يخطئ من يظن أن «وهم الخلود» لم يراود سوى المخيّلات المعاصرة، أو أنه لم يندلع إلا بفضل التقدّم في علوم الطب والبيولوجيا. لا شيء أبعد عن الوقائع من هذه الأفكار. راود هذا الحلم الزاهي البشرية مراراً وتكراراً، بل منذ حضاراتها المبكرة. وفي نصوص الحضارة السومرية، هناك ملحمة «كلكامش» التي لا تدور إلا على معنى السعي المحبط للبشر للإمساك بسراب الخلود. يفهم البطل الأسطوري «كلكامش» أن سعيه لسنوات لا تتوقف عن المجيء هو سراب لا طائل منه. ويقتنع بعد مسيرة ملحمية، بأن التضامن بين البشر يصنع من الأعمال والمنجزات ما يبقى، أما جسد الإنسان فهو محكوم بالموت والفناء. في الميثولوجيا الإغريقية، استحال الأمر على البطل الأسطوري هرقل، رغم نسبه الممتد إلى آلهة آمَن اليونان بأنها ذات حول وطول. كأنّه سراب، كأنه يتجدّد إذا سرنا إلى قصة أهل الكهف، نجد بشراً استمروا على قيد الحياة، ما يزيد على 3 قرون، قبل أن ينفذ حكم القدر بموتهم. إذا قفزنا بجرعات كبيرة، لنصل الى القرن 21، ثمة نهم هائل إلى الامتداد بعدد سنوات العمر، طويلاً وطويلاً. هناك تبسيط مُخلّ في هذا الأمر، كأنه سراب. في سياق علوم البيولوجيا المعاصرة وثورتها التقنيّة (تُسمّى «بيوتكنولوجيا» Biotechnology على سبيل الاختصار)، تبيّن أنه كلما دار دولاب العمر دورة كبرى، كالانتقال من الطفولة الى المراهقة أو من الأخيرة الى الشباب، يتقلص جزء من الجينوم اسمه «تيلومير» Telemere. وعندما يتقاصر «حبل» ال «تيلومير» إلى منتهاه، يكون المرء في أواخر العمر. هل لو أوقفنا دورة التقاصر في ال «تيلومير» تتمدّد سنوات العمر؟ ثمة من يعتقد أن الأمر هو بهذه البساطة، لكن وقائع العلم لا تؤيّد هذا التبسيط، بل تراه سراباً يحاول التدثر برداء العلوم. في المقابل، كما ورد آنفاً، هناك ما يكفي من الوقائع للقول بزيادة ملموسة في معدّلات الأعمار في المجتمعات الحديثة، سواء بأثر الطب والبيوتكنولوجيا أو بسبب تطوّر أنماط الحياة اليوميّة أو كلا الأمرين معاً. إذاً، هل يتحول كوكب الأرض، بفعل ثورة التكنولوجيا الطبية إلى حاضنة سحرية تطيل أعمارنا عقوداً أو أكثر، أقلّه وفق ما يعتقد به الفرنسي لورنت آلكسندر، وهو باحث في البيولوجيا وجرّاح في طب الأعصاب، ومؤسس المركز الطبي البحثي «دوكتيسّيمو» المتخصّص بالتعرّف الى شيفرة الجينوم البشري للأفراد. ويعتبر مركزه المتخصّص الأكبر في نوعه أوروبيّاً. في كتاب «موت الموت»، يستعرض آلكسندر الجينوم البشري والعلاجات الوراثية، والاستعانة بخلايا المنشأ Stem Cells (تترجم أيضاً ب «الخلايا الجذعيّة)، والطب النانوي Nano Medicine المستند إلى النانوتكنولوجيا، والملاءمة بين الأعضاء والآلات الإلكتروميكانيكية وغيرها. ويستنتج آلكسندر أن هذه الثورات في ال «بيوتكنولوجيا» سوف تقلب في بضعة أجيال علاقات البشر مع عوالمهم. ومن الممكن، بحسب آلكسندر، أن يتضاعف معدل العمر الوسطي للإنسان خلال القرن ال21. * رئيس الهيئة الوطنية للعلوم والبحوث