تعجبني ماليزيا هذا النمر الإسلامي الذي يعدو بسرعة ليدخل نادي البلدان الصناعية. ورغم هذا الجري نحو التقدم والتطور الاقتصادي فإنها لا تنسى اهتمامها بالنشاطات المرتبطة بالإسلام سواء داخل البلد أو خارجه وما أكثرها. فمن يتابع نشاط ماليزيا في أوروبا وغيرها يلاحظ أنها سباقة في المشاركة وفي دعم الفعاليات ذات الصلة بالإسلام. ولذلك فإن هذا النمر الصناعي مرشح لأن يكون خير داعية للإسلام في عالم فيه الكثيرون مثلها يجرون لإقامة صروح النهضة الاقتصادية. لقد أتيحت لي الفرصة لزيارة هذا البلد العملاق ومشاهدة عملية التحول الجبارة التي تجري هناك. بل إن الفرصة قد خدمتني عندما وجدت نفسي في المسجد الوطني في كوالالمبور فجأة وجه لوجه بعد صلاة الجمعة أمام مهندس ماليزيا الحديثة رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد. وليس ذلك وحسب فخلال وجودي في ماليزيا تعلمت أشياء وأدركت أموراً لم تكن واضحة لي من قبل. فمن مطار العاصمة إلى الفندق كان سائق أو بالأصح سائقة سيارة الأجرة التي ركبتها امرأة. وفي سيارة الأجرة سمعت، من محدثتي، الكثير عن الدور الذي تلعبه المرأة الماليزية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وبخصوص سائقات الأجرة علمت أن بعضهن يحمل شهادات تقدير وميداليات شرف على حسن أدائهن من رئيس الوزراء نفسه. ولذلك فإن أول الأسئلة التي طرحتها على الماليزيين، عندما التقيتهم فيما بعد، كان بخصوص الأسباب التي تجعل هذا النمر الآسيوي المسلم يدفع المرأة للذهاب إلى العمل كل يوم، حيث تختلط هناك بالرجال، بدلاً من تكريمها بالجلوس في المنزل. لقد تفاجأت عندما رأيت الدهشة تعلو وجوه الحاضرين من استفساري. وفي الحقيقة فإن القول بأنهم استغربوا السؤال فيه تبسيط للأمر. فنظرات هؤلاء العمالقة الاقتصاديون كانت خليطاً بين الحيرة والاستهجان. وهذا يعود ربما إلى أن هذا الشعب العامل الذي نهض من أعماق الفقر قد تعلم بأن كل ما يجعل ماليزيا بلداً منيعاً ومتطوراً هو خير وبركة لهم، فالماليزيون- في معظمهم- عمال ومزارعون وأطباء ومهندسون وعلماء وليسوا فلاسفة مثلنا. وعلى أية حال فإن حيرة الماليزيين كانت للحظات فقط. إذ سرعان ما انتقلوا من الدفاع إلى الهجوم وردوا على سؤالي لهم بسؤال مضاد. إنها بالفعل معادلة صعبة. فهل من الأفضل، كما سألوا، أن تعمل المرأة الماليزية جنباً إلى جنب مع الرجل وتساهم في نهضة البلد وتقدمه أو تجلس في البيت وتفسح المجال بالتالي لجيران ماليزيا غير المسلمين بالتفوق عليها. فالماليزيون لديهم قناعة أن بلدهم لا يمكنه منافسة بقية النمور الآسيوية إذا كان نصفه عاطلاً عن العمل. فهم يعتقدون بأن بلدهم لا يمكنه أن يتقدم إذا كانت نسبة البطالة في المجتمع 50% من ناحية. وأنه من غير الممكن اقتصادياً ل 50% من السكان الماليزيين أن يؤكلوا ويلبسوا ويعيشوا ال 50% الباقية من المجتمع من ناحية أخرى. وبخصوص سياقة المرأة للسيارة كان دفاع الماليزيين أو ردهم خليطاً بين الهجوم والاستفزاز. فهؤلاء الذين تعودا على التفكير بلغة الرياضيات لا يفهمون، في علاقة المرأة بالسيارة في المملكة، أمرين على الأقل. الأمر الأول الأسباب التي تعوق المرأة السعودية من قيادة سيارتها بنفسها. أما الأمر الثاني فهم لا يجدون تفسيراً منطقياً لإصرار العوائل السعودية على استقدام سائق أجنبي بدلاً من توظيف ابن البلد في الوقت الذي تركز خطط التنمية على تقليص نسبة البطالة. ولهذا فحينما حان وقت وداعي لهم ترجوني ونحن في المطار أن أنقل لقراء الرياض الاقتصادي رسالة محبة ورجاء مفادها: إذا كنتم لا ترغبون أن تشارك المرأة السعودية في عملية التنمية مثلما هو الحال في ماليزيا فاتركوها على الأقل تقود سيارتها بنفسها.