ما لا يعلمه كثير من السعوديين أن عمال النظافة منذ السبعينات الهجرية إلى ظهور الطفرة أواخر التسعينات تقريباً كانوا سعوديين في غالبية المدن، وكانت رواتبهم تراوح في تلك الفترة بين 20 و30 ريالاً. لم يكن لعامل النظافة في ذلك الوقت زيّ خاص كما هو الحال اليوم، فمعظم العاملين كانوا يرتدون زيهم المعتاد وغالباً ما يكون ثوباً، إضافة إلى الشماغ للاحتماء من حرارة الشمس. لم تكن لديهم سيارات حديثة مثل ما هو متعارف عليه الآن، بل يصرف لهم ما يسمى باللغة الدارجة «سطل وكماشة» إضافة إلى المكانس الطويلة. يسيرون على أقدامهم داخل الحارات القديمة، وبعضهم يتعلق في شاحنة مخصصة للنظافة لكنها عادية تشابه تماماً الشاحنات التي تنقل الرمل حالياً، وكان سائقوها سعوديين أيضاً. في المقابل، كان سكان الأحياء يقدمون إلى عمال النظافة الشاي والإفطار مجاناً ويضعونها على عتبات أبوابهم الخارجية ليأتي العامل ليتناول طعامه ويكمل عمله. في ذلك الزمن لم تكن المهنة تلفت الأنظار، بل ينظر إلى من يعمل بها ب«احترام»، لأن الجميع كان يعتمد على الرزق بمهنته ويعمل بيده. ورصدت «الحياة» من خلال وثائق رسمية قديمة (حصلت على نسخ منها) يتجاوز عمرها 40 عاماً «شكوى مقدمة إلى البلدية من عدد من المواطنين تشير إلى تقاعس عمال النظافة عن الاهتمام بحيهم، وكتب في الوثيقة حرفياً: «عمال البلدية المختصين بجمع القمائم لم يمروا محلتنا منذ زمن طويل وعلى زمن رئيس البلدية السابق». وحملت إحدى الوثائق شكوى موقعة باسم رئيس المراقبين في البلدية يشرح فيها حرمانه من العلاوة وحاله الوظيفية بتاريخ 23-4-1398ه، من وقت بدايته في جمع القمائم وحمل الجثث المتعفنة أو المتقطعة بسبب الضباع في البراري - بحسب وصفه - وبسبب الحوادث والقضاء والقدر، وصبره على تعب الوظيفة التي يرى أن لا أحد يقبل بها سواء أكان مواطناً أم غير مواطن مهما كان إخلاصه، ومطالبته برفع تظلمه إلى الوزارة لتشمله العلاوة التي حصل عليها العمال. ولم يكن المجلس البلدي في ذلك الوقت غائباً عن المشهد فحرص على النظافة ورصد القصور في عمل الجزارين، إذ تشير إحدى الوثائق القديمة إلى «عدم نظافة ممرات اللحم»، لذلك قرر الأعضاء حينها بتوجيه العاملين بالجزارة بعمل «طارة» يعلق عليها اللحم، إضافة إلى غسل قماش اللحم يومياً، واستعمال المواد المبيدة للحشرات وضرورة توقيع الجزارين على تعهدات بخصوص النظافة. بينما تشير وثيقة أخرى من قسم يسمى «المراقبة والتنظيم» داخل البلدية في عام 1381ه، يشير إلى ضرورة مراقبة المزارعين عندما يحملون أغنامهم لذبحها وضرورة مرورهم على الطبيب للكشف عليها حرصاً على نظافتها وخلوها من الأمراض، إضافة إلى وثيقة أخرى من القسم ذاته لرئيس البلدية ومنه لأمير المنطقة تفيد بتحويل العاملين في مهنة «الفرانة» إلى الشرطة لوجود إقرارات عليهم بعدم التزامهم بالنظافة وضرورة إدخال الماء إلى الأفران بالصنابير وعدم تبليط الأرضية بالطبطاب ووضع ما يسمى «الأبلكاش» في سقف الفرن (المخبز). وحملت وثيقة أخرى قراراً من المجلس البلدي ضد أحد الفرانين وتعهده باحترام أوامر البلدية ونظافة فرنه، وإن عاد إلى المخالفة فإن رخصته ستسحب. وحصلت «الحياة» على وثيقة تشير إلى اشتراطات البلدية لمنح رخصة ممارسة مهنة «فوال» للعمال تشير غالبية بنودها إلى النظافة على رغم الارتجالية في صياغتها وغرابة بعضها، ومن تلك الشروط تقليم الأظافر وقص شعر الرأس ولبس غطاء للرأس، إضافة إلى ضرورة الرش الدائم ب«الفليت» لمحاربة الصراصير والذباب - بحسب الوثيقة -، وضرورة وجود منشفة أو أكثر وصنبور ماء ليستعمله الزبائن، إضافة إلى طلاء أواني الفول بالقصدير إن كانت من النحاس.