واشنطن – أ ب، رويترز، أ ف ب – بعد 20 سنة على انتهاء الحرب الباردة، أدخل الرئيس الأميركي باراك أوباما العالم في حقبة جديدة، إثر تعهد 50 دولة ومنظمة شاركت في قمة الامن النووي التي اختُتمت في واشنطن الثلثاء، بمنع «الأطراف غير الرسمية» من الحصول على مواد نووية لأغراض خبيثة، في إطار إجراءات لمنع «الإرهاب النووي». لكن «الكارثة» التي حذر منها اوباما، تتوقف على وفاء الدول بالوعود التي قطعتها، خصوصاً ان العهود غير الملزمة تتطلب تعاوناً صعباً وقد يُعتبر سابقة في العالم حيث قد تُفشى أسرار نووية، كما قد يتعيّن على دول تعديل قوانينها لضبط أي تهريب لمواد نووية. وكان اوباما استشهد بقول العالِم ألبرت اينشتاين: «نندفع في اتجاه كارثة تفوق الوصف»، داعياً إلى انتهاج «أسلوب جديد في التفكير، إذا أردنا خلاص البشرية». وأيّد رؤساء الدول والحكومات، في البيان الختامي للقمة، «دعوة اوباما الى ضمان امن جميع المواد النووية غير المحمية في شكل جيد، خلال 4 سنوات في اطار عملنا معاً لتعزيز الأمن النووي». لكن خبراء يعتبرون ذلك صعباً، خصوصاً في ضوء صعوبة تحديد كمية تلك المواد، والتي تنتشر في أماكن عدة، بما في ذلك محطات نووية أو غواصات أو رؤوس ذرية. وإذ يقدر مسؤولون أميركيون وجود نحو ألفي طن من اليورانيوم والبلوتونيوم المستخدمين في صنع أسلحة، تنقل وكالة «أسوشييتد برس» عن خبراء قولهم ان ثمة حاجة الى معاهدات دولية اضافية واكثر قوة، واتفاقات أخرى لجمع المواد الانشطارية وتخزينها، ووقف إنتاجها، وتبادل الدول معلومات استخباراتية في شأنها، اضافة الى سنّ قوانين محلية اكثر تشدداً، بهدف وقف الاتجار بهذه المواد الخطرة. كما أن ثمة حاجة الى تعزيز دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وربما أيضاً تأسيس هيئات جديدة ودائمة، تشرف على جميع المواد النووية في العالم، حتى في الولاياتالمتحدةوروسيا. واعتبر رئيس «معهد العلوم والأمن الدولي» ديفيد أولبرايت إن نجاح القمة أو فشلها سيتوقف في نهاية الأمر على ما إذا كانت كل دولة ستفي بالوعود التي قطعتها، وعلى استمرار القيادة الأميركية. ويشير محللون الى أهمية الدور الذي يمكن ان تؤديه في هذا الشأن، دول نووية لكنها غير موقعة على معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية، مثل إسرائيل والهند وباكستان. وفي السياق ذاته، تجنب أوباما الإضرار بسياسة «الغموض النووي» التي تنتهجها إسرائيل، مكتفياً بالقول: «في ما يتصل باسرائيل، لا اريد التعليق على برنامجهم. شجعنا كل الدول على ان تكون اعضاء في المعاهدة النووية، إذاً لا تناقض، ليس هذا موقفاً جديداً، كان ذلك رأي الادارة الاميركية حتى قبل إدارتي». ورحبت اسرائيل بموقف أوباما، وقال داني ايالون نائب وزير الخارجية الاسرائيلي ان «سياسة الغموض التي تشكل اساس كل امن اسرائيل، كانت على هذا النحو على الدوام وستبقى كذلك. لم يطلب أوباما عدم تغييرها في الوقت الراهن». وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ألغى مشاركته في القمة، وأوفد مكانه نائبه دان ميريدور، خشية أن تفتح مصر وتركيا ملف الترسانة النووية الاسرائيلية. لكن أعضاء في الوفد الإسرائيلي قالوا أن الدولتين لم توجها انتقاداً لاذعاً الى ترسانة الدولة العبرية، فيما وصف رئيس الوفد السعودي إلى القمة رئيس الاستخبارات في المملكة الأمير مقرن بن عبدالعزيز آل سعود الأسلحة النووية الإسرائيلية بأنها «عقبة اساسية امام تحقيق الامن والاستقرار في الشرق الاوسط». لكن ميريدور توقّع أن تواجه اسرائيل «صعوبة» خلال مراجعة المعاهدة النووية الشهر المقبل. ساركوزي وأشار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى «عدم وجود وسيلة لمعاقبة دولة تزوّد منظمة ارهابية اسلحة نووية»، مضيفاً انه «اقترح محاكمة دولة مماثلة وإدانتها أمام محكمة دولية، تحت اشراف الاممالمتحدة». ولفت الى ان أوباما اعتبر الفكرة «مفيدة». ووقعت روسياوالولاياتالمتحدة بروتوكولاً جديداً لاستكمال التخلص من 34 طناً لكل منهما من مادة البلوتونيوم الفائضة عن الحاجة، وهذه كمية تكفي لانتاج 17 الف سلاح نووي. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: «نعتزم انفاق نحو 2.5 بليون دولار، للتخلص من هذه الكمية». كما اعلن اوباما ان روسيا ستوقف قريباً مفاعلاً ينتج البلوتونيوم ويقع في سيبيريا. واعتبر الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف القمة «نجاحاً كاملاً»، مشيداً ب «تغيّر مناخ» العلاقات الروسية - الأميركية. وتطرق في خطاب ألقاه أمام «معهد بروكينغز»، الى الملف النووي الإيراني، مبدياً أمله ب «التمكن من التوصل إلى اتفاق لتسوية هذه المشكلة بالوسائل السياسية الديبلوماسية». وكرر رفضه فرض «عقوبات تشلّ (إيران) وتعاقب الشعب»، مشيراً الى إن «كثراً من زملائنا في العالم العربي يقولون إنهم لن يترددوا في امتلاك سلاح نووي، اذا حصلت عليه إيران». جاء ذلك في وقت أكد أوباما انه «سيبذل كل ما في وسعه للتأكد من اننا سنحصل على عقوبات شديدة، لها مفاعيل على ايران في وقت تطور فيه برنامجها النووي». ولفت الى أن ايران «دولة نفطية، تتعامل معها تجارياً دول عدة، ونحن ندرك ذلك»، مقراً بأن «الصينيين قلقون للضرر الذي قد تسببه (العقوبات) على الاقتصاد عامة». وكان الرئيس الصيني هو جينتاو أعلن في خطاب أمام القمة ان بلاده «تعارض بقوة انتشار الاسلحة النووية وتدعم بقوة الجهود لتعزيز الامن النووي الدولي». لكنه شدد على ان الصين تدعم «حق كل الدول بالتساوي في الاستخدام السلمي للطاقة النووية». والتقى اوباما نظيره البرازيلي لويس ايناسيو لولا دا سيلفا ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان اللذين تحفظا على فرض عقوبات على ايران. أما ساركوزي فاعتبر ان «لحظة الحقيقة اقتربت»، متوقعاً فرض عقوبات «في نيسان (ابريل) او أيار (مايو) وليس بعد ذلك».