لم يستطع عامل النظافة البنغلاديشي محمد عبدالوهاب، أن يتصفح وجوه سكان بلدة المنصورة (من قرى الأحساءالشرقية)، في يوم تكريمه بعد صلاة الجمعة أمس، إذ غمرت عيناه الدموع، واختلطت في وجهه الأسمر المتعب مشاعر الفرح والحزن والفخر، وهو يقف أمام سكان منازل كان ينظف أمامها الأوساخ على مدار 15 عاماً متواصلة، ليختلط بسكان قريتها الطيبين ويصبح من الوجوه المعتادة بين حاراتها وبجوار منازلها. لم يكن عبدالوهاب الشخصية المكرمة فقط، فبحسب صاحب الفكرة الناشط الاجتماعي رائد العمل التطوعي يوسف الوباري، «بل لهدف أسمى وأرقى، فبه نكرم أنفسنا، وبه نرتفع لأنه يقوم بعمل جليل، ولأنه وعلى ضعف حاله وتعبه في العمل في تنظيف الشوارع لم يزر عائلته طوال 15 عاماً، لا لشيء سوى ليبني أسرة كريمة». وقال الوباري: «هذا الرجل المتعب أب لبنتين وولد، إحدى البنتين تخرجت أخيراً لتكون طبيبة، والثانية التحقت في كلية الطب أخيراً، أما ابنه ففي سنواته الأخيرة ليتخرج طبيباً أيضاً، ليكون عامل النظافة هذا، والذي قد يحتقره قصار العقول أباً لثلاثة أطباء، بينما يعجز بعض الآباء عن إقناع أبنائه بإكمال دراسته المتوسطة». وقف عامل النظافة محمد خجلاً، أمام المصلين الذين تجمهروا في مسجد القرية ليشاركوا في تكريم هذه الشخصية، وأصيبوا بالدهشة حين رفض هذا العامل أن يوضع أكليل الورد حول عنقه، قبل أن تلف حول عنق إمام المسجد، معللاً ذلك بأنه «الأحق بهذا الورد لكونه أمام مسجد ومكانته تجعل الورد من نصيبه»، وليسجل درساً آخر في حسن أخلاقه. شتان بين رائحة النفايات التي كان يجاورها وبين الورد الذي أحيط به، إلا أن ما لمسه من احترام المجتمع الذي عمل عنده طوال هذه الأعوام، كان أزكى وأطيب. وأوضح الوباري أن إمام المسجد الشيخ حبيب الهديبي أوضح في كلمته التي ألقاها في التكريم، أن هذا «الأب العامل فكر أن يبني إنساناً في وطنه لا العمران». وبيّن الوباري أن هذه الفكرة التي أقمناها «أفضل بكثير من إقامة محاضرة طويلة لمحاضر يتحدث بنظريات، بينما هذا العامل نموذج مشرف للأب المكافح الذي جعل أبناءه الثلاثة أطباء على رغم الغربة والتعب والجهد، والنظرة الدونية التي ينظر إليه البعض بها». وقال: «أردنا أن نؤكد أن بعض الصور والمشاهد التي تنتقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام عن تعامل المواطنين بقسوة وعدم إنسانية مع العمال، هي صورة وإن كانت موجودة؛ إلا أنها لا تمثل المجتمع السعودي بأكمله، بل هي صورة مشوهة، فتربيتنا وديننا ومواطنتنا يحتم علينا ألا ننظر إلى هؤلاء بنظرة دونية، بل نعاملهم كأنفسنا، لأنهم يستحقون أكثر». وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي توجد في مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد لأشخاص دأبوا على إيذاء عمال النظافة، للتفكه والتندر والضحك، وتظهر مشاهد عدة ممارسات لا إنسانية، ومنها كسر مصباح زجاجي على رأس عامل يمشي في الطريق، أو رمي آخر في البحر بعد أن كان غارقاً في التفكير، وسكب مياه غازية في وجه عامل آخر، وتكررت مشاهد الصفع على الوجه والإيذاء الجسدي. وتتكرر المطالبات بين وقت وآخر، بإحلال عقوبات «صارمة» على المستهترين بالعمالة الوافدة، وتطبيق نظام العقوبات الجزائية العملية عليهم بأن يقوموا بما كان يعمل به العامل الذي تعرض إلى الإيذاء لفترة زمنية، إلى جانب الغرامات المادية التي تذهب لذلك العامل، وذلك للحد من هذه الظاهرة.