس» مع الكوميدي السينمائي آدم ساندر لإنتاج مجموعة من الأفلام الحصرية للشركة. كما أضحى من العسير حصر المشهد الإنتاجي لشركات الإنترنيت لإتساعه وتنوعه ودخول أطراف جديدة فيه، بعضها من خارج عالم الإنتاج الفنيّ، كإعلان شركات اوروبية للإتصالات وتزويد الكيبل قبل أشهر عن خططها لإنتاج مسلسلات حصرية، تدخل في السباق على جذب الزبائن لخدماتها. دخول لاعبين جدد في عالم إنتاج المسلسلات التلفزيونية في الولاياتالمتحدة، أوصل المشاهد هناك الى حدود التُخمة. فمن المنتظر أن يصل عدد المسلسلات التي ستعرض على الشاشات الأميركية وحدها في العام المقبل الى 400 مسلسل. كثير منها لن يجد المشاهدين الكافين لإستمراره، ليتوقف بعد موسم واحد فقط. ذلك أن نسبة المسلسلات الأميركية التي تنجح في عبور عقبة الموسم الأول تقل عن 20 في المئة فقط من الإنتاج الكلي. لا جدال أن هذه الوفرة الإنتاجية ستصطدم بمشكلات القنوات التلفزيونية الماليّة وإنصراف جمهور كبير عن المشاهدة التقليدية للتلفزيون، لذا من المتوقع أن تنخفض هذه الوتيرة الإنتاجية في السنوات المقبلة، وعلى نحو ملموس. ولم يكن لكل برامج التلفزيون في العام الماضي حظ المسلسلات الشعبية الناجحة، فواصلت برامج تلفزيون الواقع تراجعها بجذب الجمهور، في إشارة جديدة الى أن عصرها ربما يقترب من نهايته. اذ إنخفضت مُعدلات مشاهدة برامج البحث عن المواهب الغنائية في بريطانياوالولاياتالمتحدة على حد سواء. كما أُعلن في منتصف العام المنصرم، أن برنامجي «عارضة أميركا القادمة» و«أميركان آيدول» سيتوقفان في العام المقبل. وتوقف الأخير يُعَّد مفاجأة لكثر، بسبب الشعبية الهائلة التي كان يملكها قبل سنوات. كما يبدو أن بنات «كارداشيان» لم يَعُدن يجذبن الجمهور كما كان يحدث في الماضي، اذ تابع الحلقة الاولى من الموسم الحادي عشر من برنامجهن الجدليّ «Keeping up with the Kardashians» هذا العام، مليون ونصف مشاهد، أقل من كل الحلقات الاولى للمواسم الماضية. وفي ظاهرة تؤكد أن المشاهدة التلفزيونية تمر بما يشبه التغييرات الطبيعية والدورات نفسها التي تعاود الظهور كل بضع سنوات، حافظت برامج تلفزيونية لم يكن أحد يتوقع نجاحاتها المدوية على معدلات مشاهدة مرتفعة جداً في العام الماضي، فجذبت الحلقة الأخيرة من برنامج «The Great British Bake Off» الذي تعرضه «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) ويقدم متسابقين يتنافسون لطبخ المعجنات، 13,4 مليون مشاهد، ليتصدر قائمة أفضل البرامج مشاهدة في بريطانيا. وهو الأمر الذي حفز الشركة المنتجة لتجريب أفكار أخرى، ترتكز على الإستعانة بمتسابقين عاديين يخوضون في أجواء مريحة وهادئة مسابقات تلفزيونية، تكون على النقيض من الزعيق الذي تمتلئ به برامج المسابقات الغنائية مثلاً.