ثلاثية الإنقلاب والحرب والتفاوض كما جسدتها أحداث العام 2015 في اليمن عبّرت عن نفسها في خمسة مفاصل أساسية نلخصها كالتالي: أولاً- الإنقلاب الحوثي على حكم الرئيس هادي: بدأ عندما سيطرت مجاميع الحوثيين المسلحة على صنعاء بدعم من قوات الحرس الجمهوري المرتبطة بالرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في 21 أيلول (سبتمبر) 2014، وبعدها واصل الحوثيون السيطرة على مؤسسات الحكم المختلفة، واقتحام المعسكرات التابعة للجيش والقصر الجمهوري ومهاجمة منزل الرئيس هادي والقصر الجمهوري واحتجاز الرئيس وكبار معاونيه، وصولاً إلى الإنقلاب الكامل على الحكم من خلال الإعلان الدستوري في 6 شباط (فبراير) وحل البرلمان وتشكيل لجنة ثورية بقيادة محمد علي الحوثي تدير البلاد. مع ملاحظة أن سلطة الانقلاب الحوثي اعتبرت نفسها تعبيراً عن ثورة اليمنيين ضد التهميش والتبعية وبحثاً عن العدالة المفقودة، في حين كانت تحركاتها تعبيراً دقيقاً عن الاستبداد الغشيم وتصفية الحسابات ضد من يخالفها. جاءت أولى خطوات مواجهة الانقلاب في تمكُّن الرئيس هادي من الهرب من مكان احتجازه إلى عدن في 21 شباط والتي اعتبرها عاصمة موقتة للبلاد إلى حين تحرير صنعاء، ومن عدن وجّه بيانه الشهير إلى البرلمان بالتراجع عن استقالته، مؤكداً أن انقلاب الحوثيين غير شرعي وكل ما اتخذوه من قرارات وتغييرات باطل ولا قيمة له. وفي هذه اللحظة تبلورت أطراف المواجهة بين سلطة هادي الشرعية وبين سلطة الحوثيين الإنقلابية. غير أن الانقلاب جسّد حقيقة كانت معروفة وهي أن الرئيس هادي لم يكن يسيطر على الجيش الذي ظل قوامه الرئيسي يدين بالولاء للرئيس المخلوع صالح. ثانياً- عاصفة الحزم وحرب الضرورة: شكّلت النتائج المباشرة للإنقلاب الحوثي أكثر من مجرد محاولة للسيطرة المنفردة على حكم اليمن، فقد تأكد أنها مُحمّلة بتهديدات مباشرة لأمن دول الجوار، خصوصاً في ضوء العلاقات الوثيقة بين حركة الحوثيين وإيران التي صدرت من عاصمتها طهران تلميحات وتصريحات من مسؤولين كبار ونواب في البرلمان تشيد بسيطرة الحوثيين على الشأن اليمني باعتباره امتداداً لثورة إيران الإسلامية، وأن هناك عواصم عربية وخليجية أخرى في الطريق لتكون تحت الوصاية الإيرانية بعد الذي حدث في صنعاء ومن قبل في سورية ولبنان والعراق. ناهيك عن تحركات الحوثيين العسكرية في اتجاه الحدود مع السعودية بصورة أنبأت عن قرار ضمني بفتح جبهة حرب. وهنا تبلورت الضرورة بأوضح معانيها، حيث ضرورة احتواء المخاطر المتزايدة قبل استفحالها، وهي الضرورة التي دفعت القيادة السعودية للمبادرة في 26 آذار (مارس) بعملية عسكرية في ظل تحالف عربي وإسلامي لضبط الأوضاع اليمنية من خلال تحقيق هدفين متكاملين: الأول دعم ومساندة شرعية الرئيس هادي على رغم فقدانه السيطرة على الجيش اليمني وبالتالي إنهاء الانقلاب ونتائجه المتمثلة في السيطرة على مفاصل الدولة اليمنية، والثاني شل حركة الحوثيين ومن ورائهم الرئيس المخلوع صالح وحليفتهما إيران ومنع تقدمهم نحو الحدود الجنوبية. وبقدر ما شكّلت عاصفة الحزم تطوراً مهماً في الأداء السعودي تجاه الصراع في اليمن، شكّلت أيضاً نقلة نوعية في عمل النظام العربي، الذي أيد عاصفة الحزم في القمة العرب ية التي عُقدت في شرم الشيخ بعد يومين من بدء العمليات العسكرية، والتي بدورها تطورت من العمليات الجوية لقصف مواقع الحوثيين وصالح وتدمير قدراتهم العسكرية لا سيما الصاروخية، إلى بناء قوة مقاومة يمنية لمواجهة المسلحين الحوثيين، انطلاقاً من المحافظات الجنوبية والوسطى إلى العاصمة صنعاء، وتحرير عدن من سيطرة الحوثيين، والحصار الجوي والبحري الشامل لمنع وصول الإمدادات العسكرية الإيرانية. بعد شهر تقريباً، ومع تبلور الحاجة إلى معالجة الأبعاد الإنسانية التي تظهر عادة مع أي عمل حربي، وكذلك الحاجة إلى فتح مجال أمام الفرقاء اليمنيين للعودة إلى التفاوض، خصوصاً بعد محاصرة وتقييد الأيادي الإيرانية، أعيد بناء قواعد قوة داعمة للسلطة الشرعية وأُعلِن عن وقف عاصفة الحزم والبدء في عاصفة الأمل، والتي طبّقت مزيجاً من العمليات العسكرية للاستمرار في الضغط على الحوثيين وحليفهم صالح، وعمليات إغاثة للمناطق اليمنية المختلفة، وفتح المجال أمام البدء في عملية تسوية سلمية وفق القرار الدولي 2216. وهو ما تم التأكيد عليه مرة أخرى في مؤتمر الرياض بشأن اليمن والذي عقد في 18 و19 أيار (مايو). ثالثاً- القرار الدولي 2216 والضغط الشامل على الحوثيين: فبعد الضغط العسكري والميداني، جاء دور الديبلوماسية الدولية، حيث تبنى مجلس الأمن الدولي في 14 نيسان (إبريل) القرار 2216، وهو في الأصل مشروع قرار عربي تضمن ثلاثة أقسام شكلت إطاراً متكاملاً للتعامل مع عناصر الأزمة اليمنية، وفي بدايتها التأكيد على شرعية الرئيس هادي في مواجهة خصومه، وتأييد جهود مجلس التعاون الخليجي، وتطبيق وتوسيع العقوبات الدولية الواردة في القرار 2140 بحق رموز من جماعتي الحوثي وصالح واعتبارهم متورطين في أعمال تهدد أمن اليمن واستقراره. ومن أوجه الضغط التي تضمنها القرار المطالبة السريعة للحوثيين بوقف الأنشطة العسكرية والعنف وسحب قواتهم من المناطق التي سيطروا عليها في صنعاء وغيرها، والتوقف عن تهديد الجيران أو استفزازهم والإفراج الفوري عن المعتقلين من رموز الحكومة اليمنية الشرعية والمواطنين. وتضمن القرار حظراً تاماً للسلاح إلى الحوثيين وجماعة صالح. وأعطى القرار الحق للدول المجاورة بتفتيش الشحنات المتجهة إلى اليمن في حال اشتباه بوجود أسلحة فيها، والحق في مصادرة أي من المواد المحظورة. أما سياسياً فقد حدد القرار مبادئ مهمة، من بينها التمسُّك بوحدة اليمن ودعم جهود مجلس التعاون الخليجي في ما يخص الانتقال السلمي في اليمن، وإدانة الخطوات التي اتخذتها جماعة الحوثيين بشأن محاصرة المؤسسات والوضع الأمني في العاصمة وغيرها من المناطق. رابعاً - البحث عن آلية للتفاوض وتطبيق القرارات الدولية: على رغم أهمية القرار 2216 فإن تحويل بنوده المتعلقة بإحياء العملية السلمية وإنهاء وضع الحرب وعودة الشرعية لممارسة عملها بصورة طبيعية تطلّبا جهداً خاصاً من المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ، خصوصاً في ضوء رفض الحوثيين القرار واستمرار تحركاتهم للإنتشار والتمدُّد في المناطق المختلفة في اليمن. وقد شكّلت سلطنة عمان محطة مهمة في إجراء مباحثات تمهيدية بين أطراف الحرب اليمنية، وبينما أصرت حكومة الرئيس هادي على أن أي جهد دولي لا بد أن يصب في اتجاه إلزام الحوثيين وقوات صالح بالقرار الدولي بكل بنوده، طالب الطرفان الآخران بأن تتوقف العمليات العسكرية المدعومة عربياً أولاً، ثم البحث في أمور تتعلق بتقاسم السلطة، على أن يؤجل البحث في أي أمر يخص سحب القوات ورفع الحصار عن المؤسسات. وبعد محاولات عدة انتهى الأمر إلى صوغ وثيقة تبلورت في آخر تشرين الأول (أكتوبر) عُرفت بالنقاط السبع، والتي وُصفت بأنها أرضية وسطية يمكن على أساسها بدء عملية تفاوض جادة. وشملت هذه النقاط: الالتزام بتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بما فيها القرار 2216 من جميع الأطراف مع التحفُّظ على العقوبات الصادرة بحق المواطنين اليمنيين، ووقف دائم وشامل لإطلاق النار من جميع الأطراف، وانسحاب كل الجماعات والميليشيات المسلحة من المدن وفق آلية يُتفق عليها، ورفع الحصار البري والبحري والجوي، ورقابة محايدة على تنفيذ الآلية التي سيتم الاتفاق عليها بإشراف الأممالمتحدة، واحترام القانون الإنساني الدولي وبالذات ما له علاقة بحماية المدنيين، وإطلاق سراح المعتقلين والمحتجزين، وعودة حكومة خالد بحاح لممارسة مهامها كحكومة تصريف أعمال لفترة لا تتجاوز 90 يوماً يتم خلالها تشكيل حكومة وحدة وطنية بما لا يتعارض مع الدستور، واستئناف المفاوضات وتسريعها بين الأطراف اليمنية التي تجرى بوساطة الأممالمتحدة، وفقاً لقرار مجلس الأمن. وأن تلتزم الأطراف كلها بتسليم السلاح الثقيل إلى الدولة وفقاً لمخرجات الحوار الوطني الشامل. ووفقاً لهذه المبادئ التي لم تلغ القرارات الدولية، ولكنها أيضاً وضعت عملية التفاوض تحت رعاية مباشرة للأمم المتحدة وبضمانات منها، تقاربت مواقف أطراف الصراع مما مهد عملياً لمفاوضات جنيف – 2. خامساً- جنيف- 2: مفاوضات تحت الضغط وشكوك في النتائج. فبعد أن حُلت بالفعل مسألة وقف العمليات العسكرية العربية، حيث اتُّفق على وقف إطلاق نار لمدة أسبوع تتم خلاله مفاوضات جنيف– 2، على أن يكون في حال نجاحه بداية لهدنة طويلة لإنجاح مساعي وقف الحرب تماماً، وشكّل كل طرف فريقه للتفاوض من 8 أعضاء وأربعة مستشارين، بدأت بالفعل في 15 كانون الأول (ديسمبر) أولى المباحثات المباشرة بين الوفدين؛ الشرعية في جانب والتمرُّد الحوثي وحليفه صالح في جانب آخر. لكن الشكوك بين الطرفين ظلت حاضرة، على الأقل في ما يتعلق بالالتزام الكامل بوقف إطلاق النار أثناء التفاوض، خصوصاً محاولتين سابقتين في أيار (مايو) وحزيران (يونيو) لتطبيق هدنة لاعتبارات إنسانية ولفتح باب للتفاوض لم يحترمها الحوثيون وصالح. ومع ذلك يبقى الأمل في أن تتواصل المفاوضات برعاية أممية، وأن تنتهي إلى شيء ملموس يخفّف أولاً من معاناة اليمنيين بعد رفع الحصار عن مدنهم وشواطئهم، ويسهم في عودة الشرعية إلى وضعها الطبيعي وأن تشكّل حكومة وحدة وطنية تطبّق مخرجات الحوار الوطني، وهو أمل يعيش عليه اليمنيون ويناصره المحبون لليمن وأهله، لا سيما أن حسابات التمرّد العسكرية والسياسية قد حُكم عليها بالفشل التام، ولا مجال ثانية لعناد يوقع المزيد من الضحايا والمزيد من الدمار في بلد يفتقر إلى أبسط موارد الحياة. * كاتب مصري